سيناريوهات «التسخين».. وجهود التهدئة !

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني حبيب

مناورة أمنية عسكرية أجرتها قوات الاحتلال على تخوم قطاع غزة والغلاف الاستيطاني قبل أسبوع، مناورة لم تكن مبرمجة على قائمة الاستعدادات الإسرائيلية. لم يتردد الناطق باسم الجيش الإسرائيلي في تفصيل وسائل هذه المناورة واستهدافاتها عندما قال إنها تشمل طاقما لوائيا قتاليا يتشكل من كتائب المدرعات وهندسة المشاة بمرافقة قوات مدفعية وجوية، وأن هدف هذه المناورة، أن الجيش الإسرائيلي على استعداد وبدون تردد لاجتياح قطاع غزة في حال تلقيه الأوامر بذلك، هذا يجري إثر المداولات التي أجرتها هيئة الأركان الإسرائيلية بعد تولي رئيس الأركان الجديد أفيف كوخافي الذي أوضح في أوائل تصريحاته أن المواجهة في غزة "محتّمة" ويجب الاستعداد لها وكأنها توشك أن تقع غداً، بينما تنشر وسائل الإعلام الإسرائيلية ما مفاده أن حركة حماس ستنتظر نتائج الانتخابات الإسرائيلية، في وقت يرى المستوى الأمني في إسرائيل عدم إمكانية نشوب حرب على قطاع غزة في ظل العملية الانتخابية. هذا التقدير، رغم العديد من المبررات التي ترجحه، لا يستقيم تماماً مع حقيقة أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008 نشبت في ظل الحملة الانتخابية في ذلك الوقت.
إسرائيل تريد أن توجه رسالة واضحة بأن الانتخابات البرلمانية لن تمنع قيام حرب إذا اقتضت الحاجة، ولهذا وبالإضافة إلى المناورات المشار إليها، هناك عملية تسخين إسرائيلية على كل الجبهات الأمنية والاقتصادية، التوترات الحاصلة حول فتح مُصلّى باب الرحمة في القدس المحتلة، التوترات المتزايدة إثر الإجراءات الإسرائيلية في السجون والمعتقلات الإسرائيلية، ومخططات تهجير الخان الأحمر إضافة إلى قرصنة مخصصات ذوي الشهداء والأسرى، ومقابل ذلك، هناك تصعيد فلسطيني على تخوم القطاع مع الغلاف الاستيطاني والمزيد من البالونات الحارقة، بالتوازي مع عملية الدهس في كفر نعمة في الضفة الغربية التي زعم الاحتلال أنها جرت على أساس قومي، في مواجهة مع رد الفعل الإسرائيلي الذي كان من شأنه قصف عدة مواقع عسكرية لحركة حماس في القطاع أربع مرات خلال خمسة أيام.
في الضفة الغربية بما فيها القدس، كما في قطاع غزة، عملية التسخين تجري على قدم وساق، بينما الوسط الأمني يحذر المستوى السياسي من مثل هذا التصعيد باعتباره إحدى الأدوات الانتخابية من ناحية، وأنه لا يخدم الدولة العبرية في الوقت الراهن، وأن على الجانب الإسرائيلي أن يوفر فرصة أكبر لنجاح الجهود المصرية والقطرية حول التهدئة، بعد وصول وفد أمني مصري كبير إلى القطاع بانتظار وصول السفير القطري العمادي إليه لاحقاً.
كان من اللافت، في هذا السياق، إعلان الهيئة الوطنية لمسيرات العودة، أمس، تأجيل الحراك البحري الـ 26 الذي كان مقرراً في نفس اليوم "بسبب الظروف الجوية المتوقعة" مع أن هذا الحراك كان قد جرى في ظروف جوية أكثر سوءاً، لكن توقيت هذا الإعلان جاء مباشرة مع وصول الوفد الأمني المصري إلى القطاع في نفس اليوم، في ظل العديد من التكهنات بأن إقدام القاهرة على إطلاق سراح أربعة معتقلين لديها من المحسوبين على حركة "حماس" بعد اعتقال دام قرابة أربع سنوات، ما يشير حسب البعض إلى تفاهمات بين الأمن المصري وحركة حماس، في سبيل إنجاح مساعي القاهرة باتجاه تحقيق تهدئة مع الجانب الإسرائيلي، في سياق ضغط مصري على إسرائيل لتوفير إمكانيات جدية لتحسين ظروف الحياة في القطاع وإنهاء الحصار واستمرار ضخ الأموال القطرية إلى القطاع، والالتزام بما تم التوافق بشأنه حول المعابر وزيادة مساحة الصيد البحري وإقامة ميناء في القطاع.
مقابل كل ذلك، فإن الوضع الداخلي الإسرائيلي بالغ الحساسية في ظل الأجواء الانتخابية، ذلك أن القيام بعملية عسكرية واسعة على القطاع من شأنه أن يؤثر على الوضع في الضفة الغربية بما فيها القدس، إضافة إلى أنها ليست مضمونة النتائج، ومن ناحية ثانية، فإن شعور الإسرائيليين بالضعف تجاه اتخاذ قرار بهذا الشأن، سيؤثر سلباً على نتنياهو و"حزب الليكود"، ذلك ما قد يدفع الأمور إلى نطاق خارج السيطرة وتفلت الأمور عن الرغبات والإرادات!