بقلم: سميح خلف

عقيدة الجيش الإسرائيلي

 سميح خلف
حجم الخط

عرضت قناة البي بي سي العربية فيلمًا تسجيليًا مصورًا عن حرب الأيام الستّة يتناول غزوات الجيش الإسرائيلي في جزءه الأول على سيناء والضفة الغربية للأردن حيث انطلقت تلك الحملة من أرض النقب الفلسطينية المحتلة متجهة نحو سيناء وكيف أعدت إسرائيل جيشها واستدعاء الإحتياطي الذي تم تجهيزه في يومين انطلاقًا إلى سيناء. الفيلم التسجيلي يكشف مدى وقاحة وعنصرية وحيوانية عقلية الجيش الإسرائيلي التي لا تبتعد كثيرًا عن عقلية منشأ هذا الجيش من عصابات الأرغو وشتيرن والهاغاناة، هي تجمع تلك العصابات في جيش يسمى جيش الدفاع الإسرائيلي.

بلا شك أن حرب الأيام الستة كانت درسًا قاسيًا لكل الشعوب العربية بما حملت نتائجها من مذلة وهوان وانكسار لعقلية عربية تاريخها صلابة ومجد وشجاعة، ولا ندري كيف هزمت تلك الجيوش ولكن النتيجة التي حدثت أن الهزيمة لم تكن للجندي العربي ولا لشجاعته بل كانت نوع من المؤامرة وسوء التخطيط وضعف استخباراتي أصاب دول المواجهة. الفيلم التسجيلي حقيقة وأنا أشاهده أحسست أن دماء قلبي كلها ارتفعت إلى رأسي في لحظة غليان وفوران، ولا أدري أيضًا إن كانت إسرائيل تتغنى بتلك الحرب، أقصد حرب الأيام الستة، ومازالت تعرض أفلامها التسجيلية والأحاديث بين قياداتها عن بطولاتهم وخططهم وكيف وصلوا لقناة السويس وكيف احتلوا القدس وأريحا، فهنا يبين ذلك عجز الإعلام العربي والمؤسسات الرسمية عن كشف تلك السلوكيات الإسرائيلية اللاانسانية والحيوانية التيي تمارسها في حروبها سواء في حرب الأيام الستة أو ما تلاها من حروب وصولًا إلى حربها على غزة في عام 2014 .

ما قيل في هذا الفيلم يندى له الجبين، وصور الجنود الأسرى وكما وصفهم الفيلم المصور في إذلال وهوان لهؤلاء الرجال جنود الجيش العربي، ولكن ما لفت نظري هي تلك المقابلة التي حدثت في الفيلم مع جندي إسرائيلي وقائد وحدة عندما سأله المراسل الحربي: إلى أين تتجهون؟ قال: إننا نتجه إلى القاهرة لأمارس الجماع مع أول امرأة أقابلها ولو كان عمرها ستين عامًا!، وأكمل جندي آخر: لا.. إنني سأمارس الجماع من بداية الضفة الغربية للقناة وصولًا إلى القاهرة. وشيء آخر لفت نظري وأشعرني بالغيظ وبأن لا سلام مع هؤلاء الأوغاد القتلة الذين أتوا من أصقاع العالم ليقول: أقتلوا كل ما تروه.. ونريد أكثر قتلى، اقتلوا المدنيين والجنود ولا تفرقوا بينهم!.

هي تلك عقلية الجيش الإسرائيلي الذي تتغنى وسائل الإعلام الغربية بحضارته وتقاليده العسكرية، بل إن الواقع يكشف عكس ذلك، فعقلية الجيش الإسرائيلي هي التي قتلت الأطفال والمدنيين في حرب 2008 و 2012 و 2014 في الشجاعية وخانيونس وشمال غزة، وهي العقلية التي سبق أن قتلت أطفال بحر البقر وعمال أبو زعبل وهي نفس ذات العقلية التي قتلت المدنيين في قانا 1 وقانا 2، تلك العقلية التي أبعادها مذابح ديرياسين وكفر قاسم ومذبحة خانيونس في الخمسينيات والشجاعية أيضًا. ماذا نقول عن عقلية هذا الجيش الذي يتباهى في فيلمة التسجيلي عن بطولاته اللاأخلاقية وكما وصفتها الحيوانية لقتل كل ما تراه أعينهم سواء في صحراء سيناء أو في غزة التي قال عنها الفيلم أنها مهجورة من أهلها، أو في باب الأسباط في القدس عند اقتحامه، هذا باب الأسباط الذي شاهدته في الفيلم المصور الذي لاقى مقاومة عنيفة من الجيش الأردني وسقط منهم العديد، ولكن أظهر الفيلم بالتعليق كيف يقتلون الأسرى والمدنيين بأوامر عسكرية.

الشيء اليقين الذي اقتنعت به بعد مشاهدة هذا الفيلم أن العقلية العربية عقلية مسامحة سلمية حتى في الحروب، فمازلت أذكر عندما أسر الجيش المصري "الجيش الثاني" لواء عساف ياجوري ولم يقتل منهم أحدًا، حتى قائد اللواء، أما هم فقد تغنوا في الفيلم أنهم قتلوا القادة والجنود والمدنيين. ولكن لماذا يذاع هذا الفيلم على قناة البي بي سي الآن، وما هو الغرض منه؟ أهو تغني بأمجاد القتلة والمحتلين للأرض العربية، م لرفع الحالة المعنوية لجيش منهار، كنت أتمنى أن يكون هناك جزء ثانيًا لهذا الفيلم يصور جنود الإحتلال وهم يصرخون في وديان الجنوب اللبناني، وكنت أتمنى على العقلية الإسرائيلية المخادعة الفاشلة الحاقدة أن تصور ماذا لاقى جنود الإحتلال في الشجاعية وخانيونس والشمال في غزة وكيف كانوا يصرخون وكيف تحطمت دبابتهم وهرب جنودهم في معركة الكرامة وبسالة رجال الامن الوطني في جنين في الانتفاضة الثانية ، وكنت أريد أن يصوروا كيف اقتحم رجال المقاومة الفلسطينية موقعًا للجيش الإسرائيلي وأسروا جنديًا يصرخ مستسلمًا، انهم هؤلاء الجبناء الذين لا يوصورون إلا لحظات نصرهم، ولكن لم يعد قيمة لهذا الفيلم التسجيلي ولا لتوقيته، بعد أن أصبحت الجيوش العربية والقيادات العربية أكثر وعيًا، فلازالت حرب السادس من أكتوبر حية، وكيف هربوا من خط برليف كالنعاج، وتشتت الجيش الإسرائيلي الذي يتغنوا به وبشجاعته، كيف طلبت جولدامائير المساعدة من أميركا أمام الجيش المصري، وكيف قتلوا في الجولان، وكيف لقنوا درسًا على حدود غزة وفي داخلها، وكيف تم تفجير المواقع العسكرية في مستوطنة نتساريم في غزة من خلال نفق، وكيف تحطمت الميركافا على أيدي المقاومة الفلسطينية، ان عهد الانتصارات الذي يتغنى به هذا الفيلم قد ولى، فلم يعد الجيش الإسرائيلي هو الجيش الذي لا يقهر، بل أصبحت إسرائيل ومع قناعتي بيت من العنكبوت تحميه أدوات سياسية اقليمية ودولية كما هي عسكرية وأمنية، وأععتقد يضًا أن هذا الجيش الذي لا يقهر أصبح مرتعبًا مهتزًّا أمام عنفوان المقاومة العربية والفلسطينية.

لم يعد لهذا الفيلم قيمة وإن تم إذاعته في البي بي سي، ولكن مطلوب من الجهات الرسمية العربية أن تصوّر أكثر من فيلم تسجيلي عن معارك أكتوبر ومواجهات المقاومة الفلسطينية في غزة وفي الجنوب اللبناني، وكنت أود أن أشير أن على الجهات الدبلوماسية العربية أن تأخذ مقاطع هذا الفيلم وتقدمه لمجلس الأمن والأمم والمتحدة كوثيقة من وثائق الإجرام الإسرائيلي.