يومان وينقضي العام 2018 بكل ما حمل في أيامه ولياليه، ولعل المرء يتعفف مرات ومرات أن يكتب عن ذاته والعام الذي سينقضي، على قاعدة أن الهم العام هو الأساس، والخاص تفاصيل لا داعي للوقوف أمامها، برغم ان مهارات تدرس هذه الأيام في الجامعات العالمية والتي حصلت وتحصل على ترتيب متقدم في المقاييس العالمية للجامعات محورها "اروِ قصتَك حكايتك وأسقطها على العام" وتلك مهارة مهمة وضرورية.
أوائل العام 2018
وضع على مكتبي في الوظيفة العمومية كتاب بمغلف أوصله لي احد المراسلين، وإذا بالكتاب يبلغني بإحالتي الى التقاعد القسري المبكر، وتسلمت الكتاب بعد عشرة أيام من صدور قرار الإحالة، ومن منطلق الطبيعة البشرية ظننت ان جميع الأبواب والشبابيك والمنافذ قد أغلقت، وكان هذا واحداً من الأحداث المهمة في بداية العام 2018.
ذهبت صوب العالم الأرحب والأوسع، فكنت قد بدأت مسيرة طويلة مع فريق عمل متكامل باتجاه دعم وتشجيع المنتج الفلسطيني وزيادة حصته السوقية وتوسيع مساحة تعريف المستهلك بمنتجات فلسطين، تواصلت مع هذا النشاط الذي يعبر عن قناعاتي اولاً، ومن ثم يعبر عن توجه يخدم البلد واقتصادها ومسارها التنموي، ويتوافق مع التوجهات المعلنة بالانفكاك عن الاقتصاد الإسرائيلي.
من الطبيعي ان يواجَه هذ النشاط بمعيقات ابرزُها ان السياسات الاقتصادية والمالية الفلسطينية لا تذهب بهذا الاتجاه بالشكل المطلوب، رغم أن اجندة السياسات الوطنية تتحدث عن دعم المنتج الفلسطيني، فكل مستثمر في القطاع الصناعي الزراعي لديه حكاية تكشف حقيقة عدم تعاطي السياسات ايجابياً مع الانتاج والمنتج، فالمقاصة من خلال التحصيل عبرها عنصرٌ مهم للموازنة الفلسطينية أهم كثيراً من تنمية الصادرات للمنتجات الفلسطينية، والخطوة الاولى والاسهل من قبل الوزارات التوجه لإصدار تصاريح تتيح توريد منتجات من السوق الإسرائيلي الى سوقنا، بغض النظر عن الاكتفاء الذاتي او نقص مؤقت، ويستغرق قرار وقف هذه المسألة على قاعدة التعامل بالمثل أشهُراً، ولا يتم مثلاً وضع عوائق غير جمركية أمام إغراق السوق بمنتجات ومحاصيل زراعية منافسة للفلسطينية.
ولا يحد هذا من قصص نجاح سجلها القطاع الخاص الفلسطيني لا تعد ولا تُحصى بجهد ذاتي وتمويل ذاتي، وطبيعي ان تنشأ معوقات أمام هذه الإبداعات قد يضطر الصناعيون الى التعاطي معها بشكل فردي، سواء مشاكل الموانئ والحواجز الاحتلالية وغيرها.
لكن الوضع القائم اليوم مختلف جذرياً عن تجربة دعم المنتجات الفلسطينية في مطلع العام 2000 عندما كان الكل الفلسطيني يشكك بوجود صناعة فلسطينية أو حتى ورش صغيرة، وكان حجم المفاجأة محبطاً لنا غالباً، الا أننا تماسكنا وشبّكنا بين المنتج والمهندسين والمقاولين والتجار والمستوردين ونجحنا وسجلنا قصة نجاح.
حماية المستهلك ..
ترافق الأمر في العام 2018 بعمل دؤوب لتثبيت اركان حماية المستهلك فلسطينياً لنبقى على الخارطة العربية والدولية، وهذا لم يكن مفروشاً بالورد نتيجة لمحاولة وزارة الاقتصاد الوطني الاستحواذ على ملف حماية المستهلك دون شريك، الى ان ثبت للوزارة ان الامور لا تسير بهذا الاتجاه بالمطلق، فها نحن نرى عمليات التهريب وتزوير تواريخ الانتاج والانتهاء، وباتت هناك مخازن ضخمة للاغذية الفاسدة، وما يتم ضبطُه يبقى مقيداً ضد مجهول، والسبب الرئيسي ضعف صياغة محضر الضبط من الجهات الرقابية، وضعف آلية متابعة الشكاوى التي تقدم من المواطنين سواء عبر الجمعيات أو عبر المواطن بشكل مباشر، حتى أننا بتنا نتلقى شكاوى على آلية التعاطي مع الشكاوى في وزارتي الاقتصاد الوطني والزراعة.
وباتت مساعي المس بالحقوق الاساسية للمستهلك واضحة، وقمنا بتشكيل فرق فنية ضمن نطاق الجمعية للتعامل معها، سواء المس "بحق المياه كحق أساسي" عبر عدادات المياه مسبقة الدفع، وشح المصادر المائية، وعدم الاندفاع لاستعادة حقوقنا المائية المنهوبة من الاحتلال وبيعها لنا وتدفيعنا ثمنها، والاجتهاد للجباية لتسديد تلك الفاتورة.
الارتفاع بأسعار الخضار والفواكه في السوق الفلسطيني لفترات طويلة نتيجة لتراجع زراعة الخضار فلسطينياً والذهاب نحو المحاصيل التصديرية التي تحقق عائداً مالياً ولا تساهم في الأمن الغذائي للمواطن الفلسطيني ولا تحقق له اسعاراً عادلة، وتصاعدت أزمة مربي الدواجن عبر التهريب وضرب مربي الدواجن، ولم تشهد اللحوم الحمراء انخفاضاً رغم زيادة نسبة الاستيراد للأغنام والإنتاج المحلي، الأمر الذي أشار الى ان المستهلك خارج تلك المعادلة، وفي قطاع الدواجن فإن مربي الدواجن خارج المعادلة أيضاً.
استطعنا ان نعالج الآثار السلبية لقرار نقابة الاطباء واتحاد المستشفيات الخاصة والاهلية بمنع المرضى من العلاج الا بعد ان ترفع شركات التأمين الكشفيات ورسوم العلاج، فنسقنا مع هيئة سوق رأس المال والهيئة المستقلة لحقوق المواطن، بحيث نوقف هذا الاجراء ونخرج بتوافق بين الطرفين لمصلحة المرضى، بحيث يُفَض الاضراب ويستمر الحوار، وأثمر الامر في النهاية.
الخلاصة ...
في العام 2018 رفعنا سقفنا باتجاه ليس التعامل مع قضايا يجب ان تتعامل معها وزارتا الاقتصاد الوطني والزراعة وسلطة المياه، بل باتجاه العدالة الاجتماعية، ربط حقوق المستهلك بالمواثيق الدولية والقانون الأساسي الفلسطيني، خصوصاً ان دولة فلسطين صادقت على تلك المواثيق والمعاهدات وعدم انتظار أعذار من وزارة ما لتحمل وزارة أخرى المسؤولية عن القصور.
تعاملنا بجدية كاملة مع ملاحظات ديوان الرقابة المالية والإدارية حول تطوير اداء جمعيات حماية المستهلك الفلسطيني، رغم أننا أكدنا أننا مؤسسات تطوعية ولا توجد لنا موارد مالية، وبعض الجمعيات لا توجد لها مقرات، بالتالي هناك بعض الملاحظات تتعلق بالمأسسة التي تنطبق على وزارة كل دائرة فيها لديها 20 موظفاً، فما بالكم اذا تمت موازاتنا بالإدارات العامة في الوزارات التي تضم خمس دوائر مثلاً؟ ورغم ذلك اخذنا بالأمر، علماً بأن بعض الوزارات والهيئات غير الوزارية صدر بخصوصها تقارير من ذات الديوان وبقي الحال هو ذاته.
