في الثامن والعشرين من شهر مايو لعام 1964م عقد المؤتمر الفلسطيني الأول في مدينة القدس وأعلن قيام منظمة التحرير برئاسة أحمد الشقيري ومن ثم ألقي بيان المؤتمر الأول الذي ألقاه أحمد الشقيري الذي أكد فيه عدم ممارسة المنظمة أية سيادة إقليمية على الضفة الغربية في المملكة الأردنية الهاشمية ولا على قطاع غزة واقتصار نشاطها على المستوى القومي الشعبي في الميادين التحريرية والتنظيمية والسياسية والمالية.
البعد السياسي والوطني الذي تحدث عنه الشقيري في بيانه يعطي مدلولًا ومؤشرًا استقرائيًا مبنيًا على التجربة لمعطيات الصراع مع المشروع الصهيوني والمتغير الإقليمي والدولي في ذاك الوقت وفي المستقبل، فهنا ومع التغير في منظمة التحرير في عام 1969م وتولي ياسر عرفات رئاسة منظمة التحرير والثورة الفلسطينية التي قيل في وقتها أنها حالة تمرد على التبعية العربية وعلى النظرية العربية الكلاسيكية في مواجهة إسرائيل، حاربت منظمة التحرير وصارعت على أن تكون بقيادتها هي المعترف بها دوليًا في حين أن منظمة التحرير بقيادة الشقيري كان معترفًا بها وببرنامجها السياسي من قوى دولية كبيرة كالصين ودول شرق أوروبا وروسيا، المهم أنه لو بقي برنامج منظمة التحرير بعدم السيطرة السيادية على القدس وغزة لتغيرت مجريات الصراع كليًا في حين أن مصر أصبحت تربطها اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل وغزة خاضعة لها، والضفة الغربية تحت سيطرة إسرائيل بحكم أقل من حكم ذاتي ناتج عن مغامرة قيادة منظمة التحرير في إتفاق غير تسووي وغير عادل في القضية الفلسطينية وهنا أشير أن منظمة التحرير بقيادة الفصائل الفلسطينية قد تخلت عن الميثاق الوطني الفلسطيني المؤسس لمنظمة التحرير وتخلت عن المبدأ السياسي الذي أعلنه الشقيري في القدس في ذاك الوقت، وبناء على برنامج منظمة التحرير بقبول دولة على أراضي 1967م فربما كان الحل الأمثل ما طرحه الشقيري لقيام دولة فلسطينية فدرالية أو كونفدرالية مع الأردن أو مصر.
ولكن ما حدث قد حدث، وأصبح الفلسطينيون بلا برنامج وطني بعد فشل برنامجهم الوطني المتمثل في حل الدولتين وأصبح الإنقسام حاضرًا وواقعًا لا يمكن الإنفكاك منه لمعطيات كثيرة ذاتية وإقليمية منها واقع الإحتلال والحصار فالمقاومة وإن صمدت ولكن لن تؤسس دولة تحت شعار تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، أيضًا لمناخات إقيمية ودولية، وهنا أذكر فقط عندما زار الرئيس السادات موسكو في تحضيره لحرب مع إسرائيل لعودة سيناء وقناة السويس للسيادة المصرية حذّره السوفييت بالمسموح له في سيناء مع التحذير من المساس بحدود إسرائيل، كان ذلك في زياراته من سنة 1970م إلى 1972م.
رفضت منظمة التحرير شعائر زيارة القدس للسادات، والتحقت بجبهة الصمود والتصدي التي مقرها دمشق، وكانت حرب الإجتياح للجنوب اللبناني وبيروت عليها كثير من الإستفاهم ومناطق الفراغ البحثية والسياسية والأمنية أيضًا، ولكن ذهبت منظمة التحرير من منطقة إرتكازية تعطيها قوة إلى فخ الرغبات الإقليمية التي هي بطبيعة الحال تتوافق مع سياسة القوى العظمى الخاصة بالصراع، والتي نتج عنها المبادرة العربية في بيروت والتخلي عن حق العودة والتأكيد عمليًا على إعلان الإستقلال الذي كان بمقابله الإعتراف بإسرائيل و 242 و338 وكان هذا تحت مبدأ "الأرض مقابل السلام".
فلا كان هناك أرض ولا كان هناك سلام! فالضفة الغربية أصبحت يهودا والسامرة بـ"650 ألف مستوطن" والتمركز للمستوطنات على كل المياه الجوفية والمناطق الإستراتيجية في الضفة والغور، ومشاريع إستراتيجية بين الأردن وإسرائيل على ضفاف البحر الميت تنفي ةوجود دولة ذات سيادة مع غزة التي هي تتبنى مبدأ المقاومة بصرف النظر عن الطابع الحزبي، ولكن بالتعريف الفلسطيني والوطني نقول أنها مقاومة وإن لم تحقق أيضًا أهدافها كما لم تحققها حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، وكل ما فعلته هو الحفاظ على أمن غزة التي لا تستطيع الدبابات الإسرائيلية أن تتجول في حارات غزة وشوارعها كما يحدث في رام الله والبيرة والخليل وبيت لحم وتعتقل من تريد.
من هذه المقدمة نعود مرة أخرى لطرح الشقيري بأن مهمة منظمة التحرير هي النضال السياسي والعسكري وبدون السيطرة السيادية على الضفة وغزة، وهذا يأخذنا إلى برنامج منظمة التحرير الذي لازال متمسكًا بحل الدولتين رغم أن قادة السلطة اعترفوا أكثر من مرة بأن حل الدولتين قد مضى وقته ولن يتحقق، إذًا لماذا يصرون على بقاء هذا الطرح الذي تستفيد منه إسرائيل مكانًا وزمانًا، وقيل أيضًا في الإنقسام أن هناك إعداد لدولة غزة، هذا الطرح له سلبياته وإيجابياته، إذا كانت دولة غزة المحررة هي ناتجة عن برنامج وطني يتفق عليه الجميع فهو إيجابي في ظل مرحلية الصراع، ولكن هناك من يقول أن دولة غزة ستنهي الضفة الغربية والقدس وستضم لإسرائيل، وهنا أقول أن الواقع أن الضفة الغربية الآن واقعة تحت الضم وتشهد تقليص لصلاحيات السلطة، إذًا فالمصالحة التي يتحدثون عنها وذهبوا من مشارق الأرض إلى مغاربها من أجلها لم تتحقق ولن تتحقق، ولو افترضنا أن جميع القوى الفلسطينية المقاومة والمهادنة والمستسلمة انتمت للوطنية الفلسطينية كان لابد أن يقودهم التفكير إلى الخروج من مأزق البرنامج السياسي والوطني العقيم الذي مضى عليه أربعة عقود أو أكثر إلى برنامج تفرضه آلية الصراع والواقع الآن في الضفة الغربية وغزة مع الأخذ في الإعتبار شعائر الطرفين حماس وفتح، فتح المنقسمة التي لديها جانب كبير من المعترضين على سياسة محمود عباس وبرنامجه وتنسيقه الأمني، وحماس المعترضة أيضًا على مبادئ السلطة في التعامل مع إسرائيل، كان لابد من الخرج من مأزق المصالحة، هذا المصطلح الذي لم أوافق عليه منذ البداية كمصطلح وكفعل، إلى التفكير بالكونفدرالية إذا غابت الحلول المرحلية للصراع وهي تحرير كامل التراب الفلسطيني.
كان لابد من التفكير بالكونفدرالية بين الشمال والجنوب وكذلك بين الشرق مع الأردن والجنوب مع مصر، وإذا كانت كل برامجنا قد توقفت عند نقطة الصفر بعد كافة التضحيات فكان لابد من التفكير في الدولة الواحدة، وهو طرح وطني أممي إنساني سيلقى تجاوبًا من كل دول العالم بعد سقوط حل الدولتين، فلا خيار أمام الفلسطينيين وأمام هذه البقعة من الأرض إلا دولة واحدة مدنية تحفظ حقوق جميع الديانات والقوميات، أعتقد أن الذين لازالوا يتمسكون بحل الدولتين يعملون ضد عجلة الزمن وضد التاريخ وبنفس المقياس هو مع التاريخ والزمن للحركة الصهيونية، سبق أن طرحت فكرة الدولة الواحدة منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وتكرر طرحها أكثر من مرة وطرحت حركة فتح الدولة الديمقراطية التي تحفظ جميع الديانات والأجناس على أرض فلسطين، أعتقد أن الوقت الآن ملزم لأن نضع حل الدولتين خلف ظهورنا ونفكّر بالفدراليات والكنوفدراليات المحلية والإقليمية.