تطهير زراعي عنصري

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

في خضم الصراع الداخلي وتجذّر حالة الانقسام تستغل سلطات الاحتلال الوضع الفلسطيني المتردي لاستكمال مخططاتها الاستيطانية التهويدة قاطعةً الطريق أمام أي حل سياسي ممكن ومسابقةً الزمن لإلغاء فكرة الدولة الفلسطينية من خلال تكثيف الاستيطان بشكل غير مسبوق وتهويد القدس والأغوار وتقطيع أوصال الضفة وتحويلها إلى معازل.
ومع ذلك فإن هناك قطاعاً مسكوتاً عما يتعرض إليه من اعتداءات، كونه بعيداً عن عدسات الكاميرات واهتمام المسؤولين إلا في حالات استثنائية، ألا وهو القطاع الزراعي الذي يتعرض للتطهير العنصري من سلطات الاحتلال.
منطقتان رئيستان تتعرضان للتطهير العنصري الزراعي، هما الأغوار وبشكل خاص الأغوار الشمالية، والأراضي التي ضمتها سلطات الاحتلال عبر جدار الفصل العنصري.
بالنسبة للمنطقة الثانية، فقد بدأت دولة الاحتلال، في العام 2002، إقامة «الجدار» بطول يقارب 760 كيلومتراً، والحجة الإسرائيلية كانت الدواعي الأمنية والتفجيرات، على الرغم من أن فكرة «الجدار» برزت في بدايات ثمانينيات القرن الماضي، بل إن جذورها أبعد من ذلك بكثير إذا ما رجعنا إلى مفكر اليمين الإسرائيلي زئيف جابوتسنكي، الأب الروحي لحزب الليكود.  
الجدار العنصري التهم مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بعد أن تعمدت سلطات الاحتلال ضم أكبر مساحة ممكنة منها، فقد قدرت مساحة الأراضي الزراعية الواقعة خلف الجدار بما فيها حقول الزيتون وبساتين الحمضيات والفواكه بأكثر من 733 كيلومتراً مربعاً، بل أكثر من ذلك، فقد ضمت هذه الأراضي مصادر المياه في الحوض الغربي كلها بحجة الجدار.
المزارعون المتضررون، رفعوا صوتهم وتصاعدت احتجاجاتهم؛ ما أجبر سلطات الاحتلال في حينه على اتخاذ إجراءات لتسهيل وصولهم إلى أراضيهم الواقعة خلف الجدار، لكنها بدأت يوماً بعد يوم تضع العراقيل أما أصحاب الأراضي وتشدد شروطها لمنحهم التصاريح لدخول أراضيهم، خاصة بعد استكمال إقامة البوابات على طول الجدار التي وصل عددها إلى 84 بوابة في العام 2016، فقط 9 منها كانت تفتح يومياً ولساعات محدودة و10 أخرى لفترات زمنية محددة في المواسم الزراعية مثل القطاف أو الحرث.
خلال الـ 16سنة الأخيرة شددت إدارة الاحتلال شروطها التعجيزية على إصدار التصاريح للمزارعين، حتى وصل الأمر إلى أن أصبح  من شبه المستحيل الحصول عليها، فوفقاً لصحيفة «هآرتس» العبرية، فإن الموافقات على إصدار تصاريح وصلت إلى أقل من 20% في العام الماضي مقارنة بما كانت عليه سابقاً، بمعنى أن أكثر من 80% من أصحاب الأراضي الواقعة خلف الجدار أصبحوا غير قادرين على الوصول إليها أو فلاحتها.
شروط تعجيزية أخرى أضافتها إدارة الاحتلال المدنية، وهي تجزئة الأرض، فقد أصدرت أوامر بضرورة تقسيم الإرث مباشرة بعد وفاة المالك، بهدف تفتيت المساحات الزراعية الكبيرة. وفي ظل هذا التقسيم الإجباري وضعت إدارة الاحتلال شرطاً آخر هو تحديد المساحة التي يمكن على أساسها منح التصريح، بمعنى أن كل وارث حاصل على أقل من نصف دونم لا يمكنه الحصول على تصريح لأنه لا فائدة من الزراعة بحسب الاحتلال، وبالتالي فإنها تصادر هذه الأراضي بطريقة صامتة.
سنوات قليلة وستمنع سلطات الاحتلال أصحاب الأراضي من الوصول إلى حقولهم ومزارعهم، هذه هي سياسة الخطوة خطوة التي استخدمتها سلطات الاحتلال في كثير من الأحيان وتهويد القدس واقتحامات المسجد الأقصى شاهدة على السياسة العنصرية غير المسبوقة.
ولمن لا يعلم أو لا يريد أن يعلم من مسؤولينا فإن من الشروط التعجيزية التي وضعتها سلطات الاحتلال في شمال الضفة إجبار كل مزارع على الدخول مع بهيمة، سواء حمار أو بغل، بحجة ضمان عودة من يجتازون «الجدار»... وعنما توجه المزارعون بدوابهم أخبرهم جنود الاحتلال أنه لا يسمح لعائلة من ثلاثة أو أربعة مزارعين بالدخول ومعهم دابة واحدة، وإنما على كل فرد أن يحضر معه  دابة خاصة به!!!
المنطقة الثانية التي تشهد تطهيراً عنصرياً زراعياً هي الأغوار «سلة غذاء فلسطين»، وهناك تستخدم سلطات الاحتلال أساليب جهنمية لتنفيذ سياسة التطهير أخطرها التدريبات العسكرية، فمع بداية كل شتاء تغلق سلطات الاحتلال مساحات واسعة من الأغوار وتعلنها مناطق عسكرية مغلقة يمنع دخولها بذريعة إجراء تدريبات عسكرية، وخلالها تتعمد دبابات ومجنزرات الاحتلال تدمير كل ما ينبت وخاصة حقول الحبوب.
المستوطنون أيضاً يلعبون دوراً مكملاً من خلال الاعتداءات اليومية وترهيب المزارعين وملاحقتهم ومنعهم من الوصول إلى أرضهم ورش محاصيلهم بالمبيدات المهلكة.
يضاف إلى ذلك هدم خيام المزارعين والرعاة ومصادرة مواشيهم وجراراتهم الزراعية، وفرض غرامات باهظة عليهم تجبر البعض منهم على عدم المطالبة بمواشيهم أو أدواتهم الزراعية.
هذه هي سياسة التطهير الزراعي التي تمارسها دولة الاحتلال بشكل صامت منذ العام 1967، ولكنها تصاعدت بشكل خطير خلال السنتين الماضيتين. السؤال أين مسؤولونا من هذا التطهير الزراعي؟ أم انهم انجرفوا سياسياً وأصبحوا زعماء قبائل متناحرة على عظام نخرة وفتات متعفن.