أجمع أكاديميون ومختصون فلسطينيون على ضرورة إعادة النظر في جهودنا وإدارتنا للعمل الدبلوماسي، واستخلاص العبر، على الرغم من فشل تمرير مشروع القرار الأميركي، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، لإدانة المقاومة الفلسطينية، في السادس من ديسمبر الجاري.
جاء ذلك خلال ندوةٍ سياسية، نظمتها كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الأزهر - غزّة، في قاعة د. هاني الشوا، تحت عنوان (أبعاد فشل مشروع القرار الأميركي في الأمم المتحدة لإدانة المقاومة الفلسطينية).
واستهل رئيس قسم التاريخ ومنسق برنامج دراسات الشرق الأوسط بالجامعة الدكتور عصام مخيمر، حديثه بنبذةٍ تعريفية عن مشروع القرار الأميركي، الذي حظي بتأييد ٨٧ دولة، ومعارضة ٥٧، وامتناع ٣٣ دولة عن التصويت.
ورأى د. مخيمر، أنه لا يمكن فهم ذلك القرار وحيثياته وأبعاده، من دون فهم بيئة الشقاق الفلسطيني، وحالة التطبيع الرسمي العربي، التي تسببت في إضعاف مواجهته ووأدِه.
وقال: "لو لم تنجح الكويت، بوليفيا وإيرلندا في إقناع الجمعية العامة، لتم تمرير مشروع القرار"، مضيفاً "وكان هناك مشروع قرار آخر قدمته إيرلندا وأكد على صيغة حل الدولتين وإنهاء الاحتلال، حيث حظي بتأييد أغلبية ساحقة، وصوتت ١٥٦ دولة لصالحه، في مقابل ٥ دول عارضته، وهي: الولايات المتحدة الأميركية، إسرائيل، ليبيريا وجزر المارشال".
ونوه د. مخيمر، إلى أنّ مشروع القرار الأميركي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يأتي في إطار ما بات يُعرف ب"صفقة القرن"، التي خرجت بها علينا إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وأشار إلى أن الندوة ستتطرق إلى أربعة محاور مهمة، الأول مخصص لرئيس مجلس الأمناء الأستاذ الدكتور إبراهيم أبراش، ويتناول إعادة صياغة آليات المواجهة للسياسات الأميركية في الأمم المتحدة، والثاني مخصص للدكتور عبدربه العنزي، ويتناول قراءة تحليلية للدبلوماسية الفلسطينية والعربية في الأمم المتحدة، والثالث يتطرق من خلاله الأستاذ الدكتور أسامة أبو نحل، لدلالات التصويت على مشروع القرار، فيما الرابع يتحدث فيه الدكتور رائد أبو ربيع، عن إعادة توحيد الخطاب الإعلامي الفلسطيني.
التنبه للخطر
لفت أ.د أبراش، إلى أن تصويت ٨٧ دولة لصالح القرار، لا يمكن أن يعتبر فشلاً للإدارة الأميركية، معتبراً في الوقت نفسه أن ذلك شيئاً خطيراً يحصل داخل الأمم المتحدة.
وشدّد على أنّ هذا التأييد يدق ناقوس الخطر، متسائلاً: لماذا حصلت الولايات المتحدة على هذا العدد الكبير من الأصوات؟!.
وبيّن أ.د أبراش، أن ّهنالك خطراً علينا التنبه له، مشيراً إلى أن الرأي العام الدولي يمثل حالةً غير ثابتة، وعلينا أن نتوقف على مشروع القرار الذي فشل.
كما استعرض جملةً من العوامل التي تسببت في هذا العدد الكبير من الدول المؤيدة لهذا القرار، ومنها: دور الولايات المتحدة المهيمن وممارستها لسياسة الامبريالية، إلى جانب تحالفات واشنطن مع دول الغرب، عدا عن الهيمنة المالية، وقدرة الولايات المتحدة على التأثير على عدد كبير من الدول، من خلال المساعدات و الضغط المالي، وتحديداً دول إفريقيا وأميركا اللاتينية.
ومن هذه العوامل - التي عددها أ.د أبراش - السيطرة والتأثير الأمني، فكثير من الأنظمة غير الديموقراطية تستمد وجودها من خلال الحماية الأميركية؛ وبالتالي يتم مساومة هذه الأنظمة إما أن تكونوا مع سياسة واشنطن، وإما أن نزعزع أمنكم، وهذا ينطبق على كثير من الأنظمة العربية - للأسف للشديد -.
وأكد على أنّ من بين العوامل، هو أن الرواية الإسرائيلية والأميركية باتت مقنعةً أو أكثر إقناعاً بعد تراجع الرواية الفلسطينية والعربية.
ونوه أ.د أبراش، إلى أن خطورة القرار لا يمس حركة حماس بل المقصود منه هو إدانة مبدأ المقاومة، بمعنى أنه إذا ما تم تمريره ستُدان بموجبه أي حركة أو جماعة أو أي فلسطيني يمارس المقاومة، فالمقصود هو إسقاط هذا الحق المكفول.
وأوضح أنّ في الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارات تمنح الشعب الفلسطيني الحق في مقاومة الاحتلال بكافة الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح، منوهاً في السياق إلى أن المقصود هنا مبدأ المقاومة، فإذا أُسقط هذا الحق معنى هذا أُسقط مبدأ أن هذا الشعب خاضع للاحتلال.
وتطرق أ.د أبراش إلى آليات مواجهة السياسة الأميركية، التي عدد منها: إنهاء الانقسام ووحدة الموقف الفلسطيني، مؤكداً أن الكل بارك موقف السلطة الفلسطينية، في كونها أول من وقف في وجه مشروع القرار الأميركي.
ومن ضمن آليات المواجهة للسياسات الأميركية التي تحدث أ.د أبراش عنها، تصويب علاقاتنا مع العالم العربي، فلا يوجد موقف عربي رسمي داعم لنا بالكامل، إضافةً إلى تصويب علاقاتنا على مستوى الرأي العام العالمي، الذي بدأ يتآكل، لأن روايتنا بدأت تضعف أمام الرواية الإسرائيلية.
ودعا أ.د أبراش، إلى ضرورة التنبه إلى أهمية العمل السياسي والدبلوماسي، وبناء استراتيجية شمولية مع المقاومة ولكن العامل السياسي والدبلوماسي مهم جداً، لأن غيابنا في هذا الجانب ستملؤه إسرائيل.
ما حدث لم يكن انتصاراً
بدوره، نوه أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الأزهر - غزة الدكتور عبدربه العنزي، إلى أن نحو ٧٠٠ قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة كلها تشير إلى تضامن واضح وجلي مع القضية الفلسطينية.
وقال د. العنزي :" عندما نتحدث عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فنحن لا نتحدث عن مجلس الأمن، لأن الجمعية العامة تمثل صوت العالم كله".
وأضاف "٧٠٠ قرار لصالح قضية فلسطين في الأمم المتحدة، ويُعرض لأول مرة مشروع قرار يدين حقنا ونضالنا الفلسطيني، الأمر الذي يقرع ناقوس الخطر ليس للسلطة ولحركات المقاومة فحسب، وإنما للقضية الوطنية الفلسطينية برمتها".
ومن ملاحظات د. العنزي على مشروع القرار الأميركي الأخير، هو امتناع سبع دول إسلامية عن التصويت من بينها: أريتريا، العضو المراقب في جامعة الدول العربية، مبيناً في هذا الصدد، أن الامتناع أو التحفظ يساوي الرفض أو يعني الضد.
وأفرد د. العنزي مساحةً واسعة للحديث عن الدبلوماسية الفلسطينية، والمحطات التي مرت بها، وركائز وبيئة عملها.
وبحسبه فإن الدبلوماسية الفلسطينية استطاعت تحقيق انجازات لا يمكن أن نتجاوزها أو ألا نُشيد بها، لاسيما في سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، إلا أن مسار التسوية بدءاً بمدريد ثم أوسلو ثم وادي عربة وملاحقها، أثّر على العمل الدبلوماسي الفلسطيني السري والعلني، والذي تبين لاحقاً أنه كان له دوراً واضحاً في هذه الاتفاقيات.
وتابع: "العمل الدبلوماسي زاحم العمل المسلح، والعمل التنظيمي كذلك، وغدت مسيرة المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، تأخذ طابعاً باتجاه تعزيز الفعل الدبلوماسي، باعتباره مساراً وحيداً للفلسطينيين، خاصةً مع تراجع دور المقاومة بكافة أشكالها".
وأردف د. العنزي: "على المستوى العربي، لازلنا أمام أنظمة مذعورة، وهذا ينعكس على أدائها وفعلها الدبلوماسي، وحتى على تصويتها والموقف المصاحب له، من مشروع قرار كالذي طرحته واشنطن في الأمم المتحدة مؤخراً".
وخَلُص أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الأزهر - غزة، إلى أن الظروف المحلية والإقليمية والدولية لا تساعد على مواصلة النجاح، وأن ما حدث مؤخراً لم يكن انتصارا،ً فأنت تتحدث بلغة الأرقام عن ٨٧ دولة مع القرار الأميركي، بينما ٥٧ دولة ضده، مشدداً على أن ذلك مؤشر خطير، وأن إسرائيل وأميركا ستبحثان عن منافذ أخرى لكي تعيق هذا التقدم في الأمم المتحدة.
نتيجة تستدعي وقفة
من ناحيته، بيّن أستاذ التاريخ والعلوم السياسية بجامعة الأزهر - غزة الأستاذ الدكتور أسامة أبو نحل، أن مشروع القرار الأميركي هذا يعد من أخطر المشاريع التي تم طرحها في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ نشأتِها.
ونوه إلى أنه لم يسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن أقدمت على إدانة أو تجريم مقاومة أي شعب تحت الاحتلال، موضحاً أنّ أميركا نجحت في الضغط على الدول الفقيرة التي تساعدها اقتصادياً، ودول أخرى تتحالف معها أو توفر حمايةً أمنية وعسكرية لأنظمتها الحاكمة.
وبحسبه فإن "نتيجة التصويت على القرار تستدعي وقفةً حقيقية، فنحن نتحدث عن إشكالية في صيغة مشروع القرار نفسه، إضافةً إلى أن دول صديقة، وأخرى إسلامية صوتت لصالحه كألبانيا والبوسنة والهرسك، وامتناع أفغانستان عن التصويت".
وأشاد أ.د أبو نحل بموقفي الكويت وإيران من مشروع القرار الأميركي، حيث عَدَهمَا من أقوى المواقف.
وأوضح أن الكويت أصرت على أن يتم التصويت بأغلبية ثلثي الأعضاء، وليس بصيغة ٥٠% +١ من أعضاء الجمعية العامة، فيما الموقف السعودي - مثلاً- لم يكن ملتبساً فقط، وإنما كان مخزياً عندما ساوى بين المقاومة والاحتلال.
ونبه أ.د أبو نحل إلى أن تداعيات تمرير مشروع القرار الأميركي - إن حدثت - ستكون انفراطاً في عقد هذه المؤسسة الدولية، وسيؤدي إلى تغول قوى الظلم على الشعوب المغلوب على أمرها، وسيتحول القانون الدولي إلى قانون ما يُعرف بشريعة الغاب.
وتابع: "لو افترضنا جدلاً أنه تم تمرير هذا القرار فإن تداعياته ستكون جد خطيرة ليس في فلسطين فحسب، وإنما في لبنان التي تحتضن المقاومة الإسلامية ممثلةً بحزب الله، وعليه ستكون الدولة مطالبة رسمياً بمحاربة المقاومة هنالك وكل من يتبناها".
ولفت أ.د أبو نحل، إلى أن المطلوب من القيادة السياسة الفلسطينية التصدي بحزم لأي محاولة مستقبلية لإدانة المقاومة، فتجريم أي طرف فلسطيني يمارس هذا الحق، فيه تجريم للتضحيات التاريخية ولنضال شعبنا الطويل والمتواصل.
إستراتيجية وحدة الخطاب
وفي نظرة تقييم للخطاب الإعلامي الفلسطيني، أكد رئيس قسم الإعلام والاتصال الجماهيري بجامعة الأزهر - غزة الدكتور رائد أبو ربيع، أننا نعاني كثيراً في هذا الشأن، مطالباً بصياغة إستراتيجية إعلامية واضحة في المضامين والتوجهات، يكون لها عمق ديني وتاريخي وجغرافي واجتماعي وقيمي.
واستعرض د. أبو ربيع في محوره، تجربة الإعلام التركي، الذي عمل وفق استراتيجية وحدة الخطاب، موضحاً أن هذه الوحدة حققت للسياسة التركية التغلغل والتوسع في المنطقة.
وطبقاً لما أورد فإن الدراما التركية تترجم اليوم لنحو ٦٠ لغة حول العالم، وهي تحمل مضامين وقيم تركية مختلفة ثقافية، دينية، اجتماعية وسياسية.
وأعرب د. أبو ربيع عن أمله في أن ينحى الإعلام الفلسطيني هذا النحو، بأن يعبر عن خطاب وحدوي، ويحمل لشعوب العالم مضامين ورؤى تعكس نضالنا المشروع، وتوجهاتنا التحررية.
وختاماً: أثرى الحضور من أكاديميين وطلبة دراسات عليا إضافةً لطلبة الجامعة النظاميين، الندوة السياسية، بمداخلات وآراء هامة، فضلاً عن طرح بعضهم أسئلةً على المتحدثين، في المحاور التي سلطوا أضواءهم عليها.