في الأسابيع الاخيرة زرع نتنياهو الرياح بمعارضته الفظة والمطلقة للاتفاق النووي مع ايران، وأول من أمس حصد العاصفة. كان رئيس حكومة اسرائيل في مركز خطاب الرئيس براك اوباما الشامل والشديد والهجومي في الجامعة الأميركية في واشنطن. فقد هوجم نتنياهو بشكل واضح كمن أخطأ بصورة مباشرة وغير مباشرة، وحده أو مع آخرين، كرجل فانتازيا ومخادع ويثير الفوضى ويسعى الى الحرب وإن كانت عن طريق الخطأ.
كان هذا خطابا تاريخيا بكل المعايير: في تاريخ العلاقات الخارجية للولايات المتحدة وعلاقتها مع ايران والشرق الاوسط، وجهود واشنطن لنزع السلاح النووي من العالم والارث المستقبلي لاوباما. وسيحظى الخطاب في فصل خاص به في تاريخ العلاقة المميزة بين اسرائيل والولايات المتحدة: منذ الصدام بين آيزنهاور ودافيد بن غوريون فيما يتعلق بعملية سيناء لم توضع اسرائيل كعقبة مركزية أمام الاستراتيجية الأميركية، ولم تتم ادانتها بشكل علني كرافضة وحيدة معزولة عن كل العالم. ايضا لا توجد سابقة للمرارة الشخصية التي ترافق الصراع السياسي بين اوباما ونتنياهو أو تحويل رئيس حكومة اسرائيل الى كيس أساسي للملاكمة في خطاب مهم الى هذه الدرجة من قبل رئيس أميركي.
مثل نتنياهو في خطابه أمام النشطاء اليهود، أوضح اوباما، أول من أمس، أن هذه ليست مسألة شخصية: سخر اوباما ممن اعتبروا الاتفاق المرحلي الذي وقع في جنيف في تشرين الثاني 2013 "خطأ تاريخيا" (فقط نتنياهو)؛ وضحك من الذين قالوا إنه يمكن صنع "صفقة أفضل" (نتنياهو ايضا)؛ وسخر ممن هم مقتنعون بأنه يمكن ليس فقط الحفاظ على العقوبات (نتنياهو ايضا) بل تشديدها (بالذات نتنياهو). انتقد اولئك الذين دفعوا الولايات المتحدة الى القتال في العراق (ايضا نتنياهو) ولم ينس الاستهزاء من الادعاء الذي يقول إن ايران تريد السيطرة على العالم (فقط نتنياهو).
من الناحية السياسية قد يكون اوباما قدم لنتنياهو خدمة ممتازة. وخطابه قد يعزز شعور الشعب الذي يعيش وحده، والعالم كله ضدنا، ولا يوجد من نعتمد عليه سوى أنفسنا، ولا يوجد من نستند اليه سوى الله في السماء. كل ذلك يشكل أساس التأييد الاسرائيلي المصمم لمواقف وقناعة نتنياهو. وقد عزز اوباما مكانة نتنياهو عند الجمهوريين كبطل قادر على مواجهة اوباما وجها لوجه، خلافا لمرشحي الحزب للرئاسة الذين سيتواجهون، هذا المساء، في مناظرة تلفزيونية اولى، وهم لا يستطيعون في هذه المرحلة التغلب على الملياردير الذي اعتبر ذات مرة مهرجا، دونالد ترمب.
نجح اوباما ايضا في اغضاب وتخويف الجالية اليهودية، بعد أن ألحق الضرر بنقاطها الحساسة، في حديثه ضد "اللوبيين" الذين تحولوا فجأة الى "علماء نوويين"، ودعوته الأميركيين من اجل العمل ضد جهودهم "المدعومة بعشرات ملايين الدولارات للدعاية". وذكر اوباما حادثة 12 ايلول 1991 حينما تصادم جورج بوش الأب مع اللوبيين بشأن الضمانات لاستيعاب المهاجرين في اسرائيل. وفي حديثه أنه سيخون واجباته كرئيس أميركي اذا تصرف بطريقة اخرى "فقط بسبب التوتر الذي نشأ مع الحليفة"، ذكر اوباما تعبيرا شديدا يسعى الكثير من الجمهوريين الى تجنبه، عندما صرخ الرئيس ريغان على اسرائيل في تشرين الاول 1981 بسبب نشاطها في الكونغرس ضد صفقة بيع طائرات "ايواكس" للسعودية: "ليس من شأن دول اخرى تحديد سياسة الولايات المتحدة الخارجية".
إن بيع "ايواكس" وتقديم الضمانات لم يكونا في مركز الرؤية الاستراتيجية، والفعل السياسي والايديولوجي الشخصي لريغان وبوش كما فعل اوباما، أول من أمس: هذا الاتفاق هو أنا. وهو يشكل استمرارا مباشرا للاتفاقات النووية التي وقعها رؤساء أميركيون من كنيدي حتى ريغان مع الاتحاد السوفييتي والصين، وتعرضوا في حينه للانتقادات ذاتها. يحقق الاتفاق ايضا السياسة التي وضعها اوباما في الخطابين المركزيين في عامها الاول في منصبه، رغم أنه لم يذكرهما بشكل مباشر – في نيسان 2009 في براغ فيما يتعلق بتجريد العالم من السلاح النووي وفي 2009 في القاهرة بشأن فتح صفحة جديدة مع العالم الاسلامي.
ورغم غضب منتقديه إلا أن اوباما لم يتراجع عن قوله إن رفض الصفقة من الكونغرس سيؤدي في نهاية المطاف الى اندلاع الحرب. وقد قال امورا مشابهة ايضا في اللقاء، الثلاثاء الماضي، مع مجموعة من الزعماء اليهود في البيت الابيض: الغاء الاتفاق سيدفع الايرانيين الى السعي الى الحصول على القنبلة، والطريقة الوحيدة لمنع ذلك ستكون استخدام القوة. "يمكن لهذا أن يحدث خلال ستة الى تسعة اشهر"، قال. وبلهجة كشفت عن موقفه الحقيقي أضاف: "إن أول من سيصرخ أن علي المبادرة الى عملية عسكرية هو نتنياهو".
عن "هآرتس"