هل نمتلك خطة واضحة لمواجهة محاولات أميركا واسرائيل تصفية القضية!

التقاط.PNG
حجم الخط

 

منذ دخول ترامب البيت الأبيض والشعب الفلسطيني لا يرى أي أفق سياسي لحل عادل للقضية الفلسطينية أو لوقف الإنتهاكات الاسرائيلية الهمجية والعدوان السافر على الشعب الفلسطيني، في ظل صمت عالمي إن كان غربياً أو عربياً.

لقد إعتقدنا قبل رئاسة ترامب للولايات المتحدة وانتظار ٦ سنوات على حكم أوباما، ان الاحتلال في طريقه للزوال خصوصاً بعد وعود أوباما الكاذبة وضعفه أمام صهاينة أميركا من أمثال دنيس روس في تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة، مقابل نجاح دبلوماسي باهر للسلطة الفلسطينية وانتزاع عدة قرارات أممية لصالح قضيتنا، ولكن مع الأسف لم تترجم هذه القرارات على الأرض بسبب عداء الإدارة الأميركية لشعبنا وحقوقه.

من الصعب جداً أن نعدّد السلسلة الطويلة في الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني، ومنها الإعتداءات الاسرائيلية على مقدساتنا وتجريف مصادرة الأراضي، والقتل الجماعي لأطفال ونساء وشباب وشيوخ فلسطين، أي القتل المتعمد من جميع الأعمار. هذا عدا عن مصادرة الأراضي بحجج واهية ومنها البناء في المستعمرات المسلحة بحجة الزيادة السكانية السنوية. وكل هذا تم في عهد أوباما، والذي وعد في أول زيارة له الى القاهرة عندما أتحفنا في خطابه بأنه لن يدير ظهره الى القضية الفلسطينية، كما أنه في أول خطاب له في الأمم المتحدة قال بأنه بعد سنة «سنجد في هذه القاعة عضواً فلسطينياً في الأمم المتحدة»، ولكن مع الأسف تبين لنا بأنه أجبن رئيس في تاريخ الولايات المتحدة الاميركية، ولم يطبق شيئاً من وعوده بشأن القضية الفلسطينية.

أما بعد فوز ترامب فقد تلاعب في سياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية من أول يوم إعتلى فيه الكرسي الرئاسي في البيت الأبيض. والسيدة نيكي هيلي، كما يقولون في لبنان «بقت البحصة» أي أنها قالت بما سوف تحتويه «صفقة القرن» بأنه يوجد واقع على الأرض، وهذا يعني أن علينا القبول بواقع سرقات الاحتلال من أراضي الشعب الفلسطيني والاستيطان عليها، أي أن أميركا والتي طالما تفاخرت بأنها راعية حقوق الانسان تقبل وتعترف بأن ما تسرقه اسرائيل من أملاك الفلسطينيين أصبح من حقها، بدلاً من أن تعاقب السارق الذي استولى على أملاك ليست له. وهذا هو جوهر صفقة القرن وعلينا أن نقبله وإلا ستزداد عذابات الشعب الفلسطيني خمسين سنة أخرى، كما بشرتنا نيكي هيلي في كلمتها أمام الأمم المتحدة!

لقد بقيت السلطة الفلسطينية صابرة منتظرة وعد ترامب بطرح خطة عادلة، ولكن بعد زيارته الى أراضي السلطة الفلسطينية وإجتماعه مع الرئيس محمود عباس تبين بأنه رجل صهيوني من الطراز الأول، إذ أنه بعد زيارته للسعودية وحصوله على عقود ببلايين الدولارات إطمأن بأن شيطنته المالية نجحت. وقد أتانا ليجتمع مع نتنياهو ويكيل المديح لدولة اسرائيل، كما ان نتنياهو رحب به كأول رئيس جمهوري يزور القدس «عاصمة اسرائيل الأبدية» على حد تعبيره.

ومن ثم بدأ ترامب بتنفيذ ما أسمي «صفقة القرن» بإخراج قضية القدس عن طاولة المفاوضات ومحاولة تصفية قضية اللاجئين بوقف المساعدات لوكالة الأونروا ومحاولة التشكيك بأعداد اللاجئين،

مما يعني تجاهل أهم محور للقضية الفلسطينية وهو قضية اللاجئين وحقهم في العودة، إضافة الى إعطاء الضوء الأخضر لتوسيع الاستيطان.

وكي تكتمل مسرحية «صفقة القرن» الف فريقاً صهيونياً متعصباً لاسرائيل يتكون من صهره جاريد كوشنر وديفيد فردمان وجيمس غرينبلات، فأرسل كوشنر الى دول الخليج ليقنع زعماءها بأن الفلسطينيين ضعفاء مالياً وسيقبلون بخطة ترامب الاقتصادية والتي ستكون سخية جداً، اذا ما تم الضغط على السلطة الفلسطينية بهذه الاغراءات الضخمة للفلسطينيين والدول المجاورة لفلسطين، والتي فيها اكثرية من اللاجئين مثل الاردن وسوريا ولبنان ولكنه فشل. ومن ثم ارسل الصهيوني غرينبلات للمنطقة ليغرينا «باقتصاد مزدهر» مقابل الأرض، ولكنه واجه رفضاً كاملاً من الشعب الفلسطيني وقيادته المتمسكين بحقوق شعبنا الثابتة والمشروعة في هذه الأرض.

وهذا يعني بأن اميركا اخذت قرارها وبدأت بتنفيذه بإنهاء القضية الفلسطينية بقرارين في صالح اسرائيل، قبل ان تعلن رسمياً خطتها، ثم أغلقت مكتب منظمة التحرير في واشنطن واوقفت المساعدات عن السلطة الوطنية وحتى عن مستشفيات القدس، وبدأت بشن حملة شرسة ضد القيادة الفلسطينية.

واعتقد ترامب بأن العالم سيبقى صامتاً ازاء هذه القرارات الصهيونية خاصة بعد بدء بعض الدول الحديث عن نقل سفاراتها الى القدس ومنها استراليا والبرازيل بعد تغير نظام الحكم فيها والتي كانت اكبر داعم في أميركا الجنوبية لقضيتنا.

صحيح القول بأن أوروبا لغاية الآن صامدة أمام قرارات ترامب، ولكن اذا بقيت مجرد بيانات تنديد ووعيد فقط فسوف تبدأ أوروبا بقيادة بريطانيا بتلبية رغبات ترامب ثم تليها دولة بعد أخرى حتى تنتهي بصفقة قرن ترامب، بموافقة غربية ايضاً.

هذه التطورات الخطيرة شجعت اليمين الاسرائيلي المتطرف ، الذي يحكم اسرائيل ،على تصعيد ممارساته وانتهاكاته ضدالشعب الفلسطيني بالمصادرات والاستيطان وتهويد القدس واقتحام اراض السلطة ولم يبق الاحتلال المقاطعة ووضع حاكم عسكري مكان السلطة الفلسطينية ليدير شؤون الشعب الفلسطيني. ويبقى قطاع غزة واعتباره دولة فلسطينية.

طبعاً هذا ليس وارداً في القريب المنظور لأن السلطة الفلسطينية ما زالت تدبر شؤون الشعب الفلسطيني، ولكن بوجود احتلال قابض على جميع الأراضي التي تقع في المنطقة «الف وباء وجيم، ويمارس هذا الكم من الانتهاكات بما في ذلك إضعاف السلطة الفلسطينية ومحاولة إبقائها فقط لمصلحة المحتل، وإذا ما استمر ذلك، سوف يأتي اليوم الذي توضع فيه السلطة أمام الأمر الواقع أي دولة احتلال اسرائيلي عنصرية على جميع الاراضي الفلسطينية، ما عدا قطاع غزة والتي ستعتبرها اميركيا «دولة فلسطين»!.

كما أن ما يدور الحديث حوله عن المحاكم الدولية فإننا لم نرى منها أي نتيجة حتى الآن واكبر دليل على ذلك قرار الجدار العنصري والذي لم يقم العالم بعده بمعاقبة اسرائيل بعدم تنفيذ قرار المحكمة الدولية. لذلك على الشعب الفلسطيني الايعول على المحاكم الدولية ولا حتى على أي قرار يصدر من مؤسسات الأمم المتحدة مثل اليونيسكو وغيرها رغم ما تعنيه من انجاز معنوي. ولنسأل أنفسنا سؤالاً واحداً وهو: اذا اعترفت ١٣٨ دولة بفلسطين فلماذا لم تنفذ هذا القرار الا بعض الدول التي لا تعد حتى بعدد أصابع اليد؟!.

أنا لا أقول هذا من فراغ ولكن المؤشرات بينت ذلك، ولا بد لنا ان نغير من سياساتنا والتي تعتمد فقط على التنديد والوعيد ومطالبة العالم بالتحرك، كما ان الانتظار لأنهاء الانفصال هو بمثابة سراب لأن الانقسام يترسخ، وما الشعارات التي نسمعها من الانقساميين سوى ذر للرماد بالعيون.

وقد سمعنا من الأخ اسماعيل هنية بأنه جاد في إنهاء الانفصال، وطلب عقد اجتماع مع الأخ الرئيس محمود عباس لأنهاء الانفصال إما في غزة أو أي مكان خارج غزة، وكأن هذا الاجتماع سينهي محنة الانفصال. فاذا كان الأخ هنية فعلاً يريد العودة عن الانقلاب فكان الاجدر أن تنفذ "حماس" ما وقعت عليه في مخيم الشاطىء والاتفاقات التي وقعت عليها في مصر ومن ثم يتم عقد أي اجتماع في غزة وليس خارج غزة. لذلك فإن الشعب الفلسطيني بأجمعه لا يمكن ان يعّول على مثل هذا الكلام.

الشعب الفلسطيني وقيادته برئاسة الأخ الرئيس محمود عباس من المستحيل أن يقبل بالتنازل عن الأرض وحقه في تقرير مصيره حسب ما نصت عليه القوانين والقرارات والأعراف الدولية.

ولا أدري ما الذي تفكر به قيادة السلطة ولكن ما نراه بأنها عاجزة عن فعل أي شيء في ظل هذا العجز العربي والهرولة العربية والهرولة العالمية خصوصاً، اذا انتظرنا للعام ٢٠٢٠ م موعد أعادة انتخاب الصهيوني ترامب مجدداً.

لذلك ليس لنا الا قرار واحد، وعلى السلطة الفلسطينية المعترف بها عربياً ودولياً ان تصارح الشعب الفلسطيني بهذا الواقع وتأخذ قراراً فورياً بإعلان النفير العام في جميع الأراضي الفلسطينية وخصوصاً التي تحت سيطرتها وأن يمارس شعبنا حقه في النضال والتحرر من هذا الاحتلال عبر مقاومة سلمية شعبية واسعة وعصيان مدني تحت شعار الحرية والاستقلال. أما الانتظار أكثر من ذلك فهو يعني مضي الاستعمار قدماً في في تنفيذ مخطط تصفية القضية الفلسطينية.

واذا لم نتحرك اليوم في مواجهة ما يخطط له الاستعمار الأميركي الصهيوني، فهذا يعني أننا نقبل بهذا الواقع المشين، بعد أن خسرنا عشرات آلاف الشهداء والجرحى والأسرى لرفع راية الاستقلال، والله المستعان.