لهذا ترفض "حماس" ومن معها حل المجلس التشريعي!

thumbgen (5).jpg
حجم الخط

 

المفترض أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لم يتأخر أحد عشر عاماً ليقدم على هذه الخطوة الضرورية، فحل المجلس التشريعي كان يجب أن يأتي مباشرة بعد ذلك الانقلاب الدموي، الذي كانت بادرت إليه «حماس» في مايو (أيار) عام 2007 بعد نحو ثلاثة أشهر من اتفاق مكة المكرمة الشهير الذي كان قد تم التوقيع عليه بين هذه الحركة والسلطة الوطنية وحركة «فتح» ومنظمة التحرير برعاية الراحل الكبير الملك عبد الله بن عبد العزيز أمطر الله تربته بشآبيب رحمته.
لقد كان واضحاً ومنذ اللحظة الأولى، أي بعد ذلك الانقلاب الدموي مباشرة، أن هذه الحركة التي هي الامتداد المسلح للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» في الساحة الفلسطينية أرادت الإبقاء على المجلس التشريعي الذي كانت لها السيطرة عليه لاستخدامه ضد السلطة الفلسطينية وضد «فتح» ولتظهر للفلسطينيين وللعالم بأنها هي الجهة الشرعية طالما أنها تشكل الأكثرية في هذا المجلس الذي تم انتخابه في عام 2006، أي قبل نحو اثني عشر عاماً من حله مساء السبت الماضي، بموافقة من المحكمة الدستورية وبتوجِّه من المجلس المركزي مع دعوة لإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر.
وبالطبع فإن «حماس» بادرت ومباشرة، بعد الإعلان عن هذه الخطوة إلى التهديد بأن الساحة الفلسطينية بعد هذا الحل ستغرق في الفوضى وحقيقة أن هذا التهديد ليس موجهاً للرئيس (أبو مازن) ولحركة «فتح» ومنظمة التحرير و«السلطة الوطنية»، بل إلى الدول العربية المعنية وفي مقدمتها مصر والأردن والسعودية، وكأنها، أي هذه الحركة، لم تُغرق الوضع الفلسطيني بأسره في الارتباك والبلبلة والخوف من مستقبل مجهول قد يترتب على انقلابها عام 2007.
والمعروف أنَّ «الإخوان المسلمين»، والمقصود هنا التنظيم العالمي، قد ابتعدوا بأنفسهم عن الثورة الفلسطينية 22 عاماً، أي منذ عام 1965 وحتى عام 1987 ولعل ما بات معروفاً وواضحاً أن اختيار هذا التوقيت الأخير بالذات يرتبط بكل ما ترتب على خروج «المقاومة» من بيروت وصدور قرارات قمة «فاس» العربية الثانية وبدء خطوات عمليات السلام التي أسفرت عن اتفاقيات أوسلو التي لا تزال تراوح مكانها واتفاقيات وادي عربة بين الأردنيين والإسرائيليين التي لا تزال صامدة حتى الآن رغم تعرضها إلى اهتزازات كثيرة.
لقد أدرك «أبو عمار» ومعه «أبو مازن» أنّ لـ«الإخوان المسلمين» (التنظيم) العالمي «موّالاً» غير موال الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية الأخرى المنضوية في إطار منظمة التحرير، ولذلك فقد كان هناك حرص شديد على السعي لاحتواء هؤلاء الطارئين، لكن هذا الحرص لم يؤدِ إلى أي نتيجة رغم أن الرئيس الفلسطيني الراحل بقي «يطاردهم» بمشاريعه الوحدوية وبقي يواصل الالتقاء بكبار قادتهم ويقدم لهم «التنازلات» المجزية لكنهم بقوا يماطلون ويناورون ويتلاعبون سياسياًّ إلى أن قاموا بانقلابهم الدموي عام 2007.
كان آخر لقاء بين (أبو عمار) وخالد مشعل، ومعه اثنان من قادة هذه الحركة، التي بات مؤكداً أن التنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» قد أوجدها لتكون بديلاً لحركة التحرر الوطني الفلسطيني كلها «فتح» ومنظمة التحرير وباقي الفصائل الفلسطينية، في العاصمة الأردنية عمان وفي منزل القيادي السوري (الإخواني) عدنان سعد الدين.. وهكذا وبعد نقاش امتد لساعات طويلة عرض عرفات على زعيم حركة المقاومة الإسلامية في ذلك الحين ثلث أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني إن انضمت حركته إلى منظمة التحرير وعندما سئل، أي الرئيس الفلسطيني الراحل، عن أسباب هذا الكرم الحاتمي الذي لا تستحقه هذه الحركة أجاب: إنهم لن يبادروا إلى هذه الخطوة حتى ولو أعطيناهم المجلس الوطني كله... ومنظمة التحرير بأسرها، فمشروعهم ليس فلسطينياًّ وإنما «إخواني» تتداخل فيه مصالح دول إقليمية متعددة كثيرة.
ولعل الأخطر من هذا كله أنه اتضح لاحقاً أن «حماس» التحقت بتحالف إقليمي يرفع الراية «الإخوانية» تقوده إيران وتنضوي في إطاره دولة عربية «شقيقة» هي قطر ودولة إسلامية هي تركيا وأن الانقلاب الدموي، الذي قامت به هذه الحركة في عام 2007 بعدما ارتدت عن اتفاق مكة المكرمة، هو انقلاب لهذه الأطراف وهذه الدول كلها وكان المقصود به إلغاء منظمة التحرير والسلطة الوطنية وتهميش حركة «فتح» وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة في قطاع غزة وحده وهذا بات واضحاً وبشهادة الـ15 مليون دولار التي وصلت إلى الإسرائيليين بحقيبة دبلوماسية قطرية وأوصلها الإسرائيليون بدورهم إلى إسماعيل هنية ليستخدمها في إنهاء أي وجود للشرعية الفلسطينية في هذا القطاع الذي لم يظهر فيه «الإخوانيون» كمقاومين إلا في فترة متأخرة.
وعليه فإن حتى أصحاب أنصاف العقول لا يمكن أن يصدقوا أن تتحول إسرائيل إلى جسر لنقل الأموال القطرية وربما غير القطرية إلى «حماس» في قطاع غزة المحاصر لو لم تكن شريكاً رئيسياً لهذه الحركة في أن يصبح هذا «القطاع» بديلاً للضفة الغربية وللقدس ولفلسطين المحتلة كلها وأن تقتصر «صفقة القرن» عليه وهذا هو سبب كل هذا التشبث «الحمساوي» بالمجلس التشريعي الذي لها فيه أغلبية قليلة، فهي تريده مجرد «ختم» شرعي لتمرير هذه الصفقة الخيانية وصفقات أخرى منتظرة تستهدف السلطة الوطنية ومنظمة التحرير و«أبو مازن» واتفاقيات أوسلو التي أصبحت بحكم المنتهية!!
الآن باتت هناك عمليات تموضعٍ جديد في المنطقة كلها، فإيران ومعها قطر ونظام الأسد و«حماس» و«حزب الله» والبعض يقول وأيضاً العراق وتركيا وفوق هؤلاء جميعاً إسرائيل من جهة ومن جهة أخرى هناك الدول العربية المتمسكة بكل الثوابت القومية والوطنية وهي المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والأردن، ولعل ما غدا واضحاً أنَّ ساحة المواجهة بين طرفي هذا التموضع هي فلسطين واليمن والساحة السورية واللبنانية والبعض يضيف الساحة الليبية والعراقية والساحة الخليجية كلها أيضاً!!
لقد شاهد العرب والعجم والعالم بأسره ذلك المشهد «الدرامي» عندما هجم زعيم «حماس الإخوانية» إسماعيل هنية على يد الولي الفقيه علي خامنئي وهو يجثو على ركبتيه ليشبعها لثماً و«شمشمة»، ويقيناً أن ذلك المشهد يلخص كل ما يجري في هذه المنطقة بما فيها الساحة الفلسطينية فهناك من يريد ويعمل لأن تصبح إيران الرقم الرئيسي في المعادلة الشرق أوسطية كلها، وبالطبع فإن هناك من يرفض هذا ويقاومه ويقبل بأن يكون الإيرانيون إخوة وأصدقاء لكنه لا يمكن أن يقبل بأن يفرد «آية الله العظمى» عمامته على رأس العالم العربي كله.
وهكذا فإن هذه هي المشكلة العالقة بين (أبو مازن) وإسماعيل هنية وبين «الإخوان المسلمين» وغيرهم، إذ إن هناك من يريد أن يصبح لثم يد علي خامنئي هو عنوان هذه المنطقة وأن هناك من يرفض هذا كله ويرفض أن تكون تبعية العرب، أصحاب «ذي قار» و«نهاوند»، لا لإيران ولا لغيرها... إنهم يقبلون بالإيرانيين الفرس والأذاريين وغيرهم إخوة وأشقاء لكنهم لا يمكن أن يقبلوا بالسيد علي خامنئي ولياًّ فقيهاً لهم... إن هذا لا يمكن القبول به وحتى وإن قبل به أيضاً الرئيس إردوغان!!