بقلم: سميح خلف
من الصعب ان تفصل الواقع الثقافي والطبقي والعشائري للامة العربية عن الطابع الثقافي للشعب الفلسطيني ، ولكن من المهم ان الشعب الفلسطيني مر بكوارث طالت وجوده وتاريخه وعاداته وتقاليدة مما كان مفروضا بل يجب ان تتغير ثقافته الوطنية وطريقة مقاومته للكوارث وعناصرها وامتداداتها ما قبل الكبة وما بعدها ، وفي كل الاحوال الصراعات التي كانت ما قبل النكبة كالصراع على اللجنة العربية العليا وبلدية القدس والاختلاف على طريقة مقاومة الاحتلال البريطاني الصهيوني مما ادى الى شق الصف الوطني بكتائب مقاومة وكتائب السلام من طرف اخر التي كانت تعمل على تقويض المقاومة الوطنية المسلحة من خلال انشطتها العسكرية والاستخباراتية المتعاونة مع الاحتلال البريطاني .
دروس كان يجب الاستفادة منها وبالتحديد نهاية اللجنة العربية العليا وحكومة عموم فلسطينن التي كان يرأسها الحاج امين الحسيني ونهايته في بيروت ، هذه الدروس التي كان يجب ان تصوب اداء الفلسطينيين ما بعد النكبة وفقدان الوطن .
بالتأكيدان الشقيري اتى بشيء جديد على الفلسطينيين وفرض واقعا مختلفا ومغايرا لكل الانشطة الوطنية الفلسطينية وبالتحديد في قطاع غزة والشتات ، تلك الانشطة التي كانت تجد نفسها بالانتماء للاحزاب القومية والشيوعية والاخوان ، مبدعا بخلق وعاء وطني جديد يعتبر من اهم التحولات الوطنية والسياسية ما بعد النكبة والذي اتي بعد ضعف المثيل لحومة عموم فلسطين في ان توحد الاداء الوطني والسياسي والثقافي للشعب الفلسطيني فارضا منظمة التحرير على الرؤساء والملوك العرب وعلى الشعب الفلسطيني .
حكومة عموم فلسطين ورئيسها الحاج امين الحسيني كانت تلفظ انفاسها الاخيرة وبرغم من ذلك قاوم الحاج امين الحسيني عملية التحول والاصلاح محرضا عليها الشعب الفلسطيني والرؤساء والملوك العرب ، معتبرا نفسه هو ممثل الشعب الفلسطيني والتمثيل لا يمر الا من خلاله، فكرة التحول وجدت ممانعة وتشكيك ايضا تحت تعليل ومبرر المحافظة على القرار الوطني والتمثيل الوطني وغيره يتم تداولها هذه الايام من جديد ، اذا ما اثير قصة منظمة التحرير ووجودها الذي اصبح بمثابة موت سريري، بعد ان دمر ميثاقها وثوابتها ،وتحولت من برنامج نضالي وتمثيلي لميثاقها ووجودها الوطني الى بقرة حلوب مطلوب منها الحليب لمراكز القوى فيها وفي نفس الوقت ان تتحمل منظمة التحرير المسؤلية التاريخية عن برامج سياسية ادت الى الاعتراف باسرائيل على غالبية الارض الفلسطينية .
يقول الشقيري : (عزمت ان الجأ الى الدكتاتورية افرضها على الملوك والرؤساء العرب وعلى الشعب الفلسطيني ، ولذلك قد عزمت ان اضع الحكومات العربية والشعب الفلسطيني امام الواقع وادعو الى مجلس وطني ينعقد في القدس لينظر في الميثاق والنظام الاساسي ويعلن قيام منظمة التحرير وينتخب لجنة تنفيذية وتشترك في مؤتمر القمة في الاسكندرية باسم منظمة التحرير الفلسطينية وليس تحت اسم تمثيلي "" ممثل فلسطين .) واجهت فكرة التحول الذي قادها الشقيري مواجهة عنيفة من الحاج امين الحسيني وبعض القوى والاحزاب ويقول الشقيري (الواقع المؤسف، ان الحاج امين الحسيني، رغما عن وطنيته،واخلاصه الا انه كان لا يرى القضية الفلسطينية الا من (خلاله) منذ ان اختارني مجلس الجامعة العربية ممثلا للشعب الفلسطيني اخذ يهاجمني في مجلته ومجالسه ، قام الحاج امين بنشاط ضخم لتعطيل المسيرة فابرق للملوك والرؤساء العرب يشجب القرار ويعتبر ( ان الهيئة العربية العليا هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ) فكان موقف الحاج امين بالغ السوء فكانت كل اموال الشعب الفلسطيني بين يديه ، ولم اكن "الشقيري " اقابل العداء بل زرته وعرضت عليه ان يكون رئيسا للمجلس الوطني وان اشاوره في كل صغيرة وكبيرة حرصا على الصف الوطني. هي نفس المواقف والصراعات ورفض فكرة التحول والاصلاح ، عانت منه منظمة التحرير وعانت منه فتح العمود الفقري للمنظمة وباقي الفصائل ، وكما كان المال السياسي وتركيزه في ايدي الفرد ايام الحاج امين الحسيني تكررت التجربة في منظمة التحرير وفي الفصائل واصبحت هي المؤثر على اي مطالبة في الاصلاح او التفعيل التحول الذي يجب ان يكون ومناسب للمرحلة . الساحة الفلسطينية تعاني من الانقسام و الصراعات و يعيد التاريخ نفسه ولكن بوجوه اخرى و ابجديات ثانية فكما نرى ان رئاسة منظمة التحرير هي من تمتلك الصندوق القومي "عباس" و يمتلك جميع السلطات الاعتبارية سواءا في فتح او السلطة او منظمة التحرير و يستخدم الاموال الفلسطينية هذا اذا تجاوزنا قضية الفساد في تلبية تكريس وجوده هو الممثل للشعب الفلسطيني وللأبد و هذا يتنافى مع النظام الأساسي لمنظمة التحرير و لحركة فتح و للسلطة ايضا .
بلا شك ان هناك اصوات كثيرة انتقدت برنامج منظمة التحرير و انتقدت برنامج السلطة و انتقدت برنامج حركة فتح ، و كما قلت ان فتح تمثل العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية و عندما تعاني حركة فتح من الانقسام الداخلي يعني ذلك ان منظمة التحرير ليست بخير ، هذا الانقسام الذي بني على وجهة نظر اصلاحية تبناها قادة و كوادر في حركة فتح قوبلت باستخدام الرئيس كل نفوذه وصلاحياته في عمليات الاقصاء و قطع الرواتب وهو شبيه بشيئا ما من التشابه الشكلي مع امتلاك الحاج امين الحسيني المال الفلسطيني الذي استخدموه ضد الشقيري ، اما الشيء الاخر والمرفوض ايضا هو التحول والاصلاح في البرنامج السياسي و التنظيمي اما ان تكون منظمة التحرير هي فعلا ممثلة لكل الشعب الفلسطيني وقواه على قاعدة تجديد و تحول في برنامجها الذي فشل على مدار عقود واما يجب ان لا يقف التاريخ على اطار لم يحقق اي نتائج للشعب الفلسطيني والواقع على الارض يفرض نفسه كما يفرض نفسه في حركة فتح في انتشار جيش من الاصلاحيين في داخل فلسطين المحتلة و خارجها و فكرة الاصلاح تقريبا تجد غالبية من الشعب الفلسطيني سواءا في فتح او خارجها و هي تمهيد و ارهاصات لتوافق وطني واسع اذا احسن استخدام هذه الاستعدادات و هذا التوجه في انتشار خريطة وطنية واسعة تنهي الانقسام و تعيد وحدة الشعب الفلسطيني على برنامج محدد يتفق عليه الشعب الفلسطيني من خلال مجلس وطني عام ، فتجديد الشرعيات يحمل معاه منهج التحول والاصلاح و هو القائم الان بين القوى التقليدية في منظمة التحرير وبين القوى الاصلاحية في داخلها و خارجها .