التهديدات الإيرانية لإسرائيل..!!

حسن خضر.jpg
حجم الخط

يخرج علينا، من وقت إلى آخر، ساسة وعسكريون إيرانيون بتصريحات عن محو إسرائيل، وإزالتها من الخارطة، ويذهب البعض إلى حد أن الإسرائيليين لن يجدوا مكاناً لدفن موتاهم. وهذا النوع من التصريحات يُعيد ذكريات مؤلمة في العالم العربي، على نحو خاص. فقد سمع العرب ما يشبه هذا في كلام احمد سعيد، عشيّة الخامس من حزيران، وسمعوه أيضاً في تصريحات صدّام حسين، الذي هدد، ذات يوم بحرق نصف إسرائيل.
ولنضع هذا جانباً الآن، إذ يمكن التفكير في تصريحات كهذه من مداخل مختلفة، فهي تندرج في باب الرسائل المتبادلة بين عدوين يحاول كلاهما تحذير الآخر من مغبّة الاعتداء عليه. والمشكلة، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالإيرانيين، أن في رسائلهم ما ينطوي على دلالتين سلبيتين توحي الأولى بكسر قاعدة ذهبية في السياسة الدولية "احمل عصا غليظة وتكلّم بلغة ناعمة"، وتذكّر الثانية بحقيقة أن هذا القدر من الخشونة اللغوية يخدم إسرائيل من ناحية دعائية.
ولنضع هذا جانباً، أيضاً، فثمة ما هو أعقد وأبعد، وما قد يتجلى في إجابات محتملة على أسئلة من نوع: هل يملك الإيرانيون ما يكفي من وسائل القوّة العسكرية لترجمة هذا الكلام إلى واقع على الأرض؟ وهل تسمح القوى الكبرى، في العالم، بفناء إسرائيل؟ وهل يقبل الإسرائيليون أنفسهم مصيراً كهذا؟
والواقع أن إيران قوّة متوسّطة الحجم، وقد حاربت العراقيين ثماني سنوات، وهم أيضاً قوّة متوسطة الحجم في حينها، بلا نتائج تُذكر. والواقع، أيضاً، أنها لا تملك ما يكفي من المصانع والتكنولوجيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي، الذي يمكنها من الاستغناء عن كبار منتجي السلاح في العالم، ومن غير المُرجّح أن أحداً من هؤلاء يمكن أن يتغاضى من حرب تهدد بزوال إسرائيل.
وفي سياق كهذا، وإذا افترضنا، نظرياً، أن العسكريين في إيران يعرفون حقائق كهذه، لكنهم يمارسون نوعاً من "التهويش" فينبغي التفكير في عدم قدرتهم على قياس النتائج السياسة والعسكرية التي قد تنجم عن هذا النوع من التصريحات. 
وإذا افترضنا، نظرياً، أيضاً، أنهم يؤمنون فعلاً بأن ما لديهم من أسباب القوّة يمكنهم من ترجمة التهديد إلى واقع على الأرض، فثمة ما يوحي بفشل في قراءة موازين القوى، وللفشل في الحساب نتائج وخيمة في كل الأحوال. ويبقى احتمال قناعة هؤلاء، تعبيراً عن مشاعر دينية عميقة، بأن العناية الإلهية اختارتهم لتحقيق هذا الهدف، وهذا ما لا ينبغي لجنرال عاقل أن يضعه على الطاولة في غرفة العمليات.
وبالعودة إلى سؤال القوى الكبرى، ومدى تسامحها في موضوع فناء إسرائيل، فلن يسمح أحد بذلك، ففي موضوع الغزو العراقي للكويت كان ثمة عوامل ضاغطة أكثر من النفط والأسواق، وعلى رأسها أن فتح باب بقاء الدول أو زوالها يهدد بتقويض النظام العالمي، وبالحرب الدائمة، وربما بفناء العالم نفسه. وما أدراك إذا كانت إسرائيل هي المُستهدفة، وكل ما عاشه الشرق الأوسط في النصف الثاني من القرن العشرين، من تدخّلات القوى الكبرى، وحروب علنية وسريّة، كانت إسرائيل عنوانه الرئيس.
وبهذا نصل إلى السؤال الثالث، وردود الفعل الإسرائيلية المُحتملة، والتي سيكون في طليعتها، على الأرجح، استخدام السلاح النووي في حال شعر الإسرائيليون أن مصيرهم الزوال. وقد فكّروا، فعلاً، في استخدام هذا السلاح في حرب أكتوبر 1973، رغم أنهم لم يتعرّضوا في حينها لخطر الزوال.
 وعلى جانب آخر، فهم أكثر تطوّراً من إيران بالمعنى التقني والعسكري، ولديهم موارد أميركية لا تنضب. الصواريخ بعيدة المدى هي أكثر الأسلحة مضاء لدى الإيرانيين، حتى الآن، ومن المُستبعد أن تكون قوتهم الجوية حاسمة. والصواريخ، مهما بلغت من القوّة، ونجحت في إصابة الهدف، لا تحسم حرباً شاملة.
لن تكون إيران قوّة تثير الذعر في نفوس أعدائها قبل امتلاك السلاح النووي. والمفارقة أن امتلاك هذا السلاح من جانبها يقلل من احتمال حروب الفناء، ويعيد التذكير بمعادلة الفناء المُتبادل التي حكمت علاقات القوى النووية، في العالم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومع هذا كله في الذهن، ثمة ما ينبغي أن يُقال: لماذا يحق لإسرائيل امتلاك سلاح نووي ولا يحق لإيران؟ ولماذا لا تُعامل إيران بما تستحق كقوّة إقليمية في الشرق الأوسط؟ ولماذا تُعادي الأنظمة العربية إيران بهذا القدر من عمى البصر والبصيرة؟ ولماذا عداء الأميركيين لإيران بكل هذا القدر من الوضاعة؟
لا يعجبني نظام آيات الله في إيران، ومسألة فلسطين، والعداء لإسرائيل، جزء من لعبة دفاعية وهجومية، في آن، يمارسها الإيرانيون للحماية، وتحشيد القوى، والمناورة، على طريق امتلاك السلاح النووي، وانتزاع الاعتراف بهم كقوّة إقليمية مُقررة في النظام الشرق أوسطي. قد يحدث هذا وقد لا يحدث. كل ما في الأمر أن "التهويش" بهذه الطريقة يرتد عليهم بطريقة سلبية تماماً.
 ومع ذلك، يمكن للعالم العربي العثور على قواسم مشتركة كثيرة مع الإيرانيين. في هذا الجزء من العالم ثمة ثلاث قوى سائدة هي أم الشرق الأوسط وأبوه: العرب، وتركيا، وإيران، ويمكن لهؤلاء في حال عثورهم على قواسم مشتركة، وبلا حروب فناء بالضرورة، تحويل إسرائيل إلى مجرّد قوّة تسعى لاسترضائهم، والعيش والتعايش معهم لا كسيّد في شرقهم وعليهم، بل كجزء صغير من فسيفساء دينية وقومية ولغوية تقليدية وسمت كينونة وهوية الشرق على مدار قرون. وهذا ما لا يلوح في أفق قريب، وما لا تُسهم "تهويشات" الإيرانيين، وطموحات الأتراك العثمانية، وحالة الموت السريري التي يعيشها العرب، في استقراء ملامحه كخارطة للطريق.