المشروع الإسرائيلي: شركاء فلسطينيون

اشرف-العجرمي
حجم الخط

-خبر-كتب: أشرف العجرمي
12 آب 2015


يمكن القول إن الوضع على الأرض مريح لإسرائيل التي هي ماضية في تطبيق مشروعها القاضي بإلغاء فكرة الانسحاب من الضفة الغربية والقدس المحتلة على وجه الخصوص، واستمرار السيطرة على معظم المناطق الفلسطينية وتوسيع الاستيطان فيها بما يمنع فعلياً إمكانية قيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة.

 والمشروع الإسرائيلي الجديد- القديم يقوم على فكرة قيام دولة أو كيان فلسطيني في غزة باعتباره تجسيدا للمطالب الوطنية الفلسطينية، وهذا الكيان قد لا يكون مفتوحاً على مصر كما حلمت إسرائيل في مشروع غيورا آيلند الذي ينص على توسيع مساحة قطاع غزة باقتطاع أراضٍ مصرية من سيناء وتعويض مصر بأراضٍ من حصة إسرائيل في النقب مقابل سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وتقاسمها مع الفلسطينيين والأردنيين بما لا يتيح قيام كيان فلسطيني مستقل ومرتبط بدولة غزة. هذا الحل الذي يتم على حساب مصر وبالتقاسم معها لم يعد ممكناً بعد الإطاحة بنظام حكم «الإخوان المسلمين» في مصر.
المشروع الإسرائيلي الجديد أكثر تواضعاً ويتماشى مع معطيات الواقع، وهو لا يقوم على شراكة مع العرب. إنه ببساطة دولة في غزة مفتوحة على العالم الخارجي عبر ميناء بحري وربما لاحقاً مطار جوي، وهذه الدولة مسيطر عليها تماماً من قبل إسرائيل وخاضعة لسيادتها الأمنية ورقابتها الكاملة، ويمكنها أن تتيح للمواطنين فيها أمرين: الأول هو رفع الحصار بصورة تجعل الحياة تجري بشكل افضل من الوضع القائم، والأمر الثاني، وهو الأخطر، السماح بهجرة الشباب من قطاع غزة. فكيان مغلق ومكتظ لا أفق حقيقياً له على الأرض، لا يمكنه أن يقوم بمهام التنمية وتلبية احتياجات الناس وخاصة في ظل سياسة حركة «حماس» المسيطرة على غزة والتي يهمها أكثر من أي شيء آخر الاهتمام بمصالح أعضائها حتى لو كان على حساب كل الشعب. وما يجري الآن في غزة بشكل واضح لا يحتاج لكثير جهد أو عناء لتبيّنه.
أما الضفة الغربية فالمطلوب هو الإبقاء على الوضع الراهن مع تكريس سلطة الاحتلال عبر مؤسساته المختلفة الأمنية منها على وجه الخصوص والتي تقع الإدارة المدنية في صلبها، أي أن تكون السلطة الفلسطينية مقاولا يعمل لصالح الإدارة المدنية ويخفف العبء عنها ويعفيها من الكثير من الموازنات والتفاصيل اليومية، فالسلطة عنوان مريح أمام الفلسطينيين الذين سيحملونها مسؤولية الاهتمام بحاجاتهم ومطالبهم، بينما الاحتلال يحصد الفائدة المترتبة على الاحتفاظ بمناطق الضفة الغربية ومواردها المختلفة. ولا بأس أن تقوم إسرائيل بالمزيد من التسهيلات في مجالات الحياة والاقتصاد بما يتيح لقسم كبير من العمال العاطلين عن العمل أن يجدوا أماكن عمل في إسرائيل، ولحركة التجارة أن تستمر وتتسع ولكن دون أفق لتطور الاقتصاد الفلسطيني واستقلاله. والمناطق المقدسة وخاصة الحرم القدسي لا بأس أن يكون تحت سلطة أو رعاية أردنية أوسع من القائمة الآن لطمأنة العالم العربي والإسلامي على بقاء الوضع القائم دون تغيير جوهري، ودون مساس أيضاً بالسيادة الإسرائيلية المعلنة على القدس.
فالحل إذن هو قيام كيانين فلسطينيين، دولة لها مساحة واسعة من الاستقلال النسبي بدون سيطرة على الأمن على الحدود والمعابر، وكيان ضعيف مفكك ومقسم لكانتونات تتحكم إسرائيل بكل مفاصله وطرقه، ومناطقه تتقاسمها ثلاث سلطات، ويبقى الوضع الفلسطيني هكذا إلى ما شاء الله حتى تتغير الأوضاع ويكون هناك تسليم فلسطيني ودولي بعدم إمكانية تحقيق الطموح الوطني الفلسطيني بالاستقلال والحرية وإقامة دولة مستقلة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967.
 ولا يغير في واقع الأشياء أن نحظى بدعم وتأييد تلقائيين من المجتمع الدولي حيث لا نزال نتمتع بأغلبية كبيرة جداً في الأمم المتحدة وخاصة في الجمعية العامة، ونطاق التأييد والتضامن العالميين مع شعبنا يتسع باستمرار، فالواقع على الأرض يعكس نفسه في القرارات والمواقف العملية.
المصيبة أن الحقيقة الصادمة معروفة للجميع ونحن هنا لم نكتشف شيئاً جديداً، ولكن المصيبة الأكبر هي أننا نتصرف وكأنه لا يحدث شيء ولا يوجد مشروع إسرائيلي يتسارع تطبيقه بدون عوائق، والأنكى أن الجميع يعرف ما الذي يمكنه قطع الطريق على هذا المشروع الذي ما كان لينجح ويستمر بزخم دون هذا الانقسام الفلسطيني المدمر.
 وربما لأن الجميع يعلمون أهمية القضاء على الانقسام وتوحيد شقي الوطن ومؤسساته المختلفة نجد الجميع يتشدق بموضوع الوحدة الوطنية الذي أصبح ضريبة كلامية فارغة بينما نحن جميعاً شركاء لإسرائيل في تنفيذ مشروعها والقضاء على حلمنا وحقوقنا. والكل يتحمل مسؤولية في هذا وإن كانت النسبة مختلفة بين جهة وأخرى: «حماس» وقيادة السلطة والفصائل المختلفة ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات والمواطنين، فهناك جهات تتحمل مسؤولية عدم اتخاذ قرار لإنهاء الانقسام على خلفية الاحتفاظ بالحصة المتاحة من كعكة السلطة، وهناك جهات تتحمل مسؤولية ترك المقررين يتجاهلون الخطر الداهم على القضية والشعب وعدم تشكيل قوة ضغط حقيقية لفرض الوحدة، وأيضاً يتحمل الجميع مسؤولية عدم الثورة على واقع الانقسام الكارثي وتغييره بالضغط الشعبي.
الآن لا بد من التفكير فقط في حكومة وحدة وطنية تذهب لانتخابات بأسرع وقت والشعب يقرر من يحكم ومن يتحمل مسؤولية القرار، المهم أن الوضع لم يعد يحتمل ترف الحديث والتحليل، فنحن في سباق مع الزمن الذي لا يرحم المتقاعسين واللامبالين. ومن يسمح ببقاء الانقسام ويصمت عليه هو شريك للاحتلال في تدمير المشروع الوطني.