انتخابات مبكرة في إسرائيل ....ونتنياهو سيتصّدر المشهد

images.jpg
حجم الخط

 

بداية لا بد من القول بأن نتنياهو منذ حوالي عقد من الزمن، وهو يتحكم في الحل والربط فيما يتعلق بتحديد موعد الانتخابات ونتائجها، وتشكيلة الحكومة التي يتربع على رئاستها، ونتنياهو الذي أتوقع فوزه في الانتخابات القادمة لولاية خامسة، رغم كل الأزمات التي واجهها نتنياهو الداخلية والخارجية، وكذلك الاتهامات بالإخفاق فيها، لكننا نجد بأن نتنياهو لا يجد له منافساً أو بديلاً في المكونات الحزبية والسياسية الصهيونية بيمينها ويسارها، بل كل المؤشرات والاستطلاعات تقول بأن نتنياهو سيفوز على خصومه وبفارق كبير جداً.

نتنياهو داخلياً متهم بقضايا متعلقة بالفساد والخداع وسوء الائتمان، وملفاته بعد توصية الشرطة بتقديم لائحة اتهام له نقلت الى المستشار القضائي مندلبليت، وهناك حوالي 800 صفحة متعلقة بالاتهامات الموجهة له، بدا طاقم المحامين في مكتب المستشار القضائي بدراستها من أجل تحديد موقف بشأنها، أما بوضع لائحة اتهام او إغلاق الملفات.

وكذلك وجهت له اتهامات من قبل شركائه أحزاب اليمين "إسرائيل بيتنا" و "البيت اليهودي" بالخضوع والاستسلام أمام "حماس" وفصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، على ضوء فشل العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والاتهامات تحدثت عن تأكل قوى الردع الإسرائيلي، وعدم تقديم الدعم المعنوي لضباط وجنود الاحتلال، وتوفير الحماية لهم في الاتهامات التي توجه لهم على خلفية ارتكابهم لجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين.....وليبرمان وزير جيشه الذي وجه له هذه الاتهامات استقال من منصبه وانسحب حزبه من الحكومة، وأصبحت الحكومة قاب قوسين او أدنى من الحل والذهاب الى انتخابات مبكرة، بعد تهديدات زعيم "البيت اليهودي" السابق نفتالي بينت بانسحاب حزبه من الحكومة، إذا لم يعهد إليه بوزارة الجيش، ولكن نتنياهو استطاع ان يلجم اندفاعات تلك الأحزاب نحو الانسحاب، حيث قال لهم بان الدولة في حالة حرب وتمر في مرحلة خطيرة، وبأنه هناك معارك قادمة وقد يسقط فيها ضحايا، ولذلك يجب تغليب الأمن على السياسة والبحث عن الشعبية، وبأنه أفنى عمره وخاض حروباً من أجل أمن إسرائيل ومصلحتها...

وفي إطار براعة نتنياهو في الدعاية الفوضوية، والعلاقات العامة، ولكي يستعيد شعبيته ويبعد الحبل الملتف حول عنقه بالاقتراب من توجيه لائحة اتهام له، خرج الى عملية سماها "درع الشمال"،من اجل تدمير إنفاق حزب الله اللبناني، عملية حشد لها الإعلام والدعاية بشكل كبير، واستنفر الجيش وأغلقت الحدود وأعلنت المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية كمناطق عسكرية، ولتتمخض تلك العملية عن تدمير خمسة أنفاق، قيل بأن حزب الله حفرها، وقصة هذه الأنفاق معروفة منذ عام 2014، وهي ليست جاهزة ولا تشكل خطراً على أمن إسرائيل...ولتكون نتيجة هذه الحملة كما يقول المأثور الشعبي" تمخض الجبل فولد فأرا" ولتصف الصحافة الإسرائيلية، تلك العملية بأنها مسرحية وعملية نتنياهو .

على الصعيد الخارجي واجه نتنياهو أزمات، إغلاق المجال الجوي السوري أمام طائراته، حيث تسلم الدفاع الجوي السوري صواريخ (اس 300) الروسية، بالإضافة الى تطور وتحسن شبكات الدفاع الجوي السورية بشكل كبير، بعد استعادة سوريا لمساحة كبيرة من الجغرافيا التي كانت تسيطر عليها الجماعات الإرهابية، حيث عمدت الى تدمير شبكات الدفاع الجوي السوري، وكذلك عدم قدرة نتنياهو على إخراج القوات الإيرانية وقوات حزب الله من لبنان، أو ربط خروجها بخروج القوات الأمريكية والتي بدأت بعد قرار ترامب بالانسحاب من سوريا، ولتستكمل هذا الانسحاب خلال 100 يوم، وكذلك عجز نتنياهو عن شن حرب على حزب الله اللبناني، والذي يمتلك ترسانة عسكرية من الصواريخ، والتي أصبحت اكثر واكثر دقة وقدرة على التدمير،وبحيث تطال كل نقطة في مساحة فلسطين التاريخية.

نتنياهو لم يكن يخشى مطلقاً تبكير الانتخابات، بل هو يريد أن تجري الانتخابات في فترة او وقت مريح له، فهو كان يحبذ ان تجري في أيار/2018، لوجود العديد من المناسبات مثل ما يسمى بذكرى الاستقلال والمحرقة "الهولكوست"، وهذا يعطيه المجال لكي يلقي خطابات كثيرة ويتفاعل مع الجمهور، ولكن إجراءها في شهر نيسان، ليس بالسيئ، ونتنياهو يسعى في هذه الانتخابات لتحقيق جملة من الأهداف، وليس فقط تبكيرها لكي يتجاوز التحقيقات ضده، بل يريد لهذه الانتخابات ان تشكل استفتاء على شعبيته،فهو يتمتع ب"كريزما" قياديه، لا يتمتع بها أي قائد صهيوني آخر، و"الكاريزما" التي يتمتع بها شبيه ب" الكاريزما" التي كان يتمتع بها بلدوزر الحروب والاستيطان شارون، الذي هدم حزب الليكود عندما وقف عائقاً أمام طموحته وأقام حزب " كاديما" مكتسحاً الساحة الحزبية الصهيونية، ونتنياهو يريد هذه الانتخابات استفتاء على قيادته ومحور هذه الانتخابات، وليس السياسة والأفكار او العقيدة.

نتنياهو في تقصيره للفترة التي ستجري فيها الانتخابات، يريد ان تكون خاطفة وسريعة، بحيث لا تتمكن القوى التي تقف ضده ان توحد نفسها ضمن قائمة واحدة، أو ان تتفق على مرشح واحد، ولذلك مع تفكك ما يسمى بالمعسكر الصهيوني، فهو لا يعتقد بأن غانتس أو زعيم البيت اليهودي نفتالي بينت ووزيره عدله المتطرفة اياليت شكيد اللذان غيرا اسم الحزب الى "اليمين الجديد وغيرهم قادرين ان يشكلوا بديلاً له أو قادرين على منافسته، وهو يريد أن يكون في المعارضة أحزاب صغيرة، تهتم بالفتات الذي يقدمه لها، وليس أحزاب كبيرة تضعه أمام تحديات وصعوبات كبيرة، كما حصل مع الأحزاب اليمينية "البيت اليهودي" "إسرائيل بيتنا" و"كولانو" و"شاس" ويهوديت هتوراه".

تقصير المدة لا يمكن المستشار القضائي من التدخل في الانتخابات وتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، لأن ذلك قد يشكل اتهام للمستشار القضائي بالتدخل في الانتخابات السياسية لطرف ضد طرف أخر ، وبذلك تصبح قضية الاتهامات ضد نتنياهو قضية هامشية في ظل الحملة الانتخابية. ونتنياهو الذي يتنافس على الولاية الخامسة، لم نلحظ تأثيرات تذكر لتلك الاتهامات على شعبيته وحضوره بين حزبه ومؤيديه.

في ضوء ما ينشر ويصدر عن الإدارة الأمريكية، بأنها تسعى لطرح مشروعها المسمى بصفقة القرن، والتي هددت المتصهينة الأمريكية نيكي هايلي الفلسطينيين بالعقاب في حالة عدم القبول بها، ورغم ان تلك المبادرة او الصفقة، هي نتاج وخلاصة حوار اليمينين الصهيوني والأمريكي، واقتراب مضامينها من مضامين الرؤيا اليمينية الصهيونية للحل، فإن نتنياهو في لقائه مع الرئيس الأمريكي ترامب في آذار القادم، سيطلب منه تأجيل طرحها، حتى لا تحدث شرخاً بين الليكود والمستوطنين.

النمو الاقتصادي في إسرائيل يتراجع والأسعار ترتفع بشكل كبير واسهم البورصة تتهاوى، والوقت الذي كان يتباها فيه نتنياهو بوجود ازدهار ورفاهية اقتصادية في إسرائيل وانخفاض لمعدلات البطالة ورفع أجور الحد الأدنى في طريقه للأفول، ولذلك هو يستعجل الانتخابات حتى لا يهرب مؤيديه الى معسكر خصومه.

في ظل تفكك وتلاشي قوى ما يسمى باليسار الصهيوني " المعسكر" الصهيوني"، فإن نتنياهو مع شركائه سيسعى لسيطرة اليمين على كل مفاصل الدولة، ووفق برنامج اليمين،يريد أن يستكمل مشاريعه ألاستيطانية، بالضم الزاحف للضفة الغربية، وكذلك سن المزيد من القوانين والتشريعات العنصرية، مثل قانون طرد وترحيل عائلات الشهداء والأسرى الى خارج أماكن سكناهم في الضفة الغربية، او قطاع غزة، وقانون تنفيذ حكم الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين يسقط في عملياتهم قتلى من جنود ومستوطني الاحتلال، وفي عهد اليمين سنت قوانين أساس القومية الصهيونية والولاء في الثقافة وتجريم من يرفع العلم الفلسطيني، وكذلك نعت بقايا اليسار الصهيوني والعرب بالخونة ، وجرى التدخل في قرارات المحكمة العليا وغيرها

باختصار فوز نتنياهو الكبير في الانتخابات القادمة سيمكّنه من تغيير تركيبة الحكومة،ويمنع ابتزاز الأحزاب اليمينية وحتى اليسارية له بالسعي للحصول على حقائب وزارية سيادية.