آيات الأحكام: صلاة الجماعة في الحرب

آيات الأحكام:  صلاة الجماعة في الحرب
حجم الخط

القدس _ وكالة خبر

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الآيات التالية أكبر دليل على فرضية الجماعة :

 أيها الأخوة المؤمنون، مع الدرس الثالث من: "آيات الأحكام" والموضوع اليوم صلاة الخوف، قال تعالى:

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا * فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا * وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾

[ سورة النساء: 101-107 ]

 أيها الأخوة، هذه الآيات أو مطلع هذه الآيات تعد أكبر دليل على فرضية الجماعة لماذا؟ هل من وضع حرج؟ هل من وضع صعب؟ هل من وضع شديدٍ كأن تكون مشتبكاً مع العدو وجهاً لوجه في خط المواجهة الأول في السلاح الأبيض ومع ذلك يجب أن تصلي جماعة؟

الجماعة رحمة و الفرقة عذاب :

 ألم يكن من الممكن ونحن نقاتل، ونحن في خط المواجهة الأول، ونحن نلتحم مع العدو أن يصلي كل منا على حدة؟ هل هناك وضع أشد من هذا الوضع؟ هل هناك وضع أصعب من هذا الوضع؟ هل هناك موقف أصعب من هذا الموقف؟ ومع ذلك يجب أن تصلي في جماعة، فكيف إذا كنت في سلام وفي أمن؟ وفي بلدتك وفي بيتك؟ لا يوجد مشكلة أبداً أحجمت عن صلاة الجماعة، كنت بعيداً عن الجماعة لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ ))

[ أحمد عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ]

((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمِ الْجَمَاعَةَ مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ))

[ ابن ماجة و أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ ]

 كلما حدثتك نفسك أن تبقى وحدك، أن تعيش وحدك، ألا تكن مع أحد، ألا تكن مع المؤمنين، اقرأ هذه الآية:

 

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا * وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾

[ سورة النساء: 101-102 ]

الضرب في الأرض السير و أعلى أنواعه أن يخرج الإنسان مجاهداً لنشر الحق :

 أيها الأخوة الكرام، ضربتم، الضرب في الأرض السير، ضربتم في الأرض أي سرتم، أي سافرتم، والسفر سمي سفراً لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، أتعرفه؟ قال: أعرفه، قال: هل سافرت معه؟ قال: لا، قال: هل جاورته؟ قال: لا، قال: هل حاككته بالدرهم والدينار؟ قال: لا، قال: أنت لا تعرفه.
 الضرب في الأرض هو السفر، أعلى أنواع الضرب في الأرض أن تخرج مجاهداً لنشر الحق، أقل من هذا أن تخرج فاراً بدينك من الفتنة، غير هذا أن تخرج طالباً للعلم، غير هذا أن تخرج مبتغياً الرزق، غير هذا أن تخرج سائحاً متعظاً بآيات الله في الآفاق، أي السياحة البريئة الشرعية التي لا معصية فيها ولا انحراف، وما سوى هذا السفر غير مشروع.
 قال: الضرب في الأرض السير فيها، قال تعالى:

﴿ وآخرونَ يضربونَ في الأرْضِ﴾

[ سورة المزمل :20]

 أي يسافرون.

القصر نوعان؛ قصر عدد هو قصر السفر وقصر هيئةٍ هو قصر الخوف :

 تقصروا:

﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا﴾

 تقصروا: القصر هو النقص، ويحتمل أن يكون القصر في عدد الركعات، أو النقص في هيئة الصلاة، طبعاً قصر الخوف حالة نادرة جداً، أي لو غلب على يقينك أنك إذا صليت قتلت ماذا تفعل؟ تصلي لكن بهيئة خاصة، لك أن تصلي واقفاً، لك أن تصلي مضطجعاً، لك أن تصلي مستلقياً، لك أن تصلي بأجفان عينيك، لك أن تصلي وشفتاك مطبقتان، عندنا قصر عدد هو قصر السفر، وقصر هيئةٍ هو قصر الخوف، لكن الصلاة كما تعلمون هي الفرض المتكرر الذي لا يسقط بحال.
 الإسلام أركانه خمسة، شهادة أن لا إله إلا الله مرةً واحدة في العمر، إذاً تشهد وتنتهي الشهادة، الصلاة، الصيام يسقط عن المريض والمسافر، الزكاة تسقط عن الفقير، الحج يسقط عن غير المستطيع، ما هي الفريضة التي لا تسقط بحال؟ الصلاة يجب أن تؤدى في كل الأحوال، تقصر عدداً في السفر وتقصر نوعاً في الخوف.
 قال الراغب في مفردات القرآن: "قصر الصلاة جعلها قصيرةً بترك بعض أركانها ترخيصاً"، في مفردات القرآن، قصرت الصلاة وقصرتها وأقصرتها وكل هذه الألفاظ صحيح.

الفتنة هي الابتلاء والاختبار و تستعمل في الخير والشر :

 قال تعالى:

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾

[ سورة النساء: 101]

 الفتنة الابتلاء والاختبار، تستعمل في الخير والشر، قال تعالى:

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾

[ سورة الأنبياء: 35 ]

 أنت مفتون بالمال، ومفتون بنقص المال، مفتون بوفرته وبنقصه، مفتون بالزواج وغير الزواج، مفتون بالصحة والمرض، كل ما أعطاك الله عز وجل مادة امتحانك معه، والذي حرمك مادة امتحانك معه، إلا أن الفتنة كالبلاء تستعمل بالشدة والرخاء، لكنها في الشدة أظهر، فلان فتن أغلب الظن أن معظم الناس يفهمون فتن بمعنى انحرف أما هي بأصل اللغة ففتن بالخير، عرضت عليه عملاً صالحاً قال: حباً وكرامة، نقول: فتن فنجح، عرضت عليه الخير فرفض نقول: فتن فرسب، إلا أن استعمال الفتنة بالشر أظهر وأكبر.
 عدواً مبيناً، أي عدواً ظاهر العداوة، يوجد أعداء أخفياء يبطنون العداوة، هؤلاء خطيرون جداً، أما الذي يظهر لك العداوة فهذا مريح واضح.

حقيقة الدين أن تأخذ بالأسباب وأن تتوكل على الله :

 الحِذر والحَذر من خاف شيئاً اتقاه، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( المؤمن كيس فطن حذر))

[ رواه الديلمى والقضاعى عن أنس]

 لا كما قرأه بعض ضعاف اللغة كيس قطن، يشرح الدرس قال: قال عليه الصلاة والسلام: المؤمن كيس قطن، فقال له: يا سيدي ما معنى كيس قطن؟ قال له: قلبه أبيض ولين فسرها.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾

[ سورة النساء : 71]

 هذه سبهللة، دعها وتوكل، ليست من الدين.

((قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ))

[ الترمذي عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ]

 حقيقة الدين أن تأخذ بالأسباب وأن تتوكل على الله، إنك إن اعتمدت عليها أشركت وإن لم تأخذ بها عصيت، نظام دقيق جداً، حينما لا تعبأ به أنت تحتقره، واحتقار النظام احتقار للمنظم، هذا كلام خطير أقوله لكم، ابنك مرض يجب أن تأخذه إلى الطبيب، ولابد من أن تصغي إلى نصائح الطبيب، ولابد من أن تستعمل الدواء، ولابد من أن تتصدق، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ))

[ أحمد عَنْ جَابِرٍ ]

 بأصل التصميم لكل داء دواء، بقي على الطبيب أن يوفق إلى تشخيص الداء، وبقي على الطبيب أن يوفق إلى وصف الدواء المناسب، فإذا فعلت أنت هذا ذهبت إلى الطبيب، وقد شخص لك الداء، ووصف لك الدواء، واشتريت الدواء، بقي شرط أخير فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله، من أجل أن تضمن إذن الله عز وجل قال عليه الصلاة والسلام:

((داووا مرضاكم بالصدقة))

[رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]

 هذا الموقف الصحيح، إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل، ولا تقل حسبي الله ونعم الوكيل إلا بعد أن تستنفذ الأسباب.

احترام النظام الإلهي احترام للمنظم :

 الأخذ بالأسباب احترام للنظام الإلهي، واحترام النظام احترام للمنظم، لذلك المسلمون عندما تخلفوا تخلفهم كان بسبب إهمالهم للأسباب.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا ﴾

[ سورة النساء : 71]

 عليك أن تأخذ بكل الأسباب ثم تتوكل على الله، أي احذروا واحترسوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم، الغفلة سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ، والحقيقة الإنسان قد يغفل عن حاجاته أما أخطر مرض يصيب النفس البشرية فأن تغفل عن الله عز وجل، الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا، ما من شيء يردي ويهلك كأن تكون غافلاً عن الله عز وجل، يقول سيدنا عمر رضي الله عنه: "عجبت لثلاث، عجبت لمؤمل والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط عنه الله أم راض".

 

العبادة أصلها النية الصحيحة أما المعاملات مادامت وفق الشرع فهي صحيحة :

 فليس عليكم جناح ، الجناح هو الإثم من جنحت أي عدلت عن المكان، جنحت المركبة أي انحرفت عن خط سيرها، الجنحة المخالفة، قضيتم فرغتم وانتهيتم أي أديتم، فإذا قضيت الصلاة أي أديت.

﴿اطمأننتم﴾

 آمنتم وأصل الطمأنينة سكون القلب أي إذا زال الخوف عنكم.

﴿كتاباً موقوتاً﴾

 أي فرضاً محدوداً بأوقات لا يجوز التقديم أو التأخير فيها، يوجد حكم فقهي دقيق لو إنسان أراد متعمداً أن يصلي الفجر قبل أن يؤذن طبعاً من شرط الصلاة آذان الفجر - دخول الوقت من شرط الصلاة - لو أن إنساناً تعمد أن يصلي الفجر قبل أن يؤذن وصلى صلاته باطلة، بعد حين تبين أنه صلى بعد الفجر يوجد عنده خطأ بساعته تبقى صلاته باطلة لأن النية أصل في العبادة، إنما الأعمال بالنيات، هو عملياً صلاها في وقتها، يوجد خطأ في الساعة، هو صلاها في وقتها ولكن لأنه نوى أن يصليها قبل وقتها صلاته باطلة، ولو اكتشف بعد حين أنه صلاها في وقتها غير مقبولة، أما في المعاملات النية ليس لها علاقة أنت بعت كأساً ما نيتك؟ مادمت أنك بعته صحيحاً بسعر صحيح لم تكذب ولم تدلس انتهى الأمر، هذا بيع صحيح.
 لو أن إنساناً مقيماً في حمص مثلاً ولأبيه دكان في حمص، واغتصب هذه الدكان اغتصاباً، وباعها بوكالة مزورة عن أبيه، هذا عمل باطل، ثم عاد إلى الشام فإذا أبوه قد توفي قبل أن يبيع الدكان اغتصاباً بيعه صحيح.
 دققوا في المثل، أول مثل لو أردت أن تصلي الفجر قبل دخول الوقت ثم تبين لك أنك صليت في وقته المناسب الصلاة باطلة لأن العبادة أصلها النية الصحيحة، إنما الأعمال بالنيات، أما المعاملات مادام المعاملات وفق الشرع فهي صحيحة.
 أنت تستطيع أن تقول: البيع باطل إذا كان البائع ينوي أن يبيع حتى يكثر ثروته أو حتى ينفع المسلمين؟ هذه ليس لها علاقة، مادام باع حاجة سلمها وقبض ثمنها وسعرها معتدل، وصار إيجاب وقبول فالبيع جائز، دققوا في هذا، فكرة باع المحل اغتصاباً ثم تبين أن أباه مات قبل أن يبيعه وهو وريثه الوحيد البيع صحيح.
 إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً، أي فرضاً محدداً بأوقات لا يجوز التقديم أو التأخير فيها.

 

الحياة شاقة من يرجو فيها رحمة الله يثيبه الله على عمله جزاء وافياً :

 الآية الكريمة:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ﴾

 ابتغاء القوم أي طلبهم، أن تبتغيهم، أن تلاحقهم، أن تطلبهم بالحرب، والقوم هنا الكفار، هذه الآية أيها الأخوة لها عندي مكانة كبيرة، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

[ سورة النساء : 104]

 الحياة شاقة، أهل الدنيا مساكين يدأبون، يتعبون، يجتهدون، يجتمعون ، يخططون، يبذلون أموالهم، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾

[ سورة الأنفال : 36 ]

 تصور شابين أجمعا أن يتزوجا، شراء البيت، ودفع ثمن البيت، وتأسيس البيت، والبحث عن زوجة، وعقد القران، وهدايا، وفترة خطوبة، وحفلات، والأهل، ومشاكل الأهل، أي مجموعة متاعب لا يعلمها إلا الله، يأتي شاب مؤمن يبحث عن زوجة صالحة ويعاني كل هذه المتاعب، ويأتي شاب متفلت يعاني كل هذه المتاعب، لكن هذا يرجو رحمة الله، يرجو الجنة، يثيبه الله على كل متاعبه جزاءً وافياً، وذاك على تعبه وسهره وعلى مشقته لا يؤجر على عمله.

أعداؤنا يتعاونون على باطلهم ونحن نتفرق على حقنا :

 الشيء العجيب كيف يجتمع الناس على باطلهم ويتفرق المؤمنون على حقهم؟ كيف يتعاون أهل الباطل على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة وكيف يختلف المسلمون على خمسة وتسعين بالمئة من القواسم المشتركة؟ أليس هذا وصمة عار في حق المسلمين؟ أينما ذهبت في شتى بقاع الأرض، قال تعالى:

﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾

[ سورة النساء : 104]

 التفرقة، والطعن، وعدم التعاون، والازدراء، والتقليل من قيمة الآخرين، ودعوى التفرد، هذه كلها أمراض المسلمين، أعداؤنا يتعاونون على باطلهم ونحن نتفرق على حقنا، أعداؤنا يتعاونون على خمسة بالمئة من القواسم المشتركة ونحن نختلف وبيننا خمسة وتسعون بالمئة مشترك.

ربط الرجاء بالعمل الصالح :

 أيضاً الآية الكريمة:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

[ سورة الكهف: 110 ]

 الله عز وجل ربط الرجاء بالعمل الصالح، الرجاء إن لم يدعم بعمل صالح لا قيمة له، يغدو تمنياً، وقد قال الله عز وجل:

﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾

[ سورة النساء : 123]

 الله عز وجل لا يتعامل معنا بالتمنيات، التمني بضاعة الحمقى، كم طالب في القطر؟ يوجد تقريباً مئة ألف طالب ثانوية، كلهم يتمنون النجاح بعلامات عالية، من الذي ينجح بعلامات عالية؟ الذي يسعى، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن، الذي يسعى هو الذي يفوز، لذلك قال تعالى:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾

[ سورة الكهف: 110 ]

الانتقاد سلاح الضعفاء و المخفقين في أعمالهم :

 يوجد نموذج بشري مرفوض، مستريح، مسترخ، همه تقييم الناس، همه الحكم عليهم، همه أن يكون وصياً عليهم، همه أن يوزع الألقاب عليهم، هو لا يفعل شيئاً، أنا أقول كلمة طرفة في علم العقيدة نحن نؤمن أن النبي عليه الصلاة والسلام معصوم بمفرده، وحده، أما في غير علم العقيدة فنحن نظن أن هناك إنسان لا يخطئ لكنه ليس هو النبي؟ الذي لا يعمل طبعاً لا يغلط، من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ، ويوجد شخص لا يعمل، لا يقدم شيئاً، أنا أعجب من إنسان يقرأ كتاباً يكون الكتاب فيه جهد عشر سنوات، أي حتى كتب الكتاب المؤلف أخرج آلاف الكتب أو مئات الكتب، أي عصارة تجربته، عصارة أفكاره، يأتي إنسان لا يستطيع أن يكتب سطراً واحداً يقول: يوجد أخطاء كثيرة، هذا الشيء لا يحتمل قبل أن تنتقد هل بإمكانك أن تأتي بمشاعره؟ قبل أن تزدري عملاً عظيماً هل بإمكانك أن تقلده؟ الإنسان إذا كان هناك بوناً واسعاً بينه وبين من يصنعون شيئاً ثميناً لا ينبغي أن ينتقدهم، هذا سلاح الضعفاء، وسلاح المخفقين في أعمالهم.

الله عز وجل يريد اليسر للإنسان :

 المعنى الإجمالي لهذه الآيات، يا أيها الذين آمنوا أي إذا سافرتم وسرتم في الأرض للجهاد، أو للتجارة، أو السياحة، أو غير ذلك، قلنا في بداية الدرس: هناك سفر جهاد، وسفر لطلب الرزق، وسفر للسياحة البريئة الشريفة المستقيمة، سفر الجهاد إما فراراً بدينك، أو لنشر العلم، أو لصد العدو، كلها لله، ويوجد سفر للرزق، ويوجد سفر للسياحة، أي سياحة أمتي الجهاد، والعياذ بالله صار عندنا مصطلحات جديدة؛ سمعت مرة بمصطلح الأخبار من إذاعة غربية السياحة الجنسية، أي يسوح ليزني، يسوح ليرتكب الكبائر، يسوح ليرى ما لا ينبغي أن يراه.
 إذا قلنا: سياحة، المقصود سياحة المؤمنين، وهي أن يتعرفوا إلى ملكوت الله، ليس عليكم حرج ولا إثم أن تقصروا من الصلاة المفروضة، تصلون الرباعية اثنتين، لأن الإسلام دين يسر، فالله سبحانه وتعالى يريد اليسر لكم، لك أن تصلي في السفر أربع ركعات، الظهر ركعتان والعصر ركعتان، والمغرب على حاله، والعشاء ركعتان، والفجر على حاله، حكم قصر الصلاة تصلى الرباعية ركعتين من دون سنن، إلا أن سنة الفجر تصلى والوتر يصلى، سنة الفجر مؤكدة، والوتر يصلى في السفر ويقضى بالحضر، وركعتا الفجر تصلى في السفر والحضر، أما صلاة قصر الخوف فاتفقنا قبل قليل أن هناك قصر عدد وقصر هيئة، قصر العدد في السفر وقصر الهيئة في الحرب، أو في الخوف.

الله يحبنا أن نجتمع وأن نؤدي العبادات جماعةً :

 إذا كنت يا محمد مع أصحابك في الحرب وأردت أن تصلي بهم إماماً فاقسمهم طائفتين، طائفةً تقف معك في الصلاة، وطائفةً أخرى تحرسك ومعهم أسلحتهم، فإذا سجدت الطائفة الأولى وأدركوا ركعة فليتأخروا وليتقدم من لم يصلِ فليصلِّ معك، أي المقاتلون ينقسمون إلى فئتين؛ فئة تصلي مع رسول الله ركعة واحدة، والفئة الثانية تحرسها بالأسلحة ثم تتقدم الثانية فتصلي مع النبي ركعة ثانية والأولى تحرسهما، كما قلت في أول الدرس: هذا أكبر دليل على أن الله يحبنا أن نجتمع، وأن نؤدي العبادات جماعةً، وصلاة الفرد في جماعة تعدل صلاته منفرداً بسبع وعشرين ضعفاً.

((مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَمَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ ))

[ مسلم عَنْ عُثْمَانَ ]

 الله جل جلاله يأمر المؤمنين ألا يضعفوا عن قتال الكفار، لو إنسان طرح السؤال إذا كان الكافر أقوى منك بكثير فكيف لا تهنوا في ابتغاء القوم؟ الحقيقة الله عز وجل مع المؤمنين، وإذا الله معنا فمن علينا؟ وإذا كان الله علينا فمن معنا؟ الله عز وجل أقوى الأقوياء إذا كان مع المؤمنين انتهى الأمر، لذلك المعركة بين حقين لا تكون لأن الحق لا يتعدد، والمعركة بين حق وباطل لا تدوم لأن الله مع الحق، أما بين باطلين فلا تنتهي عندئذ ننظر من هو الأقوى؟ من هو الأذكى؟ من هو الأكثر حيلةً؟

من أقام أمر الله بما هو به مستطيع كفاه الله ما لا يستطيع :

 قال: الله عز وجل أمر المؤمنين ألا يضعفوا عن قتال الكفار، وأنا أقول لكم: الله جل جلاله ما كلفنا أن نعد لأعدائنا القوة المكافئة بل كلفنا أن نعد لأعدائنا القوة المتاحة، هذا الأمر يعطينا تفاؤلاً كبيراً، المسلم أحياناً لضعف إيمانه يقول لك: ماذا أفعل مع الأعداء؟ عندهم ترسانة أسلحة، عندهم قنابل نووية، عندهم تكنولوجيا عالية جداً، أقمار صناعية تغطي الأرض كلها، يجد أن النصر مستحيل، وهذا كلام غلط لأن الله عز وجل قال:

﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأنفال: 60 ]

 وانتهى الأمر، أنا عليّ أن أعدّ ما أستطيع وعلى الله الباقي وإلا لا يوجد أمل، لكن الله سبحانه وتعالى ما كلفنا فوق طاقتنا، كلفنا المتاح، لأن الله عز وجل يقول:

﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾

[ سورة الرعد : 11]

 إذا أقمت أمر الله بما أنت به مستطيع كفاك الله ما لا تستطيع.

كيفية الصلاة في الحرب :

 و عن أبي عياش الزرقي قال:

((كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُسْفَانَ فَاسْتَقْبَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَقَالُوا قَدْ كَانُوا عَلَى حَالٍ لَوْ أَصَبْنَا غِرَّتَهُمْ ثُمَّ قَالُوا تَأْتِي عَلَيْهِمُ الآنَ صَلاةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ قَالَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلام بِهَذِهِ الآيَاتِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ ) قَالَ فَحَضَرَتْ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذُوا السِّلَاحَ قَالَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا سَجَدُوا وَقَامُوا جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ تَقَدَّمَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ وَجَاءَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَصَافِّ هَؤُلَاءِ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ فَرَكَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ فَرَفَعُوا جَمِيعًا ثُمَّ سَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَالْآخَرُونَ قِيَامٌ يَحْرُسُونَهُمْ فَلَمَّا جَلَسَ جَلَسَ الْآخَرُونَ فَسَجَدُوا فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ انْصَرَفَ قَالَ فَصَلَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ))

[ النسائي عَنْ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ ]

 تصور أن الصلاة على المسلم غالية جداً، لو أن المسلمين صلوا صلاة الظهر جميعاً، وأغمضوا أعينهم، ووضعوا أسلحتهم، هذه فرصة ذهبية للعدو، فرصة رائعة للعدو أن ينقض عليهم، ويهزمهم، فصلِّ بهم إماماً، واقسمهم طائفتين، طائفة تصلي معك والطائفة الثانية تأخذ أسلحتها وتحرس، فإذا أدت الأولى معك ركعة واحدة تأخرت وجاءت الثانية وصلت معك ركعة وحرستها الأولى، صلينا جماعة وقد أخذنا حذرنا.

الله عز وجل أعطى الإنسان بعض الرخص للتخفيف عنه :

 بهذه الآية لطائف كثيرة، من هذه اللطائف الله عز وجل حينما قال:

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾

[ سورة النساء : 101]

 الحقيقة الصلاة هنا تقصر للخوف، ولكن حَمِل السفر على الجهاد فكما أنك في الجهاد تقصر في السفر تقصر، لأن السفر قطعة من العذاب، ولأن السفر مظنة هلاك، قديماً كان الإنسان يسافر فرضاً من مكة إلى الشام يقطع الصحراء وحده، يوجد وحوش، و قطاع طرق، الآن الطرقات واضحة، والمركبات مكيفة، والطائرات، وخلال ساعتين تكون في طرف الدنيا، شيء عجيب السفر الآن ميسر جداً، الآن خلال ساعتين تكون في جدة، كانوا أشهر بأكملها، ومع ذلك حتى الآن السفر فيه خطر، أنت جالس تتناول طعام الغذاء، تسمع الأخبار: وقد مات جميع ركابها أربعمئة وخمسين راكباً، هذا شيء يقع دائماً، السفر مظنة هلاك والسفر قطعة عذاب، لذلك الفقهاء حملوا السفر على الجهاد فكما أنك في الجهاد تقصر كذلك في السفر تقصر.
 سيدنا عمر سأل النبي عليه الصلاة والسلام، مالنا نقصر في الصلاة وقد أمنا - أي أصبحنا آمنين- ؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَيْهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمِ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ فَقَالَ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ ))

[ الترمذي عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ]

 أي الله عز وجل أعطاك هذه الرخصة، يوجد شخص متشدد اقبلها؟ الإنسان أحياناً في السفر يكون متعباً، ينتظر في أماكن انتظار السيارات، يبحث عن فندق، يعيش بعذاب، لا يوجد طمأنينة، المقيم انتقل إلى بيته، وبيته معروف، دخل خلع ثيابه، تناول طعامه، استلقى، أما المسافر فيبحث عن فندق، يبحث عن مطعم، ركب خمس ساعات في السيارة تعب، رحمة به صلِّ ركعتين.
 لذلك الأحناف يرون أن قصر الصلاة واجب، في الحج أحياناً يكون الحج في الأيام الحارة، الحر لا يحتمل، أصلي في مقر البعثة، نصلي قصراً ونحن في الحج، الإمام حنفي والأحناف يرون أن القصر واجب لأن الله تصدق علينا بهذه الرخصة فلنقبل صدقته.

الإنسان يجتهد ظناً وتكلفاً أما النبي فيرى ورؤيته حق :

 من لطائف هذه الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما خاطبه الله جل جلاله:

﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾

[ سورة النساء : 105]

 أي بما عرفك وأعلمك وأوحى إليك، وسمى العلم بالرؤية لأن العلم اليقيني المبرأ عن جهات الريب يكون جارياً مجرى الرؤية، تقول: رأيت العلم نافعاً أي علمت العلم نافعاً، لكن دققوا في هذا التفصيل. سيدنا عمر كان يقول: "لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله، هذه ممنوعة، فإن الله لن يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم"، أما أنت تقول: اجتهدت وليس أراني الله، أكثر الناس يقولون: هكذا الله أراني، من أنت؟ هل أتاك وحي؟ هذا ممنوع.
 لا يقولن أحدكم قضيت بما أراني الله، هذه ممنوعة، فإن الله لن يجعل ذلك إلا لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولكن ليجتهد رأيه لأن الرأي من رسول الله كان مصيباً، ولأن الله كان يريه إياه وهو منا ظن وتكلف، نحن نجتهد ظناً وتكلفاً، أما النبي فيرى ورؤيته حق.

قصر الصلاة :

 الآن قصر الصلاة، أولاً: تقصر الصلاة في السفر مطلق السفر والدليل قوله تعالى:

﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾

[ سورة النساء : 101]

 مجاهدون، فارون بدينكم، طالبون العلم، متاجرون، سائحون، وإذا ضربتم في الأرض أي سرتم في الأرض، إذاً قصر الصلاة لمطلق السفر هذا أول حكم، عند السادة الشافعية والإمام أحمد قصر الصلاة رخصة إن شئت أخذت بها، وإن شئت لم تأخذ بها، رخصة، وعند الإمام أبو حنيفة القصر واجب، وأن الركعتين في السفر هما تمام صلاة السفر، والإمام مالك القصر عنده سنة وليس واجباً، وهذه على أربعة مذاهب، الشافعية استدلوا بحكمهم من أن الله عز وجل يقول:

﴿ليسَ عليكُمْ جُنَاح أن تقصُرُوا منَ الصَّلاة ﴾

 عبارة ليست عليكم جناح لا تعني الفرضية أي لا تأخذون، لا تعاتبون، إذاً القصر رخصة، لك أن تأخذ بها ولك ألا تأخذ، أما الأحناف فأخذوا قول سيدنا عمر حينما قال: "صلاة السفر ركعتان تمام"، وأنت في السفر تمام الصلاة ركعتان، والنبي التزم هذا في أسفاره كلها.

((كَانَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ أَمِيرًا عَلَى فَارِسَ فَكَتَبَ إِلَى ابْنِ عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنِ الصَّلاةِ فَكَتَبَ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَهْلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ ))

[ الترمذي عن عَوْن الأَزْدِيَّ ]

((عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً لا يُصَلِّي إِلا رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ ))

[ الترمذي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ]

 هذه أدلة الأحناف وابن عمر يقول:

((عن ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ قُلْتُ يُسَبِّحُونَ قَالَ: لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلاتِي يَا ابْنَ أَخِي إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ))

[ البخاري عن ابْنَ عُمَرَ]

 الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه من هذه الأدلة مجتمعة عدّ القصر واجباً، يجب أن تقصر، وتمام الصلاة ركعتان، الإمام الشافعي ليس عليكم جناح أخذ من هذا أنها رخصة.

أي سفر يبيح قصر الصلاة ؟

 أما السؤال فأي سفر يبيح قصر الصلاة؟ طبعاً فوق ثمانين كيلو متراً، وينبغي أن تنوي الإقامة أكثر من ثلاثة عند الشافعي، وأكثر من خمسة عشر يوماً عند الأحناف، أما السفر الذي يبيح قصر الصلاة فسفر الطاعة، أي الجهاد، الفرار بالدين، طلب علم، التجارة، السياحة الإسلامية، أي نظيفة جداً، بريئة جداً، لا يوجد فيها معصية، الفقهاء قالوا: لمطلق السفر ولو كان في معصية، لكن صعب أن تتصور إنساناً يسافر ليعصي، حتى قاطع الطريق يجب أن يقصر في الصلاة، أي قصر هذا؟ هذا قاطع طريق، هذا مرتكب جرائم، هذا مفسد في الأرض، هذا ينبغي أن تقطع أيديه وأرجله من خلاف، على كلِّ السفر الذي يبيح قصر الصلاة السفر في طاعة أو السفر المباح.

مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة :

 الآن يوجد عندنا حكم ثالث ما مقدار السفر الذي تقصر فيه الصلاة؟ أهل الظاهر قالوا: قليل السفر وكثيره سواء في جواز القصر أو عدمه، معقول إنسان يقيم في الشام ودراسته في حلب جاء من حلب إلى الشام قصر، وخرج من الشام إلى حلب قصر، ليس معقول، يجب أن يعتمد مركز إقامته، لو فرضنا أن إقامته كلها في حلب وهو أساسه من الشام يعد حلب مركز إقامة، فإذا جاء إلى الشام يقصر، أما المركزان إقامة؟ يصلي دائماً القصر مستحيل.
 طبعاً الآن مسافة قصر الصلاة تقدر بثمانين كيلو متراً، تقريباً من دمشق إلى النبك، تقصر الصلاة دون ذلك لا يوجد قصر صلاة، صلاة الخوف كما ذكرنا قبل قليل: يصلي النبي عليه الصلاة والسلام، أصحابه فئتان فئة تصلي معه ركعة واحدة، والفئة الثانية تحرس بأسلحتها، ثم تأتي الثانية تصلي الركعة الثانية والأولى تحرس، أما في حالات الخوف الشديد بغير الحرب فلك أن تصلي كما تشاء، قصر صلاة الخوف قصر هيئة وقصر صلاة السفر قصر عدد.