لندع حرب الإبادة التي شنها الأميركان ضد الهنود الحمر جانبا، وضحايا تجارة العبيد، وضحايا الحروب الأهلية.. وهؤلاء أعدادهم تقدر بعشرات الملايين، وإذا أضفنا الإرهاب الأوروبي في فترة الاستعمار سيصبح الرقم بمئات الملايين.. لنترك كل هذا الماضي البعيد، ونركز فقط على ضحايا الإرهاب الأميركي في العصر الحالي.
في الحرب العالمية الثانية استخدم الحلفاء القصف الجوي على المدن والمدنيين طريقةً للانتصار. ما خلف حوالي 2.5 مليون قتيل مدني، قُتلوا تحت القصف الجوي الأميركي والبريطاني. في مدينة دردسن الألمانية وحدها قُتل 25 ألف إنسان، في برلين قُتل نحو 800 ألف آخرين.
وفي نهاية الحرب ضربت أميركا اليابان بالقنابل الذرية، ما خلف 140 ألف قتيل في هيروشيما، و80 ألف في ناغازاكي. وفي أثناء الحرب كان الإعلام الأميركي يصور الأسرى اليابانيين بأنهم "حيوانات" أو "غير آدميين"، بما لا يعطيهم حق المعاملة بقوانين حماية أسرى الحرب. وبعد معركة أوكيناوا، واستسلام اليابانيين. سُجلت 1336 حالة اغتصاب في العشرة أيام الأولى لاحتلال المدينة، عدا آلاف الحالات غير المسجلة.
في حزيران 1950 اندلعت الحرب بين الكورتين الشمالية والجنوبية، والتي كان يفصلهما ما يعرف بخط العرض 38؛ على الفور تدخل الأميركيون في الحرب إلى جانب كوريا الجنوبية. وبعد ثلاث سنوات، وضعت الحرب الكورية أوزارها، مخلفة وراءها حوالى 5 ملايين قتيل من مدنيين وعسكريين. وما زالت كوريا مقسمة إلى يومنا هذا.
في الهند الصينية، قتلت أميركا نحو 350 ألف مدني في لاوس، و600 ألف مدني في كمبوديا، ونحو 3.8 مليون فيتنامي، إضافة لآلاف القتلى بعد الحرب من جراء الألغام. وقد بلغت أعداد جرائم الحرب الموثقة التي ارتكبها الجيش الأميركي في فيتنام 360 حادثة (وهي مسجلة لدى البنتاغون)، أغلب الضحايا نساء وأطفال. ومن ضمن جرائم الحرب الأميركية في فيتنام استخدام الرش الكيماوي لتدمير وحرق وإتلاف البشر والحقول والقرى، مثل الرش بالمبيد البرتقالي المحرم دوليا.
في يوغوسلافيا السابقة، قصف حلف "الناتو"، بدعم أميركي صربيا، سنة 1999 مخلفا أكثر من 5000 مدني قتيل.
وفي دراسة لمعهد واتسون للشؤون الدولية، التابع لجامعة براون، قدرت حصيلة القتلى في العراق وأفغانستان وباكستان بنحو نصف مليون شخص، قتلوا بطريقة عنيفة جراء "الحرب على الإرهاب"، التي تشنها الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول. وأشارت الدراسة إلى أن الرقم الحقيقي من المرجح أن يكون أكبر.
وقالت جامعة براون، في بيان لها، إن الحصيلة الجديدة "تزيد بـ 110 آلاف قتيل على الرقم الأخير الذي صدر في 2016. وتقول الدراسة إنه قتل في العراق وحدها نحو مائتي ألف مدني، وفي أفغانستان قُتل 38 ألف مدني، وفي باكستان قُتل 23 ألف مدني. وقتل نحو 7 آلاف جندي أميركي في العراق وأفغانستان. ولا تشمل الحصيلة من قتلوا بشكل غير مباشر كنتيجة للحرب، مثل من قضوا نتيجة الأمراض والجوع وتدمير البنى التحتية.
وإضافة لمذبحة ملجأ العامرية (شباط 1991) التي قتل فيها نحو 500 مدني، تورطت أميركا في فضيحة مخزية، في سجن أبو غريب (2003)، كما شهد سجن غوانتنامو أسوأ أنواع التعذيب بحق معتقلين اتهمتهم بالانتماء للقاعدة.
وإضافة لحروبها المباشرة، تشعل أميركا حاليا 40% من حروب العالم، في 76 بلدا، سواء بشكل غير مباشر أم عبر تزويد أطراف الصراع بالسلاح الأميركي. تبلغ موازنة الدفاع الأميركية نحو 750 مليار دولار سنويا، بمعدل 2 مليار لليوم الواحد، وتخصص منها مليارات الدولارات على صناعة الذخائر والقنابل. إحدى الدراسات تشير إلى أن بوش الابن ألقى 70 ألف قنبلة فيما سماه حربا على الإرهاب، ومن بعده ألقى أوباما نحو 26 ألف قنبلة، أما ترامب فحتى الآن ألقى نحو 44 ألف قنبلة، عدا مئات آلاف القنابل التي ألقاها بوش الأب وكلينتون، والتي لم تذكرها الدراسة.
وأشارت صحيفة "الغارديان" البريطانية (11-1-2017) في تقرير مطول إلى أن أميركا في عهد أوباما ألقت 26 ألفا و171 قنبلة، على أماكن متفرقة في العالم، وبالأخص في الشرق الأوسط، بمعدل 72 قنبلة في اليوم، و3 قنابل كل ساعة. وأضافت "الغارديان"، إن أوباما خفض عدد الجنود الأميركيين بصورة كبيرة على الأرض، ولكنه توسع في الحروب الجوية، واستخدام قوات العمليات الخاصة، فتدخلت أميركا في 138 بلدا حول العالم.
هذا غيض من فيض، ومن يغوص أكثر في البحث سيجد أرقاما مهولة، عن ضحايا العنف الأميركي. وهذا متوقع من دولة قوية متخمة بالسلاح، تهيمن على العالم، بعقلية عدوانية متغطرسة، لا تأبه لحياة الناس وأرواح المدنيين، وكل ما يهمها مصالحها فقط.. خاصة وأن الحرب وتجارة السلاح والتصنيع العسكري تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الأميركي.. لكن الغريب والمستهجن، أن أميركا تمارس كل هذا العدوان، وكل هذا القتل، وكل هذا الإرهاب تحت مسمى محاربة الإرهاب، ونشر الديمقراطية، وحقوق الإنسان!!
تخوض أميركا حروبها بخطاب إعلامي ديماغوجي، ترافقه ماكينة دعائية تعمل في هوليوود لتجميل وتلطيف صورة الأميركي في الخيال العالمي.. حيث عملت السينما الأميركية على إظهار نموذج الأميركي البطل الخارق، الذي لا يموت، وعلى تحويل هزائم أميركا في فيتنام وغيرها إلى انتصارات فردية خارقة للعادة.. مقابل تشويه صورة الخصم، وتسخيفها، وتجريدها من إنسانيتها.
هذا الكذب والتزييف الذي يصل حد الوقاحة، تروج له وسائل إعلام عربية عديدة، لتبرير تحالفات بعض الأنظمة العربية مع أميركا، وتبعيتها لها.. ولكن هذا لا يعني توجيه أي اتهامات أو عداء للمواطن الأميركي نفسه، فالشعب في واد، والنخب الحاكمة في واد آخر.. كما لا يعني أن تدير الدول ظهرها لأميركا، فكونها الدولة الأقوى في العالم حاليا، يتطلب منها التعامل معها بطريقة أو بأخرى.. والعالم بأسره سيظل بحاجة التكنولوجيا والعلوم الأميركية.. ولا يعني أن نتمنى انهيار أميركا؛ لأن انهيارها سيتسبب بكوارث في كل العالم لا حصر لها ولا عد.
المهم ألا تنطلي علينا حيلة الدعاية الأميركية في ترويج بضاعتها وتعميم نموذجها.. فمع كل طلقة تطلقها ضد من تعتبرهم إرهابيين، إنما تخلق إرهابيين حقيقيين، فأميركا راعية الإرهاب الدولي. و"أميركا هي الطاعون، والطاعون أميركا".
