إسرائيل وسورية.. ضربة ما بعد الضربة

f11bde1a4fbaaf398f8454952bb25bba.jpg
حجم الخط

 

ليس غريباً أن يشن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات على مناطق بالقرب من العاصمة دمشق، في الوقت الذي أثار فيه إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب قواته من الشام حفيظة القيادة الإسرائيلية التي توعدت إيران في سورية.
إسرائيل التي أطلقت صواريخها من فوق الأراضي اللبنانية أرادت اختبار العلاقة المتوترة بينها وبين روسيا على خلفية إسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة عسكرية روسية كانت تُحلّق في الوقت الذي حلقت فيه طائرات حربية إسرائيلية لقصف أهداف سورية.
الاختبار لا يتعلق بفحص رد الفعل الروسي من هذه الغارة فحسب، بل يشمل ذلك الإمكانيات التي يمتلكها النظام السوري بعد إعلان روسيا تزويد حليفه منظومة الصواريخ «اس 300» وتدريب القوات الحكومية عليها.
القصف الإسرائيلي المتواصل على سورية الذي زاد على 200 غارة جوية خلال عامين فقط، يشي بأن تل أبيب لا تريد أن تقف في خانة المتفرج على المشهد السوري وتداعياته بينما تواصل كل من إيران وتركيا حماية مصالحهما في سورية.
موضوع الضربات الجوية على سورية ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية ضد منشآت عسكرية إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله، كان سهلاً فيما مضى بفعل انشغال النظام السوري في نزاعه ضد المعارضة والاستماتة في سبيل بقائه حياً.
غير أن هذه المعادلة تغيرت اليوم وسورية الأسد حالياً ليست كما كانت قبل عامين أو أكثر، والسبب أنها باتت تسيطر على حوالى 80% من المساحة الإجمالية للبلاد وهي مدعومة بقوة من قبل روسيا وإيران، بالإضافة إلى أنها تنظر بأهمية بالغة للتهديدات الإسرائيلية.
من المهم الانتباه لتوقيت الضربة الجوية الإسرائيلية التي حصلت بعد قرار الرئيس الأميركي ترامب الانسحاب من سورية، ذلك أنه فاجأ الجميع بهذا الانسحاب بمن في ذلك شركاؤه الاستراتيجيون من أمثال إسرائيل.
مع ذلك فإن تل أبيب التي ربما أدركت أن واشنطن ستنسحب من سورية في آخر المطاف، تعتقد أنه لا ينبغي أن تراهن على الولايات المتحدة الأميركية كل الوقت، بل عليها أن تتدخل بنفسها لتأمين مصالحها بعد أن تضع الحرب أوزارها.
وقبل قصفها الأخير هذا، مضى المسؤولون الإسرائيليون في التأكيد على أولوية محاربة إيران وأن الضربات العسكرية لن تتوقف عن سورية إلى حين إزالة تهديد طهران، ومن غير المستبعد أن تكون الضربة مقدمة لمزيد من الضربات بهدف خلط الأوراق في المنطقة.
لابد من الإشارة إلى أن هدف إسرائيل الاستراتيجي هو إبعاد إيران عن سورية وإبقاء الأخيرة ضعيفة، غير أن أوراق اللعبة ليست في صالح تل أبيب، ولذلك فإنها تلجأ إلى أساليب تكتيكية تستهدف إما خلط الأوراق والتشويش على الانسحاب الأميركي من سورية، أو فتح قنوات تفاوضية مع الروس لتحديد آلية للبحث في الموقف الإسرائيلي من النزاع السوري.
حتماً لن تلجأ إسرائيل إلى هدم علاقتها بروسيا لأن ذلك بمثابة انتهاء تدخلها في سورية، ومن غير المستبعد أن تكون هناك تفاهمات من تحت الطاولة مع الروس بصدد التنسيق حول الضربات العسكرية الإسرائيلية في سورية.
الروس تهمهم العلاقة مع المثلث الإقليمي إيران وتركيا وإسرائيل، كون هذه الدول تمتلك إمكانات سياسية واقتصادية يمكن الاستفادة منها على الصعيد الروسي لجهة الاستثمار وتحقيق الشراكات، فضلاً عن تدخل هذه القوى في الشأن السوري.
روسيا تفهمت الوجود الإيراني في سورية واعتبرته عنصراً معززاً لدعم القوات الحكومية السورية في نزاعها ضد المعارضة، كما أنها تفهمت التدخل التركي الذي يهدف إلى إزالة التهديد الكردي في شمال سورية، وأعطت لهذين الطرفين مساحة معقولة لترتيب مصالحهما.
والحال كذلك مع إسرائيل، إذ عدا الحرد الروسي من إسقاط طائرة عسكرية بالخطأ بسبب إسرائيل، فإن القيادة الروسية تدرك أن نهاية الأزمة السورية وخروج روسيا منتصرة من النزاع السوري يستوجب تقديم جوائز ترضية للمثلث الإسرائيلي والتركي والإيراني.
من المهم قراءة بيان وزارة الدفاع الروسية بعد الضربة العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت الريف الغربي والريف الجنوبي الغربي لسورية، حيث اعتبرت هذه الهجمات أعمالاً استفزازية وانتهاكا للسيادة السورية، وأنها هددت طائرتين مدنيتين بشكل مباشر. وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشنكوف إنه جرى فرض قيود على أنظمة الدفاع الجوي السورية لتجنب حدوث مأساة.
بيان وزارة الدفاع الروسية لم يكن قاسياً وشديد اللهجة وكأنه متفهم للغارات الإسرائيلية، وطالما أنه منزوع الدسم فلعل إسرائيل مقبلة على المزيد من الهجمات الجوية لكن ربما بوتيرة هادئة لا تسمح فيها للدب الروسي بالتكشير عن أنيابه.
المحصلة من الضربات الإسرائيلية لسورية أنها لن تتوقف طالما لم تحقق تل أبيب أهدافها، وأغلب الظن أن المثلث المذكور سيخرج منتصراً بعد أن تضع الحرب أوزارها، ذلك أن إيران مثلاً تعزز وجودها حين دعمت القوات الحكومية السورية التي حققت مكاسب عسكرية ضد المعارضة.
أيضاً تمضي تركيا في تحقيق مصالحها خصوصاً بعد أن قررت واشنطن الانسحاب من سورية وترك الأكراد لقمةً سائغةً لأنقرة التي تهدف إلى تفكيك عناصر قوتهم وحصرهم في إطار جغرافي آمن لا يهدد السيادة التركية.
وكذلك الحال تفعل تل أبيب لتأمين مصالحها، بدليل أنها ضربت سورية غير آبهة للحرد الروسي ولا حتى لمنظومة الصواريخ اس 300 التي هي بحوزة النظام السوري، وأغلب الظن أنها فتحت خطاً ساخناً لإبلاغ موسكو بكل شاردة وواردة تحصل في سورية.
هذه الدول تمتلك عناصر القوة والتأثير ولذلك هي حاضرة في الميدان السوري، وأغلب الظن أن مآلات النزاع ستفضي إلى تصفير الوجودين الإيراني والتركي باستثناء روسيا، لأنه لن يكون هناك مبرر لهذا الوجود بعد انتهاء النزاع.
وستظل إسرائيل على علاقة مع روسيا لجهة ترتيب الملف السوري وإزالة التهديد الإيراني هناك، لأنها ترى أن مصلحتها تكمن في وجود جار هزيل البنية يلملم جراحه و»يا دوب» يمكنه التنفس بعد انتهاء النزاع.