خليل توما .... "إنا باقون على العهد"

22.PNG
حجم الخط

 

رحل الشاعر البيتجالي خليل توما، الذي عرفناه مناضلا يتقدم الصفوف في معتركات الحياة ، ليس ابرزها الاعتقال في سجن الخليل اواسط سبعينيات القرن الماضي التي بدون أدنى شك صقلت شاعريته ومزجت بين "القول والفعل" وهو ما يفتقد اليه اليوم معظم قيادات العمل الوطني في المجالات كافة ، ومعهم معظم الشعراء ، وبالتالي يجوز من هذه الناحية اقران خليل توما بالدرويش والقاسم وزياد .

أهم ما ميز خليل "كارلوس" توما ، انحيازه التام الى صفوف الجماهير والفقراء حتى آخر يوم في حياته ، فقد كان يحضر الى الاعتصامات والمسيرات والمهرجانات المناهضة للاحتلال ، وكانت المخيمات مكانا محببا له ، وبالذات مخيم الدهيشة ، لم يكن يعر موضوع الدين والطائفة ادنى اهتمام ، وشأنه شأن الكثيرين من قيادات العمل الحزبي ، اصطدم مع مكوناتها البيروقراطية ، فعزف حتى عن كتابة الشعر ، لكنه لم يعزف عن ان يتقدم صفوف النضال والاشتباك .

ميزته الثانية التي اضفت على تقدمه الصفوف انه كان متواضعا وحدويا وعنيدا دون ان يحول ذلك احيانا الى انفجار غضبه ضد الدرون والامراض التي يمكن ان تعصف بالنسيج المتناغم اذا ما استوطنت وشكلت لها بعض الاوساط حواضن وطنية تتهددنا جميعنا ، بما في ذلك الاستئثار السياسي والفساد المستشري و التحريض الطائفي و الشحن الديني وترهل العمل النقابي.

كثيرون يحفظون عن ظهر قلب مقتطفات من شعره : " جيل يستيقظ في غرف التحقيق / يفيق يفيق / وعصي الشرطة تصنع من شعبي حزبا / والكل رفيق" . وضوح في الموقف وترسيخ في المسلك : " كل الجياع رفاق دربي/ كل العبيد وكل اشباه العبيد/ وكل من نزل السجون/ ولأننا متمردون/لن ننثني حتى نحرر لقمة الاطفال من اسنانكم/ ونزيل عن اجسادنا وسخ القرون" . عيد ميلادك الليلة ، قال لي انه كتبها على جدران الزنزانة في سجن الخليل : "عيد ميلادك الليلة / لا يرى المسجون على العتمة ظله/ اجمل الاعياد يكون / عندما تلتف على عنق جلادي حبلة" . لكن ما لا يعرفه الكثيرون بمن في ذلك الاف الخريجين من عشرات افواجهم في جامعة بيت لحم ان نشيد التخرج الذي ما زالوا يؤدونه حتى اليوم ، هو من نظمه : " من عزمنا تستيقظ الشرارة من عزمنا / من السواعد التي تصيّر الرموز عالما / وتفتح َالابواب ْ للنهار ُ وترفع َ البنيان ْ والمناره / طليعة َّمؤزرة ٌ مواكب مظفرة / العلم في يميننا والارض في قلوبنا / العلم والوطن / فلتعصف الرياح حولنا / ولتملأ الصعاب دربنا / فلن تزيدنا الا تشبثا بالفخر والعلم" .