قبل أربعة شهور تشكلت لجنة مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية كردٍّ على احتجاز سلطات الاحتلال للعائدات الفلسطينية، وضمّت في حينه كلَّ الطيف الوطني من فصائل ورجال أعمال وتجار وقطاع أهلي ونقابات، وحتى الحكومة التي جاءت على استحياء، وأصدرت اللجنة بيانها الأول في مؤتمر صحافي عقد في نقابة الصحافيين في البيرة.
لقد كان القرار الأول هو مقاطعة منتوجات شركات إسرائيلية كبرى منها «تنوفا» و«شتراوس» و«أوسم» و«بريغات» وهي تعمل في مجال المواد الغذائية والعصائر والألبان، وتعدّ من أعمدة الاقتصاد الإسرائيلي.
ولأول مرة تتخذ اللجنة قرارها على قاعدة المنع وليس المقاطعة... بمعنى أنها دعت إلى خلق آلية تنفيذية لمنع البضائع من الوصول إلى السوق الفلسطينية وحتى محاسبة كل من لا ينفذ القرار، وأمهلت اللجنة التجار وخاصة كبارَ التجار عدة أسابيع للتخلص من المخزون لديهم، لأن الكثيرين ادّعوا وجودَ مثل هذا المخزون.
اللجنة اجتمعت عدة مرات واتخذت عدة قرارات، وكنتُ أنا شخصياً أحدَ أعضائها... وعملت على تشكيل لجان شعبية من أجل تنفيذ المنع... واستعانت بالفصائل وبشكل خاص أقاليم حركة «فتح».
لقد شهدت الفترة الأولى التي لم تتجاوز أسابيع تعاوناً ملفتاً... بل وصل الأمر إلى مصادرة ما تحمله الشاحنات التابعة للشركات الإسرائيلية من خلال عمليات تهريب واضحة، وقد شاهدنا إتلافَ هذه البضائع في عدة مناطق وخاصة وسط مدينة رام الله.
في حينه، حاول كثير من المنتفعين من الشركات الإسرائيلية والمنتوجات الإسرائيلية وقف هذا القرار، حتى أن وكيل إحدى الشركات الإسرائيلية الكبرى حاول حرف القضية عن بُعدها الوطني إلى بعد طائفي... وكان الردّ عليه واضحاً وقاسياً... منع المنتوجات الإسرائيلية هو مصلحة وطنية وقرار وطني
رغم تشكك كثير من المواطنين بمواصلة اللجنة عملها أو ارتباط المقاطعة بتحويل الأموال الفلسطينية المحتجزة، وكنا كأعضاء لجنة ندافع بشراسة عن أن الوضع هذه المرة مختلف تماماً، وأن هذا القرار وطنيٌ جامع لا تراجعَ عنه.
في حينه، طالبت اللجنة المصانعَ والشركات الفلسطينية بالتأكيد على جودة المنتج وبتخفيض الأسعار وبزيادة العمالة لأن المنع سينعكس على حصتها السوقية،
ولكن ما الذي حصل فجأةً ودون مقدمات؟ انهار كلُ شيء... عادت المنتوجات الإسرائيلية بقوة أكبر ومنافسة أشدّ، وخاصةً في شهر رمضان عندما خفّضت الشركات الإسرائيلية أسعارَها بشكل لا يمكن منافستُه فلسطينياً.
لم يتدخل أحد ولم تعد اللجنة حتى تجتمع... وتكثف التهريب بشكل أكبر... أين المشكلة؟ في التاجر الجشع... في المواطن الذي مازال مُصرّاً على جودة المنتج الإسرائيلي ولو على قاعدة «عنزة ولو طارت»، أم في الحكومة التي لم ترغب في البداية خوض هذا المعترك؟.
ربما فينا جميعاً... عندما نصل إلى نقطة نكون فيها غير قادرين على الاستغناء عن علبة «شمينت» إسرائيلية، أو عن قطعة «بوظة» إسرائيلية، فعلينا النظر إلى مرآتنا الوطنية والخجل من أنفسنا أغنياء قبل فقراء، مثقفين قبل أميين، نخبة قبل جمهور... سلطة ومسؤولين قبل مواطنين لا حول لهم ولا قوة.
أرجوكم لا تتحدثوا كثيراً عن المقاطعة لأن الداء فينا، لأننا أسرى منتوجات الاحتلال، لأننا مرضى بداء «كل شيء من الآخر أفضل»، لأننا لم نعد ننظر إلى الاحتلال كنكبة، لأننا نريد أن نكون في مستوى معيشة يضاهي أوروبا ونحن متسوّلون.