شهاب الدين وأخوه

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

 

جميل جداً ومنطقي، أن يعترض الوطنيون على أن تتولى إسرائيل مهمة إدخال الأموال القطرية الى حركة حماس في غزة. ومن المنطقي التنوية الى السم الذي يُدَسُ في ذلك الدسم المالي، والاستشهاد بتصريح لنتنياهو عن علاقة نقل المال الى حماس بالإنقسام الفلسطيني. ذلك على الرغم من أن كل المال الذي يُضخ الى الأوعية النقدية الفلسطينية، من كل الإتجاهات، يمر من قناة إسرائيل. لكن هذه الفاجرة تتعمد جعل البنوك تتعفف عن تمرير الدراهم القطرية، لكي ترسل إشارة إذلال للمستفيدين!

 الغريب وغير المنطقي، هو القول في خاتمة الإعتراض، إن السلطة الفلسطينية هي القناة الشرعية لدخول أية أموال الى قطاع غزة. فمثل هذا الاستطراد، يستحث أسئلة لا يجهل أي فلسطيني أجوبتها. فهل ستكون السلطة مستعدة لأن تتولى نقل المال القطري الى غزة؟ ولأن السلطة غير مستعدة أصلاً،  باعتبارها معنية بإحكام الحصار وخنق قطاع غزة وسكانه، ألا يصح القول إن المسؤولية عن مهزلة نقل الدراهم بتلك الطريقة الفجة، تقع على أطراف عدة، من بينها السلطة التي تريد إحكام الحصار، وأن المسؤولية ــ بالمحصلة ــ تضامنية، وتستفيد منها إسرائيل قبل أي طرف آخر؟

بعض الناطقين من ببغاءات عباس، يظنون أنهم يقدمون حلولاً ويطرحون مواقف محترمة ومنطقية بثرثراتهم الفارغة، بينما هم يقومون وينامون على عجزهم حتى عن النطق اعتراضاً على تهميشهم الفعلي، وعلى خواء السلطة من أية حيثية لها علاقة بقيام الكيانات. وليس أكثر مدعاة للسخرية من كلام هؤلاء لا سيما عندما يتظاهرون بالحرص على الأصول وعلى المشروعية وعلى النظام. اليوم في الجزائر، وبعد أن استجاب الرئيس بوتفليقة للشعب، وطرح خارطة طريق للانسحاب، لم تكتف الطبقة السياسية بما اقترح، وكان جواب معظمها، أن ما يقوله السيد الرئيس هو محاولة لتمديد ولايته الرابعة ولا يستند الى أي مسوّغ دستوري، وأن المواد التي تتيح له اللجوء الى التدابير الاستثنائية، كالمادة 107 تشترط عليه أن يأخذ رأي ممثلي الشعب والمجلس الدستوري وأن تؤخذ استشارة المؤسسة الأمنية لكي تشرح الموقف بأسانيد منطقية، وتحدد حجم الخطر الذي يتهدد مؤسسات الدولة، ما جعل الأمر يتطلب بالفعل، تدبيراً استثنائياً. لكن الببغاءات عندنا، تتغاضى عمداً عن كوننا بلا ممثلين للشعب، وبلا مجلس للدولة أو مجلس دستوري، وبلا مؤسسة أمنية محايدة تشرح لنا ما إذا كان قطع أرزاق الناس يدفع خطراً أم يُنشيء مخاطر ويُضعف المناعة في المجتمع.

هؤلاء من طليقي اللسان في تشخيص رزايا حماس، لا يلتفتون الى رزاياهم، ولا يجرؤ واحد منهم على التفكير في الإجابة عن سؤال يراود الجميع: ماذا لو إن عباس لفظ أنفاسه الأخيرة؟ ماذا سيفعلون وأين هي المؤسسة المؤهلة لأن تحسم موضوع الانتقال السياسي؟ البراعة فقط في متابعة ما يقوله نتنياهو عن الدراهم، وإسقاطه على موقف حماس. أما أسئلة الإستعطاء قرين التسول،  وأسئلة الانسداد، والتكلس السياسي، والاختناق، والموت المجاني، والهجرة، والبؤس المقيم، وغير ذلك من الأسئلة المتفشية، فلا يجيب عنها جهابذة حماس وعباس. والأغرب أن روح صفقة القرن، ربما تكون منقوله الى غزة في حقائب العمادي، بينما فرسان عباس سدوا عليها كل المنافذ والحواجز، أو كأن شهاب الدين ليس أطقع من أخيه!

إن المسارب التي تجري عليها مفاعيل التطبيق العملي لما يسمى صفقة القرن، يصنعها الإنقسام نفسه، وتمهد لها لغة الخصومة، والحكومات الخائبة وأوهام المشروعية وأوهام الزلازل!