الخلط في تناول مسألة "المنظمة"

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

 

طرفان، لكل منهما خلفيته ومقاصده، يتناولان موضوع منظمة التحرير الفلسطينية، بالدفاع والهجوم، ويتبدى الباطل يقطُر أو يَنِزُ مما يقولان. فلا يؤنسنا المدافع عن المنظمة لفظياً لكي يمرر خيبته وانحرافه الوطني، ولا يوحشنا غياب الرافض للمنظمة الذي ينكر أنها كانت وينبغي أن تظل الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. فمن يحاول القرصنة على تمثيل المنظمة أو أن يشكل بديلاً لها، لن تكون مرجعيته الحقيقية إلا عند شلومو!

المدافع عن المنظمة الذي لا يؤنس، ولن تتشرف المنظمة به، هو الذي يستخدم اسمها لكي يستمر في إحباط الحياة السياسية وتعطيلها وإبقاء هذه المؤسسة الوطنية أسيرة الحال الراهنة.  فمنظمة التحرير التي أسسها المرحوم الأستاذ أحمد الشقيري كانت وستظل على العين والرأس، وهي ممثلنا الشرعي الوحيد. وهذه نفسها التي ترأسها الشهيد الزعيم الباسل ياسر عرفات وخلع عنها آخر قيودها الرسمية العربية، وعَبَرَ بنا وبها المشاوير الصعبة. تلك كانت منظمة أبو يوسف النجار وخالد الحسن وابراهيم بكر وأنيس صايغ وشفيق الحوت وعبد الله الحوراني وأبو علي مصطفى وسليمان النجاب، وغيرهم الكثير الكثير من قامات العمل الوطني الذين قضوا نحبهم أو ينتظرون. تلك كانت المنظمة التي باتت مغيّبة ونطالب باستعادتها، والفارق كبير بين تغييبها وبطلان تمثيلها.

 الفلسطينيون الذين يعرفون المنظمة ويعرفون تاريخها أو سمعوا عنها من آبائهم، لن يتقبلوا نسختها المشوهة التي يزعم البعض الخائب أنه حارس اسمها وحومتها. فمن يحاول تكريس النسخة المشوهة، أخطر ممن يحاول شطب المنظمة ودورها وتمثيلها. إن الشعب الفلسطيني يتطلع الى إنطلاقة جديدة لمنظمة التحرير، تكون أكثر فاعلية وتطوراً من المراحل السابقة، بحكم تعاظم التحديات ووقوع الإشتباك على الأرض. ولا جدوى بالطبع من منظمة عاجزة وبلا حيثيات وأسيرة التنسيق الأمني ومغمسة بلغة عباس،  وبلا يوميات ولا نسق عمل!

المنظمة التي يقصدها الخائبون المتنافخون من فراغ وإفلاس، هي تلك التي لا يحق لأحد أن يوجه سؤالاً عن وضعها، ولا أن يسأل عن فحواها، ولا أن يتمنى لها قياماً ولا أن يُذكّر بلوائحها ونظامها وأعرافها. وهذه منظمة عاجزة لا تقوى حتى على الدعوة لانعقاد برلمانها ما لم يقرر عباس،  ولا تقوى على إصدار قرارات، وإنما تموء كالقطط فتسمي المواء توصيات، والتوصيات لا يلتزم بها الطارئون ممن يشتغلون في التنسيق الأمني. وهؤلاء  يمدون ألسنتهم لهكذا منظمة ولتوصياتها احتقاراً وسخرية. إن هذه هي بالضبط المنظمة التي يقصدها المتنافخون اللاعبون بعبارة الممثل الشرعي والوحيد. فلو إن البنية الحقيقية للممثل الشرعي والوحيد كانت حاضرة، لما كان هؤلاء في المشهد أصلاً!

أما الرافضون من قديم، لأن تكون المنظمة ممثلاً شرعياً وحيداً، فهؤلاء يمثلون امتداداً للجهات والأنظمة والتلاوين والمجموعات  التي ناهضت المنظمة منذ تأسيسها، وناهضت إبراز الكيان الفلسطيني، وتطيرت من حكومة عموم فلسطين، ووقفت ضد تمثيل الفلسطينيين لأنفسهم. وبعض هؤلاء وليس جميعهم، يمثلون امتداد جماعة ما يسمى الإسلام السياسي التي كانت تعشش في اقبية استخبارات ذيول الإستعمار القديم وتابعية وعواصمه ومؤسساته الإعلامية، وكانت أداة لمقاومة حركة التحرر العربي في فترة العمل على تصفية النفوذ الإستعماري في بلادنا العربية. إن هؤلاء لا يشبعون خيبة، ولا يستحون، ولا يتعلمون من دروس التاريخ، ولا زالت بقاياهم تحلم وتتوهم بأن المستقبل لها. وللأسف يجد هؤلاء في منظمة التحرير الفلسطينية جداراً واطئاً يسهل التعدي على مشروعيته، في الوقت الذي يخشون فيه  الآخرين ويسايرونهم ضاغرين. فطالما أن المنظمة في هذا الحال التي أوصلها عباس اليها، سيظل هؤلاء يرون في منظمة التحرير الفلسطينية طرفاً ضعيفاً يحاولون النيل من شرعيته وجدارته في تمثيل الشعب الفلسطيني.

المدافعون لفظياً عن المنظمة، الذين يسعدهم بقاؤها في هذه الحال البائسة،  لكي يستخدموا اسمها لتغطية عوراتهم، يسيئون لمنظمة التحرير الفلسطينية أكثر وبشكل أخطر مما يفعل الذين عارضوا المنظمة من قديم وحاولوا النيل منها وفشلوا. إن الطرف الأول، هو الذي استطاع النيل من المنظمة، وهو الطرف المُقيد لإنهاضها واستعادة دورها، وهذا ما ينعكس الآن، في سياق الخلط عند تناول مسألة منظمة التحرير الفلسطينية!