طريق طويلة أمام نتنياهو

thumbgen (19).jpg
حجم الخط

بقلم: برهوم جرايسي

 

من السابق لأوانه الحديث عن نهاية حُكم نتنياهو، هذا أصلا إذا ستنتهي قضايا الفساد التي يواجهها بالإطاحة به، فحتى هذا مشكوك به؛ لأن الأنظمة القانونية تمنحه أشهرا عديدة حتى صدور القرار النهائي بشأن محاكمته، أم لا، هذا من ناحية؛ ومن ناحية أخرى، فإن نتنياهو يتحرك في بيئة سياسية داعمة، محاطا بشبكة أحزاب ينخر فيها الفساد، الذي يطال أيضا جهاز القضاء ذاته؛ وهذا ما تؤكد عليه تجارب السنين.
فقرار المستشار القضائي للحكومة بتوجيه تهم فساد، بتلقي رشوة وخيانة الأمانة، صدر كقرار أولي من حيث المبدأ. وبموجب القانون والأنظمة القضائية، في ما يخص منتخبي الجمهور وكبار مسؤولي الجهاز الحاكم، فإنه بعد صدور قرار كهذا، تُمنح فرصة أمام المتهم وطاقم الدفاع عنه، بتقديم طعونهم ضد القرار أو جزء منه، أمام المستشار القضائي، الذي سيكون عليه فحص الطعون، ومن ثم يصدر قراره النهائي. 
وهذه عملية لا سقف زمنيا لها. فمثلا، هناك من يتوقع أن تمتد هذه المرحلة لأشهر عديدة، وبضمن التوقعات أن يكون القرار النهائي في مطلع العام المقبل 2020، ما يعني بعد ثمانية أشهر من الانتخابات البرلمانية، التي ستجري يوم 9 نيسان المقبل. وإلى جانب هذا، فإن احتمال تخفيف لوائح الاتهام أمر قائم، وقد حصل هذا مرارا في حالات سابقة.
حتى الآن، فإن كل استطلاعات الرأي تمنح أغلبية واضحة للائتلاف الحاكم حاليا، بزعامة نتنياهو. وتقلب المقاعد يجري بين داخل كل واحد من الفريقين: ائتلاف نتنياهو المتجانس سياسيا. والثاني يشمل كل أحزاب وقوائم المعارضة غير المتجانسة، وحتى المتناقضة؛ بمعنى من يمين صهيوني، وحتى القوائم الناشطة بين فلسطينيي 48. ما يعني أن كل هذا الفريق الثاني، لن يكون بينه تحالف شامل.
ومن غير المتوقع، على الأقل في هذه المرحلة، أن يقود قرار المستشار إلى انقلاب في استطلاعات الرأي، لأن الجمهور الذي يتم استطلاعه، يعرف تماما القضايا التي يواجهها نتنياهو، وهو يتابعها منذ 27 شهرا. وعلى الأغلب، إلى درجة التأكد، أنه لم يتفاجأ من التفاصيل التي نشرت رسميا مساء الخميس. ولهذا، فإنه سيواصل دعمه لنتنياهو وفريقه من الأحزاب الأخرى، خاصة وأن طبيعة تهم الفساد الموجهة لنتنياهو، ليست بمفهوم الاختلاس المباشر من الخزينة العامة، أو أنه تلقى أموالا مباشرة إلى جيبه. ونتنياهو يستغل هذا ليبرر ذاته، ويُسخف التهم الموجهة له، ويعتبرها ملاحقة سياسية ضده.
ويستفيد نتنياهو من انحياز الشارع الإسرائيلي أكثر فأكثر، إلى معسكر اليمين الاستيطاني المتطرف، وكل المنافسة السياسية الانتخابية الدائرة حاليا، تدور بغالبيتها الساحقة جدا، في دوائر هذا اليمين. ولذا، يمكن التقدير بأنه إذا ما خسر حزب “الليكود” بزعامة نتنياهو مقاعد، فإنها ستنتقل إلى أحزاب أخرى في ذات المعسكر، ما يعني الحفاظ على الأغلبية القائمة للائتلاف الحاكم. 
وجانب آخر يُفسّر استمرار هذا التأييد لحُكم نتنياهو، وهو أن حكوماته الثلاث، خاضت نهجا اقتصاديا قاد إلى رفع مستوى معيشة اليهود، في الوقت الذي تعمقت فيه أكثر، سياسة التمييز العنصري ضد فلسطينيي 48.
ورغم كل هذا، فإن الاحتمالات الأخرى، ورغم ضعفها وفق الوضع القائم حاليا، تبقى قائمة. ولكن في كل الأحوال، فإن التقديرات تشير إلى أن نتنياهو دخل الآن في دائرة حُكمه الأخيرة. فإن فلت من المحكمة، أو قضت ببطلان لوائح الاتهام ضده، أو صدرت أحكام مخففة تسمح ببقائه في الحُكم، فمن الصعب رؤيته يخوض الانتخابات مرة أخرى على رأس حزبه. 
ولكن هذا لا يعني نهاية حُكم اجرامي خطير؛ لأن كل البدائل، إن كانت في داخل حزب “الليكود، الذي قد يشهد تراجعا في حال سقط نتنياهو عن الحكم، أو في الأحزاب الأخرى التي تطرح نفسها بديلا لنتنياهو وحزب “الليكود”، فإنها “تسبح” في ذات مستنقع العدوانية الدموية، والعنصرية الشرسة؛ فهذا مستنقع الصهيونية الآسن.
وفقط بتغيير الحالة الفلسطينية البائسة والخطيرة؛ ووقف حالة “البحبوحة” الإقليمية التي تشعر بها إسرائيل؛ وتغيير موازين القوى في العالم، وبالذات سقوط دونالد ترامب وفريقه عن الحُكم، مع تغيير جوهري في السياسات الداعمة للصهاينة، فمن الممكن أن نرى تقلبات وتغيرات في الشارع الإسرائيلي وسياسات الحُكم.

عن "الغد" الاردنية