الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الإخوة المؤمنون ؛ مع الدرس الثاني من دروس شمائل النبي صلى الله عليه وسلَّم، والموضوع اليوم عن نظافته صلَّى الله عليه وسلَّم وأمره بالنظافة.
فقد كان صلى الله عليه وسلم أنظف خلق الله تعالى بدناً، وثوباً، وبيتاً، ومجلساً، فلقد كان بدنه الشريف نظيفاً وضيئاً ـ وضاءة النظافة ـ وكان كما وُصِف أنور المُتجرِّد، أي أن الأعضاء المجرَّدة من الثياب مُنيرة، وهذه الإنارة أسبابها كثرة النظافة، متألِّقة.
وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أنه قال:
((مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ))
وعن أبي قِرْصافة قال:
((ذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصافحن، فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأمي وخالتي ورجعنا من عنده منصرفين قالت لي أمي وخالتي: يا بني ! ما رأينا مثل هذا الرجل، ولا أحسن منه وجها، ولا أنقى ثوبا ولا ألين كلاما! ورأينا كأن النور يخرج من فيه ـ أي من فمه ـ ))
(من كنز العمال: عن " قرصافة " )
فهو صلى الله عليه وسلَّم أنظف خلق الله بدناً، وأنقاهم ثوباً، وكان صلى الله عليه وسلَّم يستاك حين خروجه من منزله، وحين دخوله.
وهذه صفة النبي في نظافة بدنه، وثيابه، وبيته، ومجلسه. والتألُّق الذي ورد في هذه الأحاديث تألُّق العناية، وتألُّق النظافة.
الآن سيكون الدرس من الآن حتى نهايته في التوجيهات النبويَّة التي وجَّه بها النبي أصحابه الكرام في شأن النظافة، لتروا معي أن النظافة جزءٌ من الدين، وأن النظافة لا تُجزَّأ، نظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة النيَّة، ونظافة الهدف، ونظافة البدن، ونظافة الثياب، ونظافة المَجلس، ونظافة البيت، فالنظافة جزءٌ من الدين لا يتجزَّأ.
فقد روى الترمذي عن سعدٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
((إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ))
والأفنية ساحات الدور، فالإنسان النظيف يجذب الناس إليه، والمحل النظيف يجذب الزبائن إليه، والبيت النظيف مُريح، والثوب النظيف مريح، والنظافة شيء وفخامة الثياب شيءٌ آخر، فالأغنياء يشترون أغلى الثياب، ولكن الفقراء يستطيعون أن ينظِّفوا ثيابهم، فنظافة الثوب دليل التديُّن، أما ارتفاع ثمن الثوب فدليل الغنى، أما علامة تديُّنك الصحيح نظافة الثوب، وعلامة غناك ارتفاع ثمن الثوب، والذي يرفعك عند الله لا ثمن الثوب، ولكن نظافته.
وعن سليمان أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
(( استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر))
( من الجامع الصغير: عن " سليمان بن صرد " )
أي الدلك ثلاث مرَّات، والاستياك ثلاث مرَّات، والتنظيف ثلاث مرَّات، وغسيل الآنية ثلاث مرات..
((استاكوا، وتنظفوا، وأوتروا ؛ فإن الله عز وجل وتر يحب الوتر))
( من الجامع الصغير: عن " سليمان بن صرد " )
فأحياناً أرى نفسي أميل إلى توسيع معنى النظافة، لأنه قد يكون الكافر نظيفًا فيقال: كل يوم يغتسل مرَّتين مثلاً، ولكن النظافة شعورك الداخلي، النظافة الداخليَّة ؛ نظافة السلوك، نظافة المبدأ، نظافة الأهداف، من غير علاقات شائنة، ولا أشياء تستحي بها، هذا واضح كالشمس..
((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ))
( ابن ماجه عن العرباض )
حملني على توسيع معنى النظافة ليشمل نظافة الهدف، ونظافة الباعث، ونظافة القلب، ونظافة السريرة، ونظافة العلاقات، حملني على هذا التوسيع هو أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول:
((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة " )
لو حملناه على المعنى الضيِّق لكنا مُحْرَجِين، لأن عندنا قاعدة في الحديث: السبب الصغير لا يؤدي إلى نتيجة كبيرة،
((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة " )
معنى ذلك أنّ النظافة شرطٌ لدخول الجنَّة، فهل يعقل أن تكون النظافة بمعناها الضيِّق ؟ نحن أحياناً نقول: فلان نظيف، ولا نقصد نظافة بدنه، ولا ثوبه، ولا بيته، ولا مجلسه، ولا دكَّانه، ولا مركبته، بل نقصد بالنظافة نظافة أخلاقه، وأهدافه شريفة، وعلاقاته كلها نظيفة واضحة، ليس ثمة أشياء يستحي بها..
((لن يدخل الجنة إلا كل نظيف))
( من الجامع الصغير: عن " أبي هريرة " )
لكن النبي صلى الله عليه وسلَّم إذا فصَّل يحث على نظافة البدن، ونظافة الثوب، وهناك أحاديث تفصيليَّة تشير إلى النظافة بالمعاني الضيِّقة.
روى النسائي والإمام أحمد عن جابرٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
((عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ))
فغسل يوم الجمعة هذا واجبٌ على كل مسلم، ويوم الجمعة يوم عيد، أنا مُعجب ببعض الأُسَر الذين ينجزون أعمالهم يوم الخميس، فقد تجد بعض الأشخاص يقومون بالأعمال المتعبة، من التنظيف، وترتيب أركان البيت كله يوم الجمعة، هذا يوم عيد، وهذا يوم تحضر فيه صلاة الجمعة، وتجلس مع أهلك، فينبغي أن يكون هذا اليوم أجمل يوم في حياة المسلم، يوم تفرُّغ، ونظافة، وتألُّق، ويوم تزوُّد بالعلم، ويوم لقاء مع الأهل، فلذلك من صفات المسلم أنه يعتني عنايةً بالغةً بيوم الجمعة، ومن لوازم هذا اليوم أن تكون في أعلى درجات النظافة، فالحد الأدنى أن تغتسل يوم الجمعة، هذا الغُسل واجب ديني..
((عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ))
( من سنن النسائي: عن " جابر " )
بالمناسبة أحد إخواننا الكرام أطلعني على نشرة من منظَّمة الصحَّة العالميَّة، ثلاثمئة مليون إنسان مصابون ـ قبل عامين في العالم كله ـ بأمراض أسبابها القذارة، وانتشار هذه الأمراض أقل ما يكون في العالَم الإسلامي بسبب الوضوء، والطهارة، والخِتان، وبسبب تنفيذ تعليمات النبي صلى الله عليه وسلَّم، والآن موضوع الإيدز، الشيء الذي يحيِّر العالم أن نِسَب هذا المرض أقل ما تكون في العالم الإسلامي، لأنه يعيش في ضوابط، والدين منهج.
روى مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
((عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قَصُّ الشَّارِبِ وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ وَالسِّوَاكُ وَاسْتِنْشَاقُ الْمَاءِ وَقَصُّ الأَظْفَارِ وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ وَنَتْفُ الإِبِطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ))
هذه كلُّها من الفطرة، والبراجم هي الأماكن التي بين الأظفار واللحم، فإذا بالغَ الإنسان في تنظيف البراجم، ففي الأعم الأغلب البراز يحمل الجراثيم، وهناك أمراض كثيرة تنتقل عن طريق البراز، فكيف تنتقل ؟ حينما ينظِّف الإنسان نفسه، ربما لا يبالغ في تنظيف أصابع يده، والمكان الذي يمكن أن يستقر فيه آثار البراز هو البراجم، فلذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يبالغ في تنظيف البراجم وقايةً وطهارةً.
وقد وقَّت لنا النبي صلى الله عليه وسلم في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة ألاّ تترك أكثر من أربعين ليلة، والسُنَّة كل أسبوع، ولكن في أحوال قاهرة، في سفر، أو عمل، أو انشغال يجب ألاّ تزيد عن أربعين يوماً، عندئذٍ يقع في الإثم، مع أن الأظافر لو أخَّرتها إلى أسبوعين لظهر أنك مهمل في تقليم الأظافر.
الآن من توجيهاته صلى الله عليه وسلَّم، حثُّه على التنظُّف من آثار الطعام والشراب، فقد روى الحكيم الترمذي عن عبد الله بن بُسْرٍ عن النبي صلى الله عليه وسلَّم أنه قال:
((قصوا أظافيركم، وادفنوا قلاماتكم ـ القلامة الظفر المقصوص ـ ونقوا براجمكم، ونظفوا لثاتكم ـ اللثَّة ـ من الطعام، واستاكوا، ولا تدخلوا علي قحرا بخرا))
( من الجامع الصغير: عن " عبد الله بن بسر " )
قحراً أي بأسنان صفراء من شدة الإهمال، بخراً رائحة فم كريهة.
وروى الترمذي عن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
((بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ))
والوضوء هذا وضوء لغوي، وهناك وضوء شرعي، الوضوء الشرعي وضوء الصلاة، أما الوضوء اللغوي غسل اليدين والفَم، فالإنسان في أثناء النهار أمسك حاجة ملوَّثة، أمسك حذاءه بيده، أو صافح إنسانًا غير نظيف، أو وضع يده على مكان غير طاهر، فإذا أراد أن يأكل فعليه أن يغسل يديه غسلاً جيداً قبل الطعام وبعده، وأن يغسل فمه، هذا وضوء الطعام، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قَبْلَهُ وَالْوُضُوءُ بَعْدَهُ))
( من سنن الترمذي " عن سلمان " )
ولا تنسوا أن أكثر الأمراض المعدية أسبابها عدم العناية بالنظافة. ولعلَّ أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فهموا من الوضوء الوضوءَ الشرعي، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ فَقُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ فَقَالُوا أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ قَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ))
( من سنن الترمذي)
المعنى بالوضوء هذا غسل اليدين والفم فقط، أما الوضوء الشرعي فهو وضوء الصلاة، أما للطعام فغسل اليدين غسلاً جيداً.
ويقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو نعيم عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
((من كرامة المؤمن على الله تعالى نقاء ثوبه، ورضاه باليسير))
(الطبراني في الكبير عن ابن عمر)
وروى أبو نعيمٍ عن جابرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلَّم رأى رجلاً وسخة ثيابه فقال:
((أما وجد هذا شيئا ينقي به ثيابه ؟))
( من كشف الخفاء: عن " جابر " )
فعلى الإنسان أنْ يراقب ثيابه، فقد يكون فيها بقعة تثير الانتباه، وقد تكون جواربه غير مغسولة، أو أسنانه غير منظَّفة، فإذا دخل بيت الله عزَّ وجل، ودخل في الصلاة، كان أصحاب النبي يستاكون للصلاة، لأن هذا القرآن سيخرج من فمهم.
مرَّة قرأت أن الإمام مالك بن دينار - وكان من كبار العارفين بالله - كان يمشي في الطريق، فرأى إنساناً مخموراً قد أغمي عليه، والزبد حول شفتيه، ويقول: الله الله، فكَبُرَ عليه أن يخرج هذا الاسم العظيم من هذا الفم النَجِس، فما كان منه إلا أن غسل فمه، وهو في سكرةٍ، فلما أفاق قيل له: أتدري من غسل فمك ؟. قال: لا، قالوا: الإمام مالك بن دينار، فمن شدة تأثُّره وخجله تاب من توه توبةً نصوحا.
والإمام مالك فيما تروي الكتب أنه سمع وهو في المنام صوتاً يناديه ويقول:" يا مالك طهَّرت فمه من أجلنا، فطهَّرنا قلبه من أجلك "، وفي صبيحة اليوم التالي ذهب الإمام مالك إلى المسجد فرأى رجلاً يصلي ويبكي، ولفت نظره شدَّةُ بكائه فقال:" يا هذا من أنت ؟ " فقال:" إن الذي هداني أخبرك بحالي، شاهدنا في هذه القصَّة أن الإنسان لا ينبغي أن يلفظ اسم الله تعالى من فمٍ غير نظيف.
عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ عَمَّتِهِ رُهْمٍ عَنْ عَمِّهَا عُبَيْدَةَ بْنِ خَلَفٍ قَالَ:
((قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا شَابٌّ مُتَأَزِّرٌ بِبُرْدَةٍ لِي مَلْحَاءَ أَجُرُّهَا فَأَدْرَكَنِي رَجُلٌ فَغَمَزَنِي بِمِخْصَرَةٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أَبْقَى وَأَنْقَى فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ قَالَ وَإِنْ كَانَتْ بُرْدَةً مَلْحَاءَ أَمَا لَكَ فِي أُسْوَتِي فَنَظَرْتُ إِلَى إِزَارِهِ فَإِذَا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَتَحْتَ الْعَضَلَةِ))
( من مسند الإمام أحمد )
فإنسان يمشي في المدينة وثيابه طويلة، يجرُّها على الطريق، يكنس بها الطريق، فقال له: " ارفع إزارك فإنه أنقى ـ أنظف ـ وأتقى ـ أي أكثر تواضعًا ـ وأبقى ـ لهذا الإزار من التلف ـ "، فقال: " إنما هي بردة ملحاء "، قال: " وإن كانت بردة ملحاء، أما لك في أسوتي؟، إنما هي بردةٌ ملحاء، أي مالها قيمة عندي، فقال عليه الصلاة والسلام: " أما لك في أسوتي ؟ "، فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه عليه الصلاة والسلام.
ويقول عليه الصلاة والسلام في تنظيف البيوت والأفنية:
((فَنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُود))
( من سنن الترمذي: عن " ابن أبي حسَّان " )
ومن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلَّم في تنظيف المساجد ما رواه أبو داود والترمذي عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلَّم قال:
((عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا))
( من سنن الترمذي)
فإذا رأى الإنسان قشَّة على أرض المسجد فوضعها في جيبه، هذا من العمل الصالح، وإنّ تنظيف المسجد عملٌ عظيم ورد في السُنَّة المطهَّرة.
كان في المسجد حصاة، هي إيذاء في المسجد، وأحيانا تقام حضرات فيأتون بسندويش، ويوزِّعون الحليب، فهذا بيت الله عزَّ وجل، أنا يؤلمني أن يُتخذ المسجد مكانًا للطعام، هو أرقى من ذلك، وأنا في العمرة الأخيرة لفتَ نظري أن الوضوء في المسجد الحرام أُلْغي، والوضوء والطهارة خارج بناء المسجد، لأن هذا المكان أقدس من أن تدخل إلى دورة مياه تغيِّر الوضوء، والوضوء خارج المسجد الحرام، وخارج المسجد النبوي الشريف، هذا تعظيم للمسجد.
وتميم الداري من أصحاب النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، كان في الشام فاشترى قناديل لمسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فلما وصل إلى المدينة أمر غِلْمَانه فركَّبوا هذه القناديل، وأسرجها يوم الجمعة، فدخل النبي عليه الصلاة والسلام فرأى المسجد قد نوِّر فقال: " من فعل هذا ؟" فقالوا: تميم، فما كان عليه الصلاة والسلام إلا أن دعا وقال: " اللهمَّ نوِّر قلبه كما نوَّر بيتك"، وقال له:" لو أن عندي بنتًا لزوجتكها ". فقال أحد الصحابة: " عندي فتاة يا رسول الله أنا أزوِّجه إيَّاها "، فزوَّجه إيَّاها.
وستار الكعبة يُعطَّر دائماً، فإذا اقترب الإنسان من ستار الكعبة، ووضع يده على الملتزم يشم رائحة طيِّبة، وهذا من تعظيم شعائر الله عزَّ وجل، فكلَّما كان المسجد نظيفًا، فهذا شيء يدل على الإيمان، فإذا كان مهملاً دلَّ على ضعف الإيمان.
والشيء اللطيف في هذا الدرس عن عائشة رضي الله عنها قالت:
((أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ))
( من سنن الترمذي)
إنّ الإنسان يصلي قيام الليل في بيته، ويصلي السنة في بيته، ويصلي الفرض أحياناً مع أهله وأولاده، وكأن النبي أراد أن تكون أجمل غرفة، وقد تكون غرفة الضيوف فيها سجادة مريحة نصلي عليها، فهذا المكان في البيت سمَّاه النبي مسجدًا، وفي كل بيتٍ مسجدٌ لصلاة النوافل، وصلاة السنن، وصلاة الليل، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلَّم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظَّف وتطيَّب.
وعن سمرة بن جندب:
((أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ))
( من سنن الترمذي)
تحدَّثنا إذاً عن البيوت، وعن نظافة البدن، وعن نظافة الثوب، وعن نظافة الفم، وعن نظافة المسجد.
ويحث النبي صلى الله عليه وسلَّم على نظافة الطرق والساحات العامَّة، وينهى عن تلويثها، والآن ترى إنسان يركب مركبة مثلاً، ويأكل حاجة فيرميها من النافذة، ومثله من الموز كثير، ورمي هذه القشرة قد تسبِّب كسر إنسان، أليس كذلك ؟ وغير الكسر، شارع نظيف، فالإنسان يخجل أن يرمي ورقة في ساحة نظيفة، فلذلك المُسلم لا يؤذي الطرقات، ولا يؤذي الساحات العامَّة، وأحياناً يضعون براميل أو أماكن لوضع المهملات، فكأن الإنسان يحافظ على نظافة هذه البراميل، لا على نظافة الطرق،تجدها فارغة ولا يستعملها أحد، فكل شيء يلقى في الطريق. وأحياناً الإنسان يقوم بنزهة فيترك قشور الفواكه، والأكياس، وبقايا الطعام، ويمشي، وكل مكان جميل تجد فيه بقايا الطعام، وبقايا علب مفتوحة، إنه منظر بشع، فهذا المكان الجميل أيعقل أن يكون هكذا ؟.
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام:
((الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ))
أنتم تعرفون أن أكثر الحرائق في الغابات أساسها سجارة، ولقد حدَّثني أخ عن طائرة تقل أربعمئة وخمسين راكبًا في موسم الحج، تنطلق إلى شرق آسيا، وثمة حاج أراد أن يشرب الشاي الساخن مِن صُنعِه في الطائرة، فأشعل الغاز، ووضع إبريق الشاي، فاحترقت الطائرة، فلما حلَّق الطيار في الجو وجد حريقًا فأخبر المطار، والحريق عطَّل الدارات الكهربائيَّة في الطائرة، وهبط على أرض المطار، واحترقت الطائرة ولم ينجُ أحد، أربعمئة وخمسون راكبًا احترقوا، لأن هذا الحاج أراد أن يشرب كأسًا من الشاي في الطائرة، أمسلم هذا ؟.
فإيذاء الناس، والاستخفاف بالممتلكات العامَّة، وإيقاع الأذى من أجل كأس شاي، أو يشوي لحمًا فيحرق غابة، ويقول لك: كل احتراق الغابات - خمسة آلاف دونم - الآن جبال بأكملها محروقة أسبابها سوء انضباط، وجهل، فالمسلم يجب أن يكون أرقى إنسان.