ما بعد المشهد

صادق الشافعي
حجم الخط

-خبر-كتب: صادق الشافعي
15 آب 2015



مضى أسبوعان على مشهد حرق الرضيع علي الدوابشه حتى الموت، وحرق عائلته، وقد استشهد والده بعد أسبوع، وما زالت أُمه وشقيقه يرقدان بالمستشفى في حالة الخطر.

حين حصل مشهد الحرق قيل الذي يمكن ان يقال: صرح المسؤولون من كل المستويات ومن كل الجهات الرسمية والتنظيمية وصدرت البيانات، وكتب الصحافيون والكتاب وحلل المحللون.
 اللافت كان وجود اتفاق شبه تام على تبيان وتحليل ما خلف وحشية وعنصرية مشهد الحرق من جذور ودوافع وأهداف وما يتمتع به فاعلوها من حماية.
 اتفق الكل على:
- ان العملية إرهابية وراءها جيش يتجاوز عدة آلاف من الإرهابيين مؤطرين في اكثر من منظمة اشهرها « تدفيع الثمن».
 - ان عملية الحرق جاءت من خلفية دينية فاشية متطرفة، بما يضعها على قدم المساواة مع عمليات داعش وأخواتها حتى ولو اختلفت المرجعية الدينية.
 - أن هذا الجيش من الارهابيين يجد التغطية والدعم من جهات عليا ومراكز قوة في حكومة دولة الاحتلال وفي الكنيست، وانه يتلقى التعبئة والتوجيه منهم ومن حاخامات، وانه يلقى التسامح من الجهاز القضائي. 
- ان هذا الإرهاب يعيش وينمو في مناخ الاستيطان، وان كل حديث عن معالجة ظاهرة الإرهاب هذه في مع استمرار الاستيطان وإطلاق العنان له حتى التغوّل، هو ادعاء كاذب ومضلل.
 - انه لا بد من العقاب المناسب على هذه الجريمة، والبعض وصل حتى التهديد.
تم الاتفاق على كل ذلك وغيره بما يشبه الإجماع، وبشكل صحيح.
 لكن، الم يكن افضل الف مرة لو صدر بيان واحد يعبر عن الجميع، يقول كل ما تقدم، ويزيد عليه خطوات جادة وملموسه باتجاه انهاء الانقسام ؟
لكننا بدلا من ذلك مارسنا هوايتنا بـ «التلاوم»، وهو الطف التعبيرات.
فالأمور وصلت في حالات الى أبعد من ذلك بكثير، فقد أخذها البعض مناسبة للقراءة في دفاتر الخلاف والتشاحن التي لم تقفل أبداً، ولإقحام موضوعات خلافية في غير مناسبتها وبلا علاقة مباشرة لها مع مشهد الحريق الفاشي، والى تراشق الاتهامات بمسؤولية سياسات ومواقف لأطراف بعينها في تسهيل عملية الحرق.
قيادة المنظمة والسلطة، ملتزمة بنهج اللاعنف، قررت من جهة أولى، مجموعة خطوات بالتوجه إلى الهيئات او المؤسسات الدولية ( مجلس الأمن الدولي، محكمة الجنايات الدولية، حقوق الإنسان ...)، وبدأت بالتحرك فعلا في هذا الاتجاه، كما توعدت بإجراءات من نوع آخر دونما إفصاح، ودعت من جهة ثانية، الى تصعيد المقاومة الشعبية السلمية على كافة الأصعدة، وتجاوبت من جهة ثالثة مع مطالب تشكيل لجان حماية شعبية وأعطت الضوء الأخضر لقيامها.
أما أصحاب المنهج، او المناهج الأُخرى، فلم تعلن عن شيء محدد بالضبط، هي فقط توعدت بالرد العملي، لكنها كلها أدلت برأيها في ما أعلنته القيادة السياسية من قرارات وتحركات، بين من وجدها إيجابية ولكنها لا تكفي وتحتاج الى استكمال، وبين من لم يجد فيها ما يناسب او يفيد، وتجاوز التشكيك بالجدية وصدق النية الى تكذيب الأخبار التي التي تعلنها القيادة عن تحركاتها الفعلية لتنفيذ قراراتها.
هل ما زال الوقت مبكرا لسؤال، اين الرد العملي؟ 
لكن الغريب ان هول مشهد الحرق ورائحة اللحم البشري المحترق، وما أكدته من حقائق، لم تغير من سلوكيات النظام الفلسطيني العام، منظمة تحرير وسلطة وتنظيمات. فلا يزال الانقسام يتكرس ويتخذ تعبيرات جديدة تزيده عمقا، ولا يزال التراشق الخلافي مستعراً على مجرد تعديل وزاري محدود، بما يبشر بعدم تمكين الحكومة من القيام بمهامها ومسؤولياتها في كل مناطق السلطة الوطنية . ومازال التمثيل السياسي الفلسطيني منقسما. فالبعض يتم استقباله من دول وهيئات ورؤساء، و يقوم بالتفاوض سعيا وراء تحالفات واعترافات وترتيبات، لا بصفته قائدا لتنظيم او مسؤولا فيه، بل بصفته يمثل سلطة امر واقع تمتلك كل مقومات الحكم وأجهزته في جزء من مناطق السلطة. وما زال حديث الانتخابات العامة غائباً تماماً، وما زالت المناداة بدعوة ما يطلق عليه «الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير» للانعقاد تتكرر على لسان كل مسؤول تنظيمي.
 تكرار الدعوة وارتباطها بالاسم تقود الى التصور وكأن هذا الإطار سيكون بديلاً عن كل مؤسسات المنظمة والسلطة، وان انعقاده هو البلسم لحل كل الخلافات والاختلافات، مع العلم ان الإطار المذكور لا يمتلك اي شرعية او مرجعية قانونية في كل مواثيق المنظمة وقوانين السلطة، ولا يدخل في هيكلية المنظمة ولا تركيبة السلطة، وهناك ضبابية حول مهماته مقرونة بشك ان يتحول المؤقت الى دائم.
وما دمنا لسنا في وارد انتخابات عامة، بغض النظر عن الأسباب او الدوافع وراء ذلك والقناعة بها، وما دمنا نقول بضعف وربما انتفاء حسب البعض، شرعية كل المؤسسات القائمة، فلماذا نستولد إطاراً قيادياً مؤقتاً يفتقد الشرعية الانتخابية تماما، ويقوم بكليته على قاعدة التوافق بين التنظيمات بعيدا عن الناس وتسلطا على حقوقهم؟ وبماذا يتميز هذا الإطار عن المجلس المركزي مثلا، الذي لا يزال رغم اي جدل، يمتلك الشرعية، ولو قسطا منها؟ ولماذا إذن لا يقوم المجلس المركزي بالمهمات المطلوبة بعد ان يعطي عضويته العاملة لحركتي الجهاد وحماس؟ هذا اذا اردنا فعلا، العنب وليس رأس الناطور.
ويبقى السؤال الأهم، في هذا المجال بالتحديد، أين نحن والانتخابات؟ ولماذا لا نصارح الناس بما يمنع ومن يمنع إجراءها، وأيضا بمن يعيق التوجه الجاد لإجرائها؟