عرضت بيروت مسرحية لبنانية ترصد يوميات عائلات الشهداء الفلسطينيين في حدث يمثل "العودة الافتراضية الى فلسطين" كما وصفته إحدى المشاهدات.
فعلى مدى تسعين دقيقة تنتحل الكاتبة والممثلة رائدة طه شخصية الحكواتية وتبوح في الخاص والحميم وتعري نفسها وتتحدث بصوتها وصوت عمتها عن والدها علي طه احد خاطفي طائرة سابينا البلجيكية التي كانت تقوم برحلة من فيينا الى تل أبيب في عام 1972 وقتل خلال العملية.
وتعاتب رائدة التي عملت في المكتب الصحافي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مسرحية "ألاقي زيك فين يا علي" للمخرجة اللبنانية لينا أبيض والدها الذي تطلق عليه اسم علي بكل بساطة "وتجعل من علي طه الشهيد البطل...أبا وأبا فحسب" على حد تعبير المخرجة.
وتعالج رائدة في المسرحية التي تعرض حتى 7 آذار وبأسلوب فرح وممتع ودقيق في ان كل ما حصل بعد مقتل والدها وكيف تمكنت والدتها من أن تربي البنات الاربع اللواتي عرفن المعنى الحقيقي لليتم على رغم حضور عرفات القوي في حياتهن.
وقال أحد المشاهدين الذي لم يشأ ان يذكر اسمه "أجمل ما في هذا العمل الانساني حتى الثورة معرفتنا لما يحصل بعد مغادرة الناس والزعماء ورجال السياسة من منزل أي شهيد وبقاء عائلته وحيدة في وجه قدرها الغامض."
واختارت رائدة لدى كتابتها النص ان تعالج يومياتها مع أفراد عائلتها الصغيرة بكثير من الفرح الذي ولد كما ظهر في العمل بعد غوصها كليا في الحداد والحزن والبكاء المستمر.
وتعالت الضحكات السعيدة في قاعة مسرح بابل وغالبا ما امتزجت بالدموع. وقالت إحدى المشاهدات "كل كلمة في هذا العمل الرائع تمس القلب وتحتار أتبكي أم تضحك.. ". وآخر علق قائلا "لقد جعلتني لينا ورائدة اقع مجددا في حب المسرح" بينما صاحت إحدى المسنات الفلسطينيات قائلة "شكرا للدموع. كل دمعة جعلتني اكثر التصاقا بفلسطين".
وكتب أحد المشاهدين على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "خلال 90 دقيقة حولت رائدة جمهورها الى كتلة من الأحاسيس. فإذا بالحزن والفرح والحب والكراهية والفخر والغضب تتحول التفاصيل المحورية التي توصل الجمهور في نهاية العمل الى سلام يتجسد بابتسامة هانئة وهذا الشعور بالاحترام للشهيد في الدرجة الأولى طبعا، ولكن أيضا للعائلة التي يعيش أفرادها حياة أخرى لا يحكى عنها بعدما تسدل ستارة الشعارات والكلمات المهللة للشهادة".
وجاء في الكتيب الخاص بالمسرحية "علي طه (الملقب بابو نضال) هو أب وزوج وحبيب وأخ. رحل وترك نساءه يكملن حياته عنه وحياتهن عبره. زوجة الشهيد بنت الشهيد أخت الشهيد...أدوار بطولة ألصقت بهن ولم يبحثن عنها. امرأة جميلة ترملت في السابعة والعشرين اربع فتيات أكبرهن في السابعة...وسهيلة أخته التي قابلت هنري كيسنجر بطلب وحيد استلام جثة اخيها الفدائي لدفنه بعد سنتين من حفظها في الثلاجة ".
وأضاف "تفتح كاتبة المسرحية رائدة طه والابنة البكر لعلي دفاتر العائلة الحميمة فتكسر هالة الشهيد وصورته النمطية لتعريها من أساطير البطولة وتواجه بصراحة مؤلمة حقيقة اليتم والحرمان وفقدان الأب الذي لا يعوض غيابه احد وان كان ياسر عرفات نفسه".
وقالت المخرجة لينا عن رائدة "تملك هذه القدرة الرائعة في ترجمة الاحاسيس. كما ان ذاكرتها شفافة جدا. فهي تذكر جيدا كل ما حدث معها مع العلم انها كانت في السابعة من عمرها لدى استشهاد علي. الذاكرة الجيدة نعمة على الممثل. تملك رائدة هذا المخزون الرائع من الذكريات والمشاعر".
وأضافت "شرعنا في التحضير للعمل منذ ما يقارب السنتين. كل قصص رائدة تتخللها لقطات من التاريخ...قلت لها ذات يوم في مقدورنا تقديم عشرات المسرحيات من خلال هذا الكم الهائل من القصص التي اختزنتها ذاكرتك".
وتروي رائدة لرويترز انها كانت في السابعة عندما قتل والدها وكانت أصغر شقيقاتها في أشهرها الأولى. وقالت ان شقيقتها الصغرى التي لم تعرفه يوما هي اكثر واحدة تحلم به وهو يزورها في منامها. أما شقيقتها الثانية فقد أطلقت على ابنها الاسم الكامل لوالدها "علي طه" والثالثة تزوجت من رجل ترى فيه نسخة طبق الأصل من طه.
وتقول رائدة إن الناس الذين عايشوا والدها يقولون إنها تشبهه إلى حد مقلق، ومن هنا تأكيدها في نهاية المسرحية "علي لن يموت الا بعد مماتي أنا" ويفاجأ الحضور بمن تهتف "بعيد الشر" ويعرفوا أنها والدتها.
ولدى سؤال "ام نضال" الحاضرة بين الجمهور عما اذا عاشت قصتها بكل مشاهدها مجددا في هذه المسرحية تمتمت وقد ارتسمت على وجهها ابتسامة حزينة "أنا أعيش هذه القصة يوميا منذ اكثر من 40 عاما".