صيغ الإنكار وعُقم التعليل

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

بقلم: عدلي صادق

 

تصريحات بعض القيادات الحمساوية وتغريداتها الفيسبوكية، تطرح رؤيتها للموقف في غزة، بصيغ تتحاشى النقطة الأهم، وهي استخدام الكرباج والهراوة والتعدي على كرامات الناس، وكأن هذا ليس هو مربط الفرس. فليس هناك قوة على الأرض، صاحبة حق في ضرب الناس بالعصي، مهما كان السبب، فما بالنا عندما تتخذ الناس موقفاً أو تطلق شعاراً يتعلق بضرورات حياتها. إن كل قوى الإستبداد، البائدة منها والتي لا زالت تتنفس، ظلت تنسب كل حراك شعبي، لأقبية مخابرات وأوكار مؤامرات. وهذا ما قيل في ثورات الربيع العربي نفسه الذي تتغني به جماعة "الإخوان"!

في فلسطين، وقفنا ضد الإعتداء على المتظاهرين والمتظاهرات في الخليل، وتجاهلنا بعض لقطات التعنّف من السيدات المتظاهرت مع الشرطة التي جاءت لتفريق تظاهرتهن، لأن الهراوة مدانة، فقد خلق الله الناس أحراراً ينزعون الى العدالة.

ليقل موالو حماس ما يشاؤون في المسائل الأخرى التي تشخص معالم المشهد، على ألا يكون الكلام، لتبرير الكرباج وشرعنته بصيغ الفطنة الجهادية والذكاء السلطوي، وبذرائع وحدة الصف واستنكار الفوضى. إن أول ما ينبغي أن يفعله المعنيون بهجاء مظالم عباس، هو الكف عن كل أشكال المظالم المُكملة، إن كان الحمساويون أصلاً قد أفلتوا من تحميلهم جزءاً معتبراً من المسؤولية عن تفرد عباس بغزة!

قد نختلف معهم أو نتفق على أية نقطة من التشخيص. المهم لا تبرير للقمع. وفي حال استمراره واستمرار تبريرة، ستنعقد الخصومة بينهم وبين والشعب بكل قواه السياسية والاجتماعية. فإن كانوا رساليين وربانيين وروحانيين، ليستمعوا الى الناس وليتفهموا مقاصدها بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالكرباج والوسائل القمعية. ليتركوا الرعونة لغيرهم إن كانوا أقوياء حقاً وواثقين من أنفسهم، لأن امتشاق أدوار القمع والعصا، يليق بالمأزومين، وليس بالراسخين في الرشاد.

معلوم أن ثقافة "الإخوان" التي نشأ عليها متنفذو حماس، لا تعترف بخطأ على الإطلاق. كان الإنكار وكانت المكابرة في معتمدتين في هذه الثقافة منذ أن تأسست الجماعة. فكل الأطراف تخطيء إلا "الإخوان"؟ ألم يصفهم سيد قطب بــ "المصاحف المتحركة". فالخطأ في الديانة الحزبية، غير وارد، لذا فقد انزعج الحمساويون من دعوة الفصائل لهم للاعتذار للشعب. فإن استفظع الحمساويون مجرد الإعتذار، يصح أن نسألهم ماذا نفعل بمفهوم التوبة وهو أعمق إحساساً بالخطأ من الاعتذار، إن لم يكن هناك من يعترفون  بذنوبهم؟ هل ننزع ــ لا سمح الله ــ آيات التوبة من القرآن الكريم، لأننا في زمن المصاحف المتحركة؟ ألم يقل رسولنا الكريم، حسب حديث صحيح:"والله لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون ويستغفرون ويُغفر لهم"؟ فإن كان رب العالمين، جل وعلا، قدّر على عباده وجود الخطايا، لكي يستغفروا ثم يتوب عليهم إذا تابوا؛ فهل يدلنا وأحد من الإخوة الذين يبررون القمع للتغطية على قُبح الكرباج، على موقف أو جملة، صدرت عن الإخوان، مر تسعين عاماً، ثم عن حماس على مر نحو ربع القرن، فيها اعتراف بخطأ وإساءة ؟!

لم يعد التلاعب بالكلام مجدياً، ولا فائدة من أخذ الناس الى سياقات جدال وتنظيرات، لإبعاد الأصابع عن وضع النقاط على الحروف. لدينا مصيبة في النظام السياسي الفلسطيني الرسمي، وننصح القائمين على هذا النظام، بأن يتواضعوا وأن يعترفوا بمأزقهم وبأن يواجهوا المشكلة بشجاعة، لكي لا يستفيقوا في اليوم التالي لغياب عباس، على مشكلة كبرى تتهدد السلم الأهلي ومصير الكيانية الفلسطينية التي سيتركها عباس خالية من أية حيثية، وغير مؤهلة لأن تحتوي موقفاً أو لحظة فارقة من التاريخ. كذلك فإن شروحات التعليل المتحايلة، وتبرير الكرباج، لن تفيد حماس في شيء، إن لم تقف مع الذات وقفة موضوعية، لكي تواجه أخطاءها بشجاعة، وتضع يدها على نقاط الخلل، لكي لا تجد نفسها في لحظة فارقة، عاجزة الظفر من الغنيمة بالإياب!