قراءة أولية في تكليف الدكتور محمد اشتية تشكيل الحكومة الجديدة

102891531832457.jpg
حجم الخط

بقلم: الدكتور أحمد جميل عزم

 

حُسم النقاش حول هوية رئيس الوزراء الفلسطيني التالي، واختير د. محمد اشتية، لمهمة تشكيل الحكومة. ولهذا التعيين دلالات ومعانٍ متعددة تتعلق بمستقبل النظام السياسي الفلسطيني، وسيكون له دلالاته إزاء الصراع مع الجانب الإسرائيلي.


اشتية هو أول رئيس وزراء من داخل حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، منذ العام 2006، أي منذ الانتخابات التي فازت بها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وما تلاها من انقسام. وهذا التعيين جاء إلى حد كبير بطلب من أعضاء اللجنة المركزية لحركة “فتح”، ويعكس تراجعا عن فكرة التكنوقراط من خارج “فتح”، أو من غير القياديين فيها، الذي حَكَمَ إلى حدٍ كبير المرحلة السابقة، في اختيار رؤساء الحكومات والوزراء.

ولكن اشتية يجمع كونه سياسيا ناشطا ميدانياً وعضو لجنة مركزية للحركة، وتكنوقراط أكاديمي له خبرة في التدريس والإدارة في الجامعات، فضلا عن ترؤسه مؤسسة اقتصادية إنشائية كبرى بالمقاييس الفلسطينية، وهذا قد يعني زيادة منسوب الفعل السياسي في حكومته، مقارنة بالحكومات السابقة، دون إغفال الجوانب الاقتصادية والإدارية.


يمكن رؤية اختيار اشتية أيضاً في سياق تغيرات متدرجة في النظام السياسي الفلسطيني، أو نخبة صنع القرار، فبعد أن كان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، تقليدياً من الشخصيات المستقلة، أصبح سليم الزعنون، القائد التاريخي والمؤسس في “فتح”، رئيسا للمجلس، (منذ العام 1996)، ثم بعد أن ترك منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لعدد من السنوات لياسر عبدربه، القيادي السابق في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أصبح منذ العام 2015، د. صائب عريقات عضو مركزية “فتح”، هو أمين السر. وأيضاً خرجت “فتح” عن تقليد قديم بعدم اختيار نائب لرئيس الحركة، واختارت محمود العالول، لهذا الموقع، منذ العام 2017، ويشكل عريقات، والعالول، واشتية الآن عناصر أساسية صاعدة في النظام السياسي الفلسطيني، يضاف لهم آخرون، مثل عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية لحركة فتح، عزام الأحمد، الذي يدير عدة ملفات أساسية فلسطينياً، بدءا من المصالحة، إلى ساحة لبنان، إلى الشؤون البرلمانية، وأمين سر اللجنة المركزية لحركة “فتح”، جبريل الرجوب، وعضو مركزية “فتح” حسين الشيخ، وقيادات الأجهزة الأمنية، وأبرزهم من حيث الدور السياسي ماجد فرج.

وعملياً برز في السنوات الأخيرة نوع من توزيع ملفات ومهام، ويأتي صعود اشتية للحكومة، ليؤكد تشكل “فريق” داخل فتح يعمل مع رئيس الحركة، في قيادة المرحلة. 
هذا الواقع يعني وجود تغيرات صغيرة متدرجة في تشكيل النخبة السياسية، وأنّ “فتح” تستطيع في النهاية التوصل لتفاهمات، لكن هذا يثير تساؤلا مهما حول دور الفصائل الأخرى والشخصيات والقوى المستقلة، خارج “فتح”. 
من الواضح من كتاب التكليف ورد اشتية عليه، ومن تصريحات سابقة لقيادات، في “فتح”، أنّ إطار العمل السياسي سيكون هو حصراً منظمة التحرير الفلسطينية، وفصائلها، ولم تعد مسألة التوافق مع “حماس” مطروحة، بل باتت الأجندة معها، من مستويين؛ هي إنهاء الوضع الحالي في غزة، ثم نقاش دخولها منظمة التحرير.


“حماس” وكما هو متوقع، وكما فعلت تقريباً مع كل حكومة فلسطينية منذ العام 1994 إلا التي شكلتها هي وحكومة رامي الحمدالله الأولى، أعلنت “أنها لا تعترف بهذه الحكومة الانفصالية”، وإذا كان مستبعداً من عدم الاعتراف هذا أنها ستعتبرها أيضاً غير مسؤولة عن الكهرباء، والرواتب، والصحة، والتعليم، ..إلخ، وتقوم هي بتوفير ذلك، فمن غير المستبعد أن تشكل إطارا إداريا جديدا في غزة، قد يفاقم الوضع، ويجعل الحكومة الجديدة تُحمّل هذا الإطار المسؤولية؛ إلا إذا تمهّل الجميع في مواقفهم، وتم التوصل لآلية مصالحة جديدة.


على صعيد مواجهة الاحتلال، هناك قرار سياسي متخذ بالفعل، بوقف قبول “أموال المقاصة”، وهذا سيكون له تداعيات سياسية، وأمنية، ومعيشية، ستشكل أولوية الحكومة الجديدة، والقدرة على إدارة هذا الملف، ستحدد كثيرا من معالم المراحل المقبلة، وعلى صُعُد كثيرة.
 مثلما يمكن رؤية خطوات، وأيضاً مشكلات، تتراكم في تشكيل النخبة السياسية الفلسطينية، يمكن رؤية أن الحكومة الجديدة، أمامها ملفات عدة متناثرة، ستشكل المرحلة المقبلة، أهمها مواجهة الاحتلال خصوصاً ميدانياً واقتصاديا، فضلا عن الشق السياسي والدبلوماسي الأقرب لمنظمة التحرير الفلسطينية ولدور مباشر للرئاسة الفلسطينية، أضف لذلك مسألة إعادة بناء الوحدة الوطنية.

* جامعة بير زيت - عن "الغد" الأردنية