المبادرة العربية للسلام... البديل لـ «صفقة القرن»

2b56b545609376410308f49b3f305dad.jpg
حجم الخط

 

استاذ علوم سياسية - غزة

إستناداً للتسريبات الإعلامية الموثقة عن صفقة القرن وما أعلن حول دولة فلسطينية على مساحة 85 إلى 90 من مساحة الضفة الغربية، مع بقاء الكتل الإستيطانية الكبرى ، وبقاء القدس عاصمة لإسرائيل، وجزء فقط من القدس الشرقية أو تحديدا الأحياء السكانية العربية للفلسطينيين، وبقاء سيطرة إسرائيل الدينية بمشاركة أردنية وفلسطينية رمزيه، مع عدم ذكر مستقبل غزة واللاجئين، هذه البنود مع مقارنتها بما جاء في المبادرة العربية التي نصت على قبول إسرائيل دولة عادية وتطبيع كامل للعلاقات معها مقابل دولة فلسطينية كاملة على الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧والقدس الشرقية عاصمتها، وحل عادل لمشكلة اللاجئين بالتوافق، ستجد الهوة عميقة بين صفقة القرن والمبادرة العربية.

المبادرة العربية تعاملت مع مفهوم السلام الشامل ، وصفقة القرن يبدو أنها تعاملت مع السلام المبني على القوة القائمة على الأرض. كما أن المبادرة العربية تبنت مقاربة حل الصراع من جذوره، وأما صفقة القرن لم تخرج عن تبني مقاربة إدارة حل الصراع، بالإبتعاد عن جذور الصراع بل وشطبها دون توافق أو تفاوض.

المبادرة العربية تعاملت مع إسرائيل كدولة لها إحتياجاتها الأمنية وكدولة لشعبها، في حين تعاملت صفقة القرن مع لا دولة فلسطينية بل مجرد كيان سياسي هلامي يمكن أن يفسر او يتم التعامل معه كما يريد كل طرف.

بعبارة أخرى تتحدث صفقة القرن عن دولة دون أن تحدد ماهية هذه الدولة وحدودها التي بقيت مفتوحة بينما المبادرة العربية إنطلقت من مرتكزات الشرعية الدولية ، أما صفقة القرن فإنها تقفز عن أي ذكر للشرعية الدولية ، بل تعمل على إلغائها ببقاء الإستيطان، وبالقدس عاصمة لإسرائيل، وبإلغاء قضية اللاجئين.

صفقة القرن كما تم إعلانها بطريقة غير رسميه وكبالون إختبار ، وقياس إستباقي لردود الفعل للأطراف المختلفه تعني إلغاء للمبادرة العربية، وللمطالب العربية للقبول بإسرائيل دولة عادية في قلب المنطقة العربية. ومن ثم إلغاء لأهم قرارات القمة العربية والتي تبنت المبادرة العربية التي تكمن أهميتها في أنها ليست مبادرة دولة عربيه واحدة، بل هي مبادرة لكل الدول العربية التي وافقت عليها في إطار قمة عربية، في حين أن صفقة القرن هي تعبير عن إرادة دولة واحدة فقط، منحازة بالكامل لإسرائيل.

والخلاف الآخر والمهم أن إسرائيل هي من صاغت صفقة القرن عبر الفريق الأمريكي الثلاثي، جاريد كوتشنر وجيسون وغرينلات ودافيد فريدمان الذين يؤمنون بالصهيونية التي حكمت صياغتهم للصفقة.

هذا يعني في التحليل النهائي مبادرة ورؤية صهيونية مقابل مبادرة عربية شاملة، ويطرح السؤال:

كيف سيتم التعامل مع صفقة القرن؟ هل سيتم تجديد عرض المبادرة العربية ؟وهل ستتم رؤية جديدة لها؟ وعلى ماذا تراهن الولايات المتحدة في عرض مبادرة أي كانت تسميتها وهي تعرف وتدرك الموقف المبدئي للجانب الفلسطيني وهو الأساس في القبول بالصفقة، وتدرك أيضا أن الدول العربية لا تملك أي منها الإعلان رسمياً عن قبول صفقة تلغي المبادرة العربية؟.

وإبتداء تتطلب المبادرة قراراً من القمة العربية كما تم الإعلان عن المبادرة العربية، فلا يجوز التعامل معها أحاديا. وثانياً أن صفقة القرن الهدف الأساس منها التسوية الإقليمية ومدخلها الرفض الفلسطيني المتوقع لما هو معروض، وكما أشرنا، أقل بكثير مما تضمنته المبادرة العربية.

وثالثاً قد تحتاج المبادرة العربية رؤية عربية تفصيلية وشاملة لماهية السلام الذي تسعى له الدول العربية وتحتاجه المنطقة. وليكن واضحاً أن ثمن قبول إسرائيل دولة كاملة ، ولها علاقات عادية هو في قيام الدولة الفلسطينية الكاملة أيضا وعاصمتها القدس الشرقية.

ويبقى أن صفقة القرن، وهنا تكمن خطورتها، تؤسس للخارطة السياسية الجديدة والتي ستأتي بلا شك على حساب كثير من المرتكزات العربية ، وأساسها أن إسرائيل مكّون أساس رئيس في هذه الخارطة، وهي تجديد لما عرف بالشرق الأوسط الجديد. فهل يقبل العرب الانتقاص من حقوقهم وأن يكون دورهم دور التابع في هذه الخارطة السياسية الجديدة؟!.