عندما يشهد الإسرائيليون لشباب فلسطين

1.PNG
حجم الخط

 

عندما يتساءل الإسرائيليون عن الخطر الذي يتهدد دولة الاحتلال الإسرائيلي جراء التصعيد في العمليات الفلسطينية، فهذا معناه أن شيئاً مهماً يولد بين أحشاء المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

يتساءل الإسرائيليون: هل تطيح العمليات الفلسطينية حكومة نتنياهو؟ لم يأت هذا السؤال من فراغ، ولكنه استنتاج من تجارب مباشرة من المواجهة بين جنود الاحتلال والشباب الفلسطيني.

هذه الاستنتاجات بعضها يتعلّق بالفشل والإخفاق الذي يسيطر على عجز جنود الاحتلال في التعامل مع الشباب الفلسطيني، عجز وصل إلى درجة الفشل في الدفاع عن النفس. وبعضها الآخر يتعلّق بخصوصيات التكوين النفسي للشباب الفلسطيني الذي يخرج ليقتل إسرائيلياً أو يخرج ليودّع شهيداً، أو يتظاهر ضد هدم سلطات الاحتلال منزل أسرة أحد الأبطال الذين يقومون بعمليات فدائية ضد قوات الاحتلال.

اثنان من كبار المعلّقين العسكريين والأمنيين الإسرائيليين هما شاهدا هاتين الملاحظتين، فقد كتب «عاموس هرئيل»، كبير المعلّقين العسكريين في صحيفة «يديعوت أحرونوت» ينتقد عجز أفراد شرطة الاحتلال في الدفاع عن أنفسهم، معتبراً أن هذا العجز "صورة مصغّرة لعجز الدولة، وهنا يكون الخطر". فحسب تعبيره يقول هرئيل: إن «قوة السلسلة تُفحص بحلقتها الضعيفة»، ثم يضيف أنه «بهذا الاختبار فشل الجيش» في الأسبوعين الماضيين، مشيراً إلى أن «دائرة الحراسة الجسدية (أي الدفاع عن النفس) هي خط الدفاع الأخير الذي يفترض أن تتحطم عليها خلايا (الإرهاب)، بعد أن تتملص من دائرتي الاستخبارات والإحباط الهجومي»، ويقر بأن دائرة الحراسة الشخصية هذه «فشلت على الأقل في ثلاثة أحداث مختلفة على الأقل: في عوفرا، وجفعات أساف، وبيت إيل»، والنتيجة التي خلص إليها هي «انعدام مهنية القوات التي لم تبد ما يكفي من الخبرة والانضباط، إلى جانب ما يبدو مَواطن خلل في مستوى القيادة الدنيا في الميدان».

هذا عن خيبة قوات الاحتلال، وعلى النقيض ينقل عاموس هرئيل في «هآرتس» عن ضابط كبير في قيادة المنطقة الوسطى (المعنية بضبط الأمن في الضفة الغربية) قلقه وانزعاجه مما يحدث من تطورات في عمق الشارع الفلسطيني. فمن خلال احتكاكه هو وقواته مع الشباب الفلسطيني الذي يدخل في اشتباكات مع قوات الاحتلال يقتْل أو يُقتل، وصل إلى قناعة مفادها أن «الضفة موجودة على شفا موجة عنف أخرى».

سبب القلق عند هذا الضابط وأيضاً عند عاموس هرئيل هو ذلك المشهد الذي يكاد يتكرر أسبوعياً، والذي تمكّن فيه فلسطيني مسلح من إطلاق النار على جنود الاحتلال ومستوطنين تصادف وجودهم بالقرب من هؤلاء الجنود في محطة قرب البؤرة الاستيطانية «جفعات أساف» شرق رام الله، فقتل جنديين من كتيبة «نتسح يهودا»، وجندي آخر ومستوطنة أصيبا إصابات بالغة، وتمكّن الشاب الفلسطيني من الفرار، ويستخلص عاموس هارئيل من هذا المشهد الذي يرويه عن الضابط الإسرائيلي أن «الخطر يتوالد والعمليات الناجحة تحفز وتشجع الشباب الفلسطيني على تقليدها، وقد لا يطول الزمن حتى يمكن أن تشتعل الضفة مع غزة بانتفاضة ثالثة».

أين القيادة الفلسطينية من هذه الحالة الشعبية الفلسطينية، من هذا الجيل الجديد، الذي ولد أغلبه بعد الانتفاضة الأولى؟، وأين الصراع السياسي بين الثنائي «فتح» و«حماس»، بين أبو مازن وإسماعيل هنية؟ وأين هذا كله من التمادي في إفشال كل محاولات المصالحة، والسقوط في مستنقع المكايدة بين الطرفين، كل منهما يسعى إلى إفشال الآخر، والقضية الفلسطينية هي من يدفع الثمن؟. وأين هذا التناحر مع الكارثة التي كادت أن تقع في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكادت أن تؤدي إلى صدور قرار من الجمعية يدين الفصائل الفلسطينية، لولا براعة المندوب الكويتي الذي أفشل الخطة الأمريكية -الإسرائيلية في الجمعية العامة، عندما نجح في طرح مشروع قرار إجرائي يصوّت عليه بالأغلبية البسيطة (النصف +1)، باعتبار أن التصويت على مشروع القرار الأمريكي يجب أن يكون بأغلبية الثلثين، ونجحت الخطة الكويتية، حيث وافقت الجمعية العامة على القرار الإجرائي الكويتي وصوّتت على مشروع القرار الأمريكي وأسقطته رغم حصوله على 87 صوتاً، لأنه لم يحصل على الثلثين.

اعتبر البعض أن سقوط مشروع القرار الأمريكي انتصار فلسطيني، لكنه في واقع الأمر انتصار شديد المرارة. لذلك كان طبيعياً أن ينظّم رئيس الوفد الإسرائيلي بالأمم المتحدة احتفالاً كبيراً بهذا الانتصار، رغم سقوط مشروع قرارهم، الغريب في الأمر أن رجال السلطة يعيشون أيضاً «وهم انتصار» لم يحققوه، ولم يكلّفوا أنفسهم مغبة المراجعة والمحاسبة في أسباب هذه الانتكاسة.

لا وجه للمقارنة بين حالة الشعب الفلسطيني الذي يقاتل جنود الاحتلال بصدور عارية ويرعب جنود «الجيش الذي لا يقهر»، ويفرض عليه الانهزام النفسي وبين حالة السلطة وكبار القادة السياسيين الذين لم تصلهم بعد رسالة الشعب الفلسطيني الذي بات على شفا تفجير انتفاضته الثالثة، رغم أنف سلطات الاحتلال، ورغم أنف قياداته السياسية.

...عن "الأهرام" المصرية