الحلال والحرام "القواعد العامة".. الدرس الأول

الحلال والحرام "القواعد العامة" الدرس الاول
حجم الخط

القدس - وكالة خبر

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أخطر موضوع على الإطلاق في حياة المؤمن بعد إيمانه بالله موضوع الحلال و الحرام:

أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الأول من سلسلة دروس: "الحلال والحرام في الإسلام"، ولا يخفى عليكم أن أخطر موضوع في الدين بعد الإيمان بالله الحلال والحرام، لأنك بالكون تعرفه، وبالشرع تعبده، بعد أن تستقر حقائق الإيمان في نفس المؤمن، إيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، بعد أن سعى الإنسان إلى أداء العبادات من صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، ليس هناك موضوع على الإطلاق أخطر ولا أهم إلى نفس المؤمن من موضوع الحلال والحرام، لأن الإنسان إذا اقترف الحرام كان الحرام حجاباً بينه وبين الله.

 العلوم الدينية علوم كثيرة جداً، علوم أدوات، علوم فرعية، علوم فقهية، ما من موضوع على الإطلاق أخطر في حياة المؤمن بعد إيمانه بالله من موضوع الحلال و الحرام.

قواعد كلية في الحلال والحرام:

1 ـ الأصل في الأشياء الإباحة:

 قبل أن نمضي في الحديث عن الحلال والحرام في حياة الإنسان الشخصية؛ في طعامه وشرابه، وفي علاقاته الاجتماعية، في زواجه، في كسبه للمال، في إنفاقه للمال، في سفره، في حله وفي ترحاله، قبل أن نمضي في هذه الموضوعات لابد من درس أو درسين نتحدث فيهما عن حقائق أساسيه وقواعد كلية في الحلال والحرام، فمن أول هذه القواعد الكلية في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة، الأصل أن كل شيء مباح لماذا؟ وما الدليل؟ لقول الله عز وجل:

﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ﴾

[ سورة البقرة : 29]

 ولقول الله عز وجل:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾

[ سورة الجاثية: 13 ]

 ولقول الله عز وجل :

﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾

[ سورة لقمان: 20 ]

أيّ قضية سكت عنها الدين قضية مباحة:

 الأصل في الأشياء الإباحة لذلك لا حرام إلا ما ورد فيه نص صحيح صريح، إذاً النص غير صحيح أو النص صحيح ولكن غير صريح، نعود إلى أصل القاعدة الأصل في الأشياء الإباحة لا تحريم إلا بنص صريح صحيح.

 قضية سكت عنها الدين إذاً هي مباحة، أصل القاعدة أن كل شيء مباح في الأصل ما لم يرد في تحريمه نص صحيح صريح، لو اعتمدت على نص غير صحيح هذا الشيء يبقى على أصل القاعدة مباحاً لو اعتمدت على نص صحيح، لكن دلالته ليست قطعية، يرجع الحكم إلى أن هذا الشيء مباح وفق القاعدة الأصلية الأولية، فالقاعدة الأولى في الحلال والحرام أن الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح من قبل الله عز وجل في كتابه، أو من دوام النبي صلى الله عليه وسلم في سنته، لذلك موضوع الحلال والحرام لا يستطيع إنسان كائن من كان أن يقول لك هذا حلال وهذا حرام إلا بالدليل.

أكثر كلام أسمعه أستاذ قالوا: هذا الشيء حرام، أين الدليل؟ ليس تحليل الحرام أو ليس تحريم الحلال بأقل إثماً وخطراً وانحرافاً من تحليل الحرام، سيّان أن تحلل حراماً أو تحرم حلالاً.

بطولة الإنسان ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل:

 أول قاعدة: الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صريح صحيح في تحريمها، لذلك المؤمن لا يعمل فكره إلا بالطريقة التالية؛ إن كنت ناقلاً فالصحة، إن كنت مدعياً فالدليل، لا يقبل شيئاً محرماً إلا بالدليل القطعي، طالبه بنص صحيح، قرآن كريم، حديث صحيح، حديث متواتر، حديث حسن، وطالبه بدلالة واضحة صريحة، أما أن تعتمد نصاً ضعيفاً، أو موضوعاً، أو أن تعتمد مدلولاً ظنياً، فهذا لا يجعل هذا الشيء حراماًً، بالمناسبة أي إنسان مهما كان علمه محدوداً بإمكانه أن يقول لك: هذا حرام، لكن البطولة ليس في تحريم الحلال ولكن في إعطاء الرخصة مع الدليل، هذا حلال وهذا الدليل.

القاعدة الأولى الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل نص صحيح صريح يحرمه.

 بالمناسبة أخواننا الكرام، هذا الشرع من عند خالق الكون، من عند الصانع، من عند الخبير، فعندما يتطاول الإنسان ويحرم ما أحله الله، أو يحلل ما حرمه الله، فقد ارتكب إثماً كبيراً، لذلك لا أبالغ إن قلت: إن أكبر معصية على الإطلاق هناك إثم، هناك عدوان،هناك فحشاء، هناك منكر، هناك نفاق، هناك شرك، هناك كفر، وفوق كل هذه وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون، أن تحلل حراماً أو تحرم حلالاً، الدليل العقلي أن الله لا يعقل أن يخلق شيئاً من أجل الإنسان ثم يحرمه عليه، شيء عبس، يخلق ما في الكون من أجل الإنسان ثم يحرم هذه الطيبات على الإنسان؟ أما إذا حرم بعض هذه الجزئيات فالحكمة بالغة بالغة سوف نراها بعد قليل.

أيها الأخوة الكرام، في الشرع الإسلامي أشياء أمرنا الله بها، وفي الشرع الإسلامي أشياء نهانا الله عنها، وفي هذا الشرع العظيم أشياء كثيرة جداً سكت الله عنها لم يأمرنا بها ولم ينهنا عنها هي المباحات، لذلك يمكن أن نقول: هناك أمر واجب، فرض، واجب مستحب أو مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً، مكروه تحريماً، حرام.

 فيجب أن يعمل عقل المؤمن دائماً، كل حركة، كل سكنة، كل تصرف، كل موقف، يجب أن يصنفه في أحد هذه الأحكام الستة، فرض، واجب، مندوب، مباح، مكروه تنزيهاً تحريماً، حرام.

التحليل والتحريم هو الذي حلله الله وحرمه الله:

 النقطة الثانية أن دائرة المباحات كبيرة جداً، وأن دائرة المحرمات صغيرة جداً، أي لو أخذنا نسبة المحرمات إلى نسبة المباحات لوجدنا أنها نسبة تكاد لا تذكر، وقد يسأل سائل - وعالجت هذا الموضوع صباحاً في صلاة الفجر - لماذا خلق الله لحم الخنزير؟ لماذا خلق الله التخمر؟ هذا قانون كيميائي لماذا خلقه الله عز وجل؟ لأن الدنيا دار ابتلاء، لأن الدنيا في أصلها دار ابتلاء:

﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

[ سورة الملك: 2 ]

 إنا كنا مبتلين لأن الدنيا هي دار بلاء وامتحان، لذلك لابد من منهيات، لابد من محرمات، لو ألغيت المحرمات ألغي التكليف، ألغي حمل الأمانة، ألغي الثواب، ألغي العقاب، لابد من أشياء محرمة لتمتحن في تركها، لا تظهر إرادة المؤمن في طاعة الله إلا بترك المحرمات، فلو تصورنا أن الله خلق كل شيء مباح إطلاقاً للإنسان، من هو الطائع؟ من هو العاصي؟ من هو المستقيم؟ من هو المنحرف؟ من هو الصالح؟ من هو الفائز؟

ألغيت العبادة، ألغي التكليف، ألغيت الأمانة، ألغي الثواب، ألغي العقاب، ألغيت الجنة، لابد من المحرمات، حكمة وجود المحرمات متعلقة بحكمة التكليف، وبحكمة الابتلاء، وبحكمة الامتحان، والدليل:

﴿ وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ ﴾

[ سورة البقرة : 35 ]

 إذاً بالواقع لحم الخنزير محرم مقابل هذا التحريم كم من أنواع اللحم حلال أكله؟ مئات، الخمر محرمة مقابل هذا التحريم كم نوع من أنواع الشراب اللذيذة الطيبة الطاهرة محللة؟ أنواع منوعة.

 لذلك ورد في الحديث:

(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته ))

[البزار في مسنده و الحاكم من حديث أبي الدرداء]

 التحليل والتحريم هو الذي حلله الله وحرمه الله.

المباح لا يحتاج إلى دليل أما التحريم فيحتاج إلى دليل:

 لذلك المؤمن لا يحزن، كل شيء في الأصل مباح. قال لي مرة إنسان هل يجوز أن ألبس كنزة مصنوعة في بريطانيا؟ قلت له: يجوز، قال: لا يجوز، قلت: لماذا؟ قال: صنعها الكفار، قلت: هذا شيء مباح.

إذاً:

(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية : ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾))

[البزار في مسنده و الحاكم من حديث أبي الدرداء]

أنت لست مع إنسان يذكر وينسى، أنت مع خالق الأكوان، فالذي أمرك به هو الحلال، والذي نهاك عنه هو الحرام، وما سكت عنه فهو عفو، يجوز أن نأكل على الطاولة يجوز، المباح لا يحتاج إلى دليل، لماذا؟ لأن الأصل في الأشياء الإباحة، المباح لا يحتاج إلى دليل، أما التحريم فيحتاج إلى دليل، لو كان الأصل كل شيء محرم صار المباح يحتاج إلى دليل، الأصل أن كل شيء مباح، فالحرام يحتاج إلى دليل، سئل عليه الصلاة والسلام عن السمن والجبن والفراء فقال عليه الصلاة والسلام:

(( ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا هذه الآية : ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ﴾))

[البزار في مسنده و الحاكم من حديث أبي الدرداء]

 الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه، لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

قال لهم: اذبحوا بقرة، ما لونها؟ ما هي إن البقر تشابه علينا؟ ما زالوا يسألون عن صفات تفصيلية في البقرة حتى ضيق عليهم، ذلك يعني أن الله حرم لحم الخنزير، وحرم الدم المسفوح، وحرم الميتة، لكن لم يتحدث عن الجبن ولا عن السمن إذاً حلال، لأن الأصل في الأشياء الإباحة.

((إن الله افترض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وترك أشياء غير نسيان رحمة لكم فلا تبحثوا عنها))

[ الطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقى عن أبى ثعلبة الخشني]

الإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات بل تشمل الأفعال ما لم يأت نص في تحريمها :

 نستنبط من هذا أن هناك حكمة بالغة لا حدود لها من الأشياء التي أمرنا الله بها، وأن هناك حكمة بالغة لا حدود لها من الأشياء التي نهى الله عنها، وهناك حكمة بالغة لا حدود لها لا تقل عن حكمة المأمورات والمنهيات هي الأشياء التي سكت الله عنها، حكمة في الذي أمر، وحكمة في الذي نهى، وحكمة في الذي سكت.

النقطة الثانية أن قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة لا تتعلق بالأعيان بل تشمل الأفعال، أن تأكل لحماً معيناً، أو أن تشرب شراباً معيناً، أو أن تفعل فعلاً معيناً، صار هناك تعزية لا يوجد مانع إن ذهب الرجل وعزى أخاه، أحياناً هناك عادات وتقاليد وتصرفات ليست متعلقة بالحلال والحرام مباحة، فالإباحة ليست متعلقة بالأعيان والذوات، تشمل الأفعال والعادات والتقاليد ما لم يأت نص في تحريمها.

بالمناسبة العبادات لا يجوز أن تضيف عليها شيء، كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار:

(( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ))

[ متفق عليه عن عائشة]

 أما لو أحدثت سلوكاً اجتماعياً ولم تسمِه عبادة ليس له علاقة لا بالحلال ولا بالحرام على قاعدة أن الأصل في الأشياء الإباحة، العبادات أنشأها الشارع الحكيم فلا يستطيع إنسان أن يضيف عليها شيء، لكن المعاملات أنشأها الإنسان، والشرع إما أنه أقرها، أو صححها، أو عدلها، أو بدلها.

تصرفات العباد من الأفعال والأقوال نوعان؛ عبادات وعادات:

 العبادات الشرع الحكيم أنشأها أصلاً ابتداء، إذاً لا يجوز أن تضيف عليها لكن المعاملات أنشأها الإنسان، رأي الشرع فيها أنه أقرها، أو عدلها، أو هذبها، أو صححها.

قال بعض العلماء: إن تصرفات العباد من الأفعال والأقوال نوعان؛ عبادات يصلح فيها دينهم، وعادات يحتاجون إليها في دنياهم.

لذلك أصل العبادات التوقيت، أنها موقوتة على نص صحيح، أصل العبادات التوقيت فلا يشرع منها إلا ما شرعه الله تعالى:

﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾

[سورة الشورى: 21]

﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا ﴾

[ سورة يونس: 59]

 أصل الحلال والحرام في العبادات أن الله شرعها ابتداء، بينما أصل المعاملات أن الناس ابتدؤوها، لكن الشرع صححها، أو أقرها، أو عدلها، أو بدلها.
 قال بعض الصحابة الكرام - سيدنا جابر بن عبد الله - في الحديث الصحيح قال:

((كنا نعزل والقرآن ينزل، فلو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن))

[ مسلم عن جابر]

 كنا نعزل ماءنا عن رحم أزواجنا والقرآن ينزل فلو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن.
 هذه قاعدة الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص صحيح صريح في تحريمها.

2 ـ التحليل والتحريم من حق الله وحده:

 القاعدة الثانية: التحليل والتحريم من حق الله وحده، لا يستطيع إنسان كائناً من كان ولو كان نبي أن يحرم من عنده أو أن يحلل، قال تعالى:

﴿ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾

[ سورة الأنعام: 50]

 قال بعضهم ثلاث نصائح تكتب: اتبع لا تبتدع، اتضع لا ترتفع، الورع لا يتسع.

أول كلمة في الخلافة التي ألقاها الخليفة الصديق عليه رضوان الله قال: إنما أنا متبع ولست بمبتدع.

مؤمن كبير، صدّيق، صحابي جليل، تابعي جليل، فقيه كبير، هو يكتشف الأحكام ولا يأتي بالأحكام من عنده، يكتشف، يستنبط، الله جلّ جلاله في القرآن الكريم نعى على أهل الكتاب أنهم جعلوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله قال تعالى:

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

[ سورة التوبة: 31]

 كلام وإن بدا لكم كلام بديهي إلا أنه ينبغي أن نقوله؛ إنسان مهما علا شأنه لا يستطيع أن يقول لك: هذا حرام، لماذا؟ هكذا، لا يوجد هكذا في الدين.

﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾

[ سورة يوسف: 108 ]

الحلال ما أحلّه الله والحرام ما حرمه الله :

 كلام الأشخاص لا يحلل حراماً، ولا يحرم حلالاً، الحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله، والتحليل والتحريم من حق الله وحده، الأنبياء يبلغون، والعلماء يبينون، والمشرع هو الله، هذه قواعد خطيرة وأساسية في علوم الدين، جاء عدي بن حاتم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد اتبع النصرانية قبل الإسلام، فلما سمع النبي يقرأ هذه الآية :

﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾

[ سورة التوبة: 31]

 قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم، فقال عليه الصلاة والسلام: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم.

أنت عندما تلتقي مع إنسان لا تقول: إنه إله، أما حين يأمرك بما تخالف الشرع وتنصاع له فأنت عاملته كإله، جعلته إلهاً لا بلسانك بل بسلوكك، أمرك بقطيعة الرحم، مثلاً انصعت له، أنت ماذا فعلت؟ أنت خالفت شرع الله عز وجل واتبعته، أنت ما قلت: إنه إله لكن اتباعك إياه بما يخالف الشريعة جعلته إلهاً وأنت لا تدري، قال: يا رسول الله إنهم لم يعبدوهم قال: بلى إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم، وهناك رواية أخرى قال عليه الصلاة والسلام: ألا إنهم لم يكونوا يعبدوهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً حرموه.

العلماء الورعون يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان بيناً بلا تفصيل بيناً:

 الآن لو أردنا أن نطبق هذه القاعدة، لو فرضنا إنساناً له موجه ديني، هذا الموجه أمره أمراً مخالفاً للقرآن، أو خلاف السنة، وطبقه، ماذا فعل هذا الإنسان؟ عبده من دون الله.

الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، لذلك روى الإمام الشافعي في كتابه الأم عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: "أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتية"، الحقيقة أجرؤوكم على الفتية أجرؤوكم على النار، أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام، كلمة كبيرة جداً أن تقول هذا حلال وهذا حرام، طبعاً إذا كان هناك دليل يقيني كالشمس تقول له: هذا حلال.

وإذا قال لك: اسرق، تقول له: حرام، طبعاً القصد هنا الشبهات، قال: هؤلاء العلماء الورعون يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بيّن بلا تفسير، إنما حرم عليكم الميتة أي أَكْل لحمٍ ميتٍ، فإن كان الشيء بيّناً كالشمس قل: هذا حرام وهذا حلال، و إن كان الشيء مُختلفاً عليه لا تقل: هذا حرام وليس معك دليل.

هؤلاء العلماء يخشون أن يفتوا، أن يقولوا: هذا حرام وهذا حلال، طبعاً إذا كان هناك دليل يقيني أن هذا حلال وهذا حرام فلابأس، إذا قال لك: اسرق، تقول له: هذا حرام القصد هنا الشبهات.

قال: هؤلاء العلماء الورعون يكرهون أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بيناً بلا تفصيل.

﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ ﴾

[ سورة البقرة: 173]

 أكل لحم الميتة حرام، الشيء إذا كان بيّناً كالشمس قل: هذا حلال وهذا حرام، إذا كان مختلفاً عليه لا تقل: هذا حرام وليس معك دليل.

ترفع العلماء عن قول هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي:

 قال: حدثنا ابن السائب عن ربيع بن خيثم - وكان من أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحلّ هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه، و يقول: إن الله حرم هذا، فيقول الله: كذبت لم أحرمه.
 وحدثنا بعض أصحابنا عن إبراهيم النخعي أنه حدث عن أصحابه أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا: هذا مكروه وهذا لا بأس به، فأما نقول هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا!

كلمة حلال شيء مشتبه فيه، وكلمة حرام شيء مشتبه به، كان العلماء الورعون يترفعون على أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام من دون دليل قطعي، لذلك قال بعض العلماء إن السلف الصالح لم يطلقوا الحرام إلا على ما عمل تحريمه قطعاً.

افعله ولا بأس، نرجو الله أن يغفر لك به، لا تقل: هذا حلال أو حرام لشيء ليس فيه دليل قطعي هذا من الورع، طبعاً إذا كان الشيء فيه دليل بيّن كالشمس وقال: هذا حرام لقوله تعالى: حرمت عليكم كذا وكذا أو هذا حلال لا يوجد مانع، أما في الشبهات فقبل أن تقول: هذا حرام بسرعة أو هذا حلال تريث، قل: لا يعجبني، لا أستحسنه، لا أرتاح له، افعله ولا بأس نرجو أن يغفر الله لكم، لا تقل: هذا حلال أو هذا حرام لشيء ليس فيه دليل قطعي، هذا من الورع، لذلك أنا لا أرى كلمة جبن بمعنى الخوف تليق بالإنسان إلا في موضع الفتوى إذا قلت جباناً في الفتوى، هذا مديح وليس ذماً، لأن الفتوى خطيرة.

وفد جاء وفد من المغرب، سار ثلاثة أشهر حتى وصل إلى بلاد أحمد بن حنبل، معهم ثلاثون سؤالاً، أجابهم عن سبعة عشر سؤالاً والباقي قال: لا أعلم، قالوا: معقول الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم؟ قال لهم: قولوا لهم الإمام أحمد بن حنبل لا يعلم، السلف الصالح ورع جداً أي لا يتكلم كلمة إلا إن كان متأكداً منها.

3 ـ تحليل الحرام وتحريم الحلال من أكبر الكبائر:

 القاعدة الثالثة: أن تحريم الحلال أو تحليل الحرام قرين الشرك، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام خصّ تحريم الحلال بحديث خاص قال:

((هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون))

[رواه مسلم عن ابن مسعود ]

 من هم المتنطعون؟ الذين يسارعون أن يقولوا كلمة حرام على ما أحله الله.

الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا و خبير في أمور الآخرة:

 أذكر أخاً من أخواننا الكرام في ضائقة مالية شديدة جداً، عليه ديون مالية كثيرة، وهو يعمل في حرفة تزيينية- الصدف- جاءه عرض ألف بيت مصحف،وهو في أمس الحاجة لهذا العرض، الذي عرض عليه ليس مسلماً، فقال: حرام من عنده، جهل، اسأل يا أخي، ترفض عرضاً تجارياً من إنسان غير مسلم لصنع بيوت للمصحف، الإنسان عندما يضيق على نفسه ولا يسأل، أنت تحتاج إلى خبير في الحياة، خبير في الدنيا، والآية الكريمة قال تعالى:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43 ]

 وأنت بحاجة ماسة إلى خبير في الآخرة لقوله تعالى:

﴿ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا ﴾

[ سورة الفرقان: 59 ]
ففي قضايا الدنيا يجب أن ترجع إلى مؤمن خبير في الدنيا، وفي أمور الآخرة يجب أن ترجع إلى إنسان خبير في موضوع الآخرة، ومفتاح العلم السؤال، وأنت إذا سألت استعرت عقل الرجل، عقله كله، خبراته استعرتها بسؤال، اسأل، أذكر قصتين؛ - طبيب زارنا قبل سنة تقريباً - فتاة في ريعان الشباب عقد قرانها شعرت بألم في ثديها، فأشير عليها باستئصاله لأن به ورماً خبيثاً، الطبيب الذي زارنا قال: جاءت لي هذه الفتاة لأجري عليها أشعة لئلا يعاود هذا المرض الظهور مرة ثانية، فحصت النسيج الذي استأصل منه الثدي فلم أجد شيئاً من شدة هول الموقف قال: ركبت سيارتي واتجهت إلى هذا الطبيب الجراح الذي استأصل الثدي، قلت له: انظر إلى النسيج أنت حولت هذه الفتاة إليّ كي أجري عليها الأشعة، وهذه الأشعة ربما أضرت برئتيها، فهل تريد أن تضيف إلى الخطأ الأول خطأ ثانياً؟ قال: فلما تأمل الطبيب الجراح بالنسيج الذي استأصل منه الثدي تراجع عن موقفه وقال: معك حق.

هذا الطبيب قال لي كلاماً قال: أرجو ألا تسمح لإنسان باستئصال جزء من جسمه إلا بعد مشاورة عدة أطباء، الاستئصال ليس له حل، أنا هذه القاعدة بقيت في ذهني، إن كان هناك استئصال فلابد من طبيبين أو ثلاثة فإذا توفرت آراؤهم نفعل، أخ كريم له فتاة مريضة لابد من استئصال أحد أعضائها، استشارني قلت له: اسأل طبيباً أخر، سأل طبيباً آخر قال: ليس هناك ضرورة، بعد حين شفيت و هذا العضو المصاب صار يعمل بشكل منتظم.

الإنسان بحاجة إلى خبير في أمور الدنيا، وبحاجة إلى خبير في أمور الآخرة، والقضية قضية ثقة من دون رسوم، فاسأل به خبيراً:

﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة النحل: 43 ]

 هذا دين، يا ترى هذه حلال؟ حرام؟ يجوز؟ لا يجوز؟ ترضي الله؟ لا ترضي الله؟ أفعل هذا؟ لا أفعل هذا؟ والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه جل جلاله أنه قال:

(( إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً))

[مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي]

 أي فطرتهم سليمة فطرتهم متوافقة مع الدين الحنيف.

للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع الدين:

 الأصل للإنسان فطرة سليمة متوافقة مع الدين، لكن الشياطين اجتالتهم فشوهت أمامهم معالم الدين، حرمت عليهم ما أحلّ الله، مثلاً امرأة يمكن أن ترضى من زوجها أن يزني ولا ترضى لزوجها أن يتزوج امرأة ثانية، هناك من بين المسلمات من يرضون شيئاً مشروعاً، مرة سألوا عالمة في علم النفس عن رأيها في التعدد فقالت: كيف يكون لي رأي في هذا الموضوع وقد أباحه الله عز وجل؟ لا أقول: الله أوجبه، أباحه في ضرورة، مثلاً امرأة لا تنجب أيعقل أن نلقيها في الطريق من أجل أن نتزوج امرأة تنجب؟ لا أبداً، نقترن بامرأة تنجب، امرأة مريضة في ظروف معقدة جداً، صعبة جداً، وهذا الشرع ليس لإنسان أو إنسانين بل لكل المسلمين، فلذلك:

﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾

[ سورة الأحزاب: 36]

من طرح موضوعاً بتّ فيه الشرع فقد أشرك:

 لمجرد أن تطرح موضوعاً على بساط البحث بت فيه الشرع فأنت لست بمؤمن، قضية حكم فيها الشرع أحلها الله أو حرمها الله، لذلك تحريم الحلال قانون الشرك، وتحليل الحرام قانون الشرك، لنضرب مثلاً قال الله عز وجل:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة المائدة: 103]
ما هي البحيرة؟ قال: إذا ولدت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكراً شقوا أذنها، ومنعوا ركوبها، وتركوها لآلهتهم هذه بحيرة، وكان الرجل إذا قدم من سفر، أو برأ من مرض، أو نحو ذلك سيب ناقته وخلاها، وجعلها كالبحيرة تسمى سائبة، وكانت الشاة إذا ولدت أنثى هي لهم، وإذا ولدت ذكراً فهي لآلهتهم، وإذا ولدت ذكراً وأنثى قالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم تسمى الوصيلة، والفحل إذا ركب ولد ولده قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب، ولا يحمل عليه، ويسمى الحام، من أين أتيتم بهذه الأحكام؟ الله قال:

﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾

[ سورة المائدة: 103]

 هذا مثل واضح، الحرام ما حرمه الله والحلال ما أحله الله لهذا الدين، قال تعالى:

﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾

[ سورة الأعراف: 32]

4 ـ في الحلال ما يغني عن الحرام:

 هناك قاعدة أخرى من قواعد الحلال والحرام، من هذه القواعد: أن في الحلال ما يغني عن الحرام، أعبر عن هذه الحقيقة كثيراً بأن ليس في الإسلام حرمان، إذا الله حرم الزنى أحلّ الزواج، إذا حرم لحم الخنزير أحلّ مئات أنواع اللحوم، إذا حرم الخمر أباح الأشربة الطيبة، إذا حرم الربا أحلّ البيع.

أي لا يوجد حرام إلا وله بدائل عشرات بل مئات بل ألوف، لا يوجد حرمان في الإسلام لكن هناك قناة قذرة و قناة نظيفة، لذلك مثلاً اليانصيب حرام لكن لو عشرة أشخاص كل واحد وضع ألفاً في الشهر، وعملوا قرعة، كل شهر إلى فلان، هذه لا يوجد فيها شيء، هذه حلال، اليانصيب حرام، هناك أشياء محرمة لها بديل شرعي رائع، التأمين لو اجتمع عشرة أشخاص أو مئة شخص في مصلحة واحدة، وكل واحد وضع جزءاً من مستورداته في صندوق واحد، تلفت بضاعته يأخذ من هذا الصندوق تعويضاً عن بضاعته حلال، هذه الحصيلة للجميع، هذا التأمين التعاوني، لا يوجد عليه شائبة نهائياً، طبعاً ليس المقام مقام تفاصيل لكن ما من شيء محرم إلا له بدائل كثيرة، لكن العلة فينا لا نريد منهج الله أما لو أردنا منهج الله فكل شيء حرمه الله له بديل، قال تعالى:

﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا*يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا ﴾

[ سورة النساء: 26-28]

5 ـ ما أدى إلى الحرام فهو حرام:

 القاعدة الأخرى: أنه ما أدى إلى الحرام فهو حرام، الزنا حرام ومقدماته حرام، النظر حرام، الخلوة حرام، الأدب الساقط حرام، المشاهدات الماجنة حرام، كل ما أدى إلى حرام فهو حرام، الخمر حرام، بيعها حرام، أن تجلس مع شارب خمر حرام، أن تعصرها، أن تنقلها، أن تعلن عنها، أن تتاجر بها.

كل ما أدى إلى حرام فهو حرام، ولذلك قاعدة أوسع: مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، مالا يتم الفرض به فهو فرض، ما أدى إلى حرام فهو حرام، الوضوء فرض لماذا؟ لأن الصلاة لا تصح إلا به، الصلاة فرض الوضوء فرض، النبي قال: لعن الله الخمر وشاربها وعاصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها.

ما أدى إلى حرام فهو حرام الأصل في هذا الموضوع تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، قال: أنا عندي بيت أستثمره كل ليلة خمسة آلاف، وأنا لا دخل لي، إن شاء الله في رقبتهم، يتم فيه الزنا، والبيت بيتك، وأنت مسؤول، وأنت لك نصيب من هذا الإثم، لأنك قدمت المكان.
 لذلك هذه الآية أصل:

﴿ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

 لا تساهم لا من قريب ولا من بعيد، لا تقدم مشورة ولا نصيحة، أنا أعمل تزيينات لملهى، أنت ساهمت في هذا المكان الذي يعصى الله فيه، لا كهرباء ولا تزيين قال تعالى:

﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾

[ سورة المائدة: 2 ]

 إذاً ما أدى إلى حرام فهو حرام.

6 ـ التحايل على الحرام حرام:

 آخر قاعدة : التحايل على الحرام حرام، أنا لا أتعامل بالربا لكن آتي بسجادة، يأتيني الذي يطلب القرض الربوي أقول له: هل تشتري هذه السجادة مثلاً بعشرة آلاف ليرة؟ يقول: نعم، يشتريها ديناً، فإذا اشتراها ديناً يقول لي: هل تشتريها نقداً؟ أقول له: نعم بثمانية آلاف، أنقده الثمانية آلاف وأكتب في دفتري عشرة آلاف ثمن سجادة بيعت ديناً، اشتراها ديناً وباعني إياها نقداً، أنا بعت واشتريت، هذا ربا لكن بسورة بيع وشراء.

هذا التحايل والتحايل على الحرام حرام، أنا أريد أن أسكن مثلاً مع أخي وزوجة أخي، وزوجة الأخ أجنبية ما هو الحل؟ يقول لك أحدهم: هذه سهلة، فتاة صغيرة، عمرها سنتان من بيت الجيران، يطلب من امرأة أخيه أن ترضعها، ثم يخطب هذه الفتاة، تصبح زوجته وأمها حماته، يطلقها بعد ساعة، الحماة محرمة على التأبيد، جلس معها، انتهت المشكلة.

التحايل على الحرام حرام، اليهود ماذا فعلوا؟ حرم عليهم الصيد يوم السبت، جعلوا حفراً على شاطئ البحر يوم الجمعة تأتي الحيتان إلى هذه الحفر، الجمعة مساءً يغلقون طريق العودة، الحيتان حصرت في هذه الأحواض، يصطادونها يوم الأحد، الله عز وجل ذكر هذا في القرآن الكريم، وكل إنسان يحتال على الحرام واقع في الحرام نفسه وهو لا يشعر، وهو غبي، الله الذي حرم هذا الشيء وهو يراك.

هذا باب الحيل الشرعية و الاسم الأصح الحيل غير الشرعية، يقول لك: حجاب شرعي لا بل حجاب شارعي، وهذه الحيل غير شرعية، من الحيل الشرعية تسمية الشيء بغير اسمه وتغيير صورته مع بقاء حقيقته، مثلاً ليستحل طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع.

مثلاً ماذا يسمي الناس الخمر؟ مشروبات روحية غير القيم الروحية، ماذا يسمون الربا؟ فائدة، ماذا يسمون الفنون الساقطة؟ فن العمل الخليع اسمه فن، والخمر اسمه مشروبات روحية، والربا اسمها فائدة، لو غيرت الاسم الحقيقة ثابتة إذاً التحايل على الحرام حرام.

وفي درس آخر إن شاء الله تعالى نتابع هذه القواعد، وبعدها ننتقل إلى الحلال والحرام في الأطعمة، والأشربة، والألبسة، والعلاقات الاجتماعية، والحالات الشخصية.