استاذ علوم سياسية - غزة
الملاحظ والمتتبع لتطور النظام السياسي الإسرائيلي يلاحظ أن ظاهرة الانتخابات المبكرة تلازم النظام السياسي البرلماني في إسرائيل، وقد يتفرد النظام السياسي الإسرائيلي بهذه الظاهرة عن غيره من النظم البرلمانية التي تقوم على قاعدة حجب الثقة التي بيد البرلمان في مواجهة الحكومة.
وقاعدة حل البرلمان وهي سلاح الحكومة في وجه برلمان متشدد، وتفرد النظام السياسي الإسرائيلي بظاهرة الانتخابات المبكرة أحد أسبابها التعددية الحزبية الكبيرة في إسرائيل، وظاهرة الشخصانية القيادية، وإنتفاء ظاهرة الحزب الكبير الذي كان يحقق أكثر من أربعين مقعدا، هذه الظاهرة لم تعد قائمة، وأكثر ما حققه حزب الليكود ألان حوالي الثلاثين مقعدا، مما يحتم ظاهرة الإئتلافات الحكومية، ويجعل الحزب الحاكم تحت رحمة أصغر الاحزاب في الحكومة.
فالحكومة يمكن أن تسقط بسبب مقعد واحد، ولهذا معظم الحكومات الإسرائيلية مبتزّه من قبل الأحزاب الصغيرة، ولهذه الاسباب وغيرها تعتبر الإنتخابات المبكرة أحد آليات النظام السياسي الإسرائيلي.
فالإنتخابات في إسرائيل وهي الوحيدة على مستوى النظام السياسي تجري كل أربع سنوات للكنيست الذي تنبثق منه الحكومة ويقوم الحزب الفائز بأكثرية المقاعد بتشكيلها.
وحيث انها انتخابات تتم بالتمثيل النسبي على مستوى القطر كله وبنسبة حسم 3،25 في المائه ، فهذا يعني ان أي حكومة لا بد وأن تكون إتئلافية، وهذا الذي يجعلها تحت رحمة أي من الأحزاب المشاركة، ويشترط لتشكيل الحكومة الحصول على 61 مقعدا في الكنيست وهي نفس النسبة التي تسقط الحكومة في حجب للثقة، ولهذا فإن أحد ميكانيزمات النظام السياسي الإسرائيلي الانتخابات المبكرة، وهي ظاهره عامة، والامثلة كثيرة حكومة 1951، والحكومة الخامسة 1961، والعاشرة 1981، والحادية عشرة 1984،والثالثة عشرة 1992، والخامسة عشرة، وثلاث انتخابات مبكرة ما بين حرب غزة الأولى 2008 و2014.
هذا والتوجه للإنتخابات المبكرة يتم عندما يكون للحزب المسيطر ما يقدمه للجمهور، ويريد الدعم الشعبي ، وفي أعقاب التصعيد الأخير على غزة ليس لدى نتانياهو ما يقدمه للجمهور ولذلك إستمات على تأجيل الانتخابات بعد إنسحاب ليبرمان وتقديم إستقالته من الحكومة وخروج حزبه من الإئتلاف الحاكم، ليبرمان لديه ما يقوله ، لكن نتانياهو ليس لديه ما يقوله.
وهذا سبب محادثاته الأقرب للإستجداء مع حزب نفتالي بينيت وحزب كحلون لتأجيل قرار الإنتخابات المبكرة.
والسبب الثاني أن نتانياهو ينتظر ان يقدم شيئا ملموسا ليرفع من شعبية حزبه، كأن يعقد صفقه لتبادل الأسرى بعد إتفاق التهدئة، أو حرب جديدة في غزة هذا أمر غير مستبعد.
أو أن يحقق زيارات عربية أو موضوع الأمن في الشمال وأنفاق حزب الله . ويضاف لذك قدرة نتانياهو على إقناع أعضاء حكومته أن تأجيل الانتخابات فيه مصلحة سياسية بتأجيل صفقة القرن التي يعرف ان هناك ثمناً سياسياً سيدفعه لا يقدر على دفعه أثناء الإنتخابات، وهذا كاف للإسراع في إسقاط حكومته ، والذهاب للإنتخابات المبكرة.
ولذلك كان التهديد بالإنتخابات المبكرة رسالة موجهه للرئيس ترامب الذي على ما يبدو أنه خضع لضغوطات نتانياهو وأجل عرض الصفقة ، حتى يكتسب نتانياهو مركزا أقوى أو يحقق إنجازاً سياسياً كبيرًا. لكل هذه المعطيات تم الاتفاق على الانتخابات المبكرة والتي ستجري في شهر نيسان القادم.. والمهم الآن ليس عقد الانتخابات لكن ماهي شكل هذه الانتخابات وتحالفاتها؟ وما هي أجندات وأولويات الأحزاب المشاركة والمتنافسة فيها؟.
تجري هذه الإنتخابات ولأول مرة في ظل تحولات وتحالفات غير متوقعة وفي سياقات سياسية تعمل لصالح المعسكر اليميني ، ومن ثم إحتمالات تشكيل حكومة يمينية متشددة أو أكثر تشدداً قائم، وضعف قوى اليسار التي من المستبعد ان تحقق إختراقات كبيرة في الإنتخابات القادمة .ويبقى التحدي الأكبر للنواب العرب ، وقوائمهم ، وهل قادرون على الحفاظ على عدد المقاعد التي يتمتعون بها الآن، أم أن يخسروا أو يحققوا عدد أكبر، وليكن معلوما أن مجرد زيادة عدد مقاعدهم ولو بمقعد واحد يعتبر إنجازا مهما ومطلوبا، ولذلك لا بد من حشد كل الأصوات والمشاركة بأعلى نسبه.
هذه الانتخابات تتسم بالفوضى الحزبية، وبالتركز على الأحزاب اليمينية، فهي كما توصف بأنها انتخابات بلا يسار وإنتخابات بلا خلافات أيدولوجية، هي انتخابات حول شخص نتانياهو، فلأول مرة يصبح العامل الشخصي أساسي في السياسة الاسرائيليه.. وأن الإختيار بين قيادات هي أصلا في الليكود. والتفاؤل الوحيد هل سيكون بمقدور غانتس أن يكون بديلا لنتانياهو والليكود. وقدرته على تشكيل يسار وسط مع ليبيد؟ هذا أمر مستبعد، لكن بلا شك تأثيره سينعكس على الخارطة السياسية الجديدة.
ويبقى أن هناك تراجع في الديموقراطية الإجتماعية في إسرائيل. وقد تعيد الإنتخابات نفسها بعدم قدرة أي حزب على الحصول على أغلبية تضمن الحكم، وهو ما يعني توقع مزيد من عدم الاستقرار السياسي، وتجدد دورية الإنتخابات.