سباق على الرهانات بين العرب والإسرائيليين

thumbgen (5).jpg
حجم الخط

د. محمد السعيد إدريس

 

ردود الفعل العربية الغاضبة, التى فجرها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اعترافه بفرض إسرائيل سيادتها على هضبة الجولان السورية المحتلة, تواجه اختباراً عسيراً فى الأيام القليلة المقبلة التى ستسبق انعقاد القمة العربية الدورية التى من المقرر أن تستضيفها تونس.

هذا الاختبار يتمحور حول سؤال شديد الوطأة يقول: هل يملك العرب الآن أكثر من الغضب؟

وطأة هذا السؤال تتفاقم فى ظل متغير شديد الأهمية سوف يفرض نفسه حتماً على هذه القمة العربية, وهو الحراك الشعبى المتصاعد فى الجزائر الملاصقة لتونس والذى بات فى مقدوره الانتقال من معادلة «الشعب يريد» إلى معادلة «الشعب يستطيع».

كما تتفاقم وطأة هذا السؤال أيضاً فى ظل رهان أمريكى إسرائيلى فرض نفسه قبيل إصدار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل سفارة بلاده إليها. هل ستتكرر المأساة العربية هذه المرة أيضاً بالنسبة للجولان السوري؟، أن يغضب العرب ويهددوا قولاً، دون القدرة على أى فعل، وتبقى السماء مصانة كما خلقها الله فى عليائها لا يسقطها غضب ولا تهزها بيانات، وأن يكسب الإسرائيليون والأمريكيون رهانهم الأزلى بأن إعلان الرئيس الأمريكى يوم الخميس الماضى (21/3/2019) ربما يتحول إلى قرار يوقعه ترامب عند لقائه مع نيتانياهو فى زيارته الحالية للولايات المتحدة، وربما يتحول إلى قانون يصدر عن الكونجرس وعندها لن يكون من حق أى رئيس آخر أن يتراجع عنه.

الرافضون لهذا التوقع التشاؤمى والطامحون فى موقف عربى حقيقى لديهم ما يحفزهم على الثقة بأن رد فعل عربى قوى سوف يحدث فى قمة تونس لأسباب كثيرة أبرزها ما يتعلق بالظروف المحيطة بهذا الإعلان الأمريكي.

أول هذه الأسباب أن إعلان الرئيس الأمريكى قال فيه، عبر تغريدة على «تويتر» يوم الخميس الماضى أنه: «بعد 52 عاماً حان الوقت لكى نعترف بشكل كامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.. ذات الأهمية الإستراتيجية والأمنية البالغة لدولة إسرائيل واستقرار المنطقة»، من شأنه (أى الإعلان) أن يؤصل لمبدأ جديد فى إدارة العلاقات الدولية عامة ومستقبل سوريا بشكل خاص.

فهو يعطى لأى دولة الحق فى أن تتوسع جغرافياً فى أراضى الغير من جيرانها إذا كانت ترى فى ذلك مصلحة تتعلق بأمنها.

وهذا الأمر مرفوض كلية ويتعارض مع القانون الدولى وكل المواثيق الدولية التى ترفض ضم أراضى الغير بالقوة، كما أنه يتعارض مع القرار 242 الذى يحكم الموقف الدولى من الصراع العربي- الإسرائيلى الصادر عقب العدوان الإسرائيلى عام 1967.

إسرائيل لم تكتف بتكثيف توسعها الاستيطانى فى الجولان عقب احتلاله، لكنها أصدرت قانوناً من الكنيست يقضى بفرض السيادة الإسرائيلية على الجولان فى 14/12/1981، ومنذ ذلك التاريخ وهى تسعى للحصول على تأييد دولي، وأمريكى بصفة خاصة لهذا القرار، لكنها لم تفلح فى ذلك طيلة تلك السنوات خصوصاً بعد أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها الشهير الذى يدين قرار إسرائيل ضم الجولان ويعتبره «باطلاً ولاغياً»، ومن هنا تجىء خطورة الموقف الأمريكى الجديد، الذى يعطى لإسرائيل الحق فى ضم الجولان، مرة لأسباب تتعلق بإدانة الإدارة الأمريكية للرئيس بشار الأسد وسياساته على نحو ما جاء على لسان المندوبة الأمريكية (السابقة) فى الأمم المتحدة نيكى هايلى، التى أكدت أن واشنطن لن تقف محايدة إزاء قرار الجمعية العامة الذى يدين فرض السيادة ،الإسرائيلية على الجولان بل ستصوت لتأييد فرض هذه السيادة وأرجعت هذا التحول فى الموقف الأمريكى من قرار الجمعية العامة بأنه «قرار متحيز بوضوح ضد إسرائيل، كما أن الفظائع التى مازال يرتكبها النظام السورى تثبت أنه ليس أهلاً لحكم أحد»، والمرة الثانية هى التى نحن بصددها كما جاء فى إعلان الرئيس الأمريكى بتأييد فرض إسرائيل سيادتها على الجولان لأسباب تتعلق بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية كما تتعلق باعتبارات إقرار السلام فى المنطقة.

هذان المبرران الأمريكيان: مبرر معاقبة الرئيس الأسد باقتطاع أجزاء من أرض بلاده وإعطائها لإسرائيل، ومبرر احتياجات الأمن الإسرائيلية لا تنسف فقط كل مرتكزات القانون الدولى وقواعد إرساء السلام فى الشرق الأوسط، لكنهما فضلاً عن ذلك يمكن أن تجعل أرض سوريا وغيرها من الدول العربية نهباً لمن يريد من دول الجوار الإقليمي، وبالذات تركيا التى لديها أطماع فى الأراضى السورية والعراقية ولديها من الحجج التاريخية التى تعلنها وتؤكد من خلالها حقوقاً سيادية فى شمال سوريا تمتد حتى حلب، وفى العراق تمتد حتى الموصل وكركوك وهذا خطر لا يمكن للعرب الهروب منه، لأن الصمت سوف يعطى كل دول الجوار الإقليمى حقوق التمدد فى الأراضى العربية.

أما السبب الثانى والأهم الذى يرجح أن العرب لن يلتزموا الصمت على القرار الأمريكى أنه يطلق وعلناً ودون إخفاء البدء فى تنفيذ مشروع «إسرائيل الكبري» الذى كان يتستر وراء شعار «من الفرات إلى النيل» وهناك من يتحدثون عن حقوق لليهود فى شمال الجزيرة العربية تصل إلى المدينة المنورة نفسها، كما كشفها كتاب صدر اخيرا عنوانه «الطريق إلى مكة»، ويصور اليهود باعتبارهم أصحاب الأرض الحقيقيين ليس فى فلسطين وحدها بل فى كل البلاد المجاورة.

هل يعى القادة العرب كل ذلك، وهل هذا يكفى لكى يسقطوا السماء فوق رؤوس إسرائيل وأمريكا ويستردوا حقوقهم، وهل يدركون وطأة تجاهلهم لأصداء هتافات الشعب الجزائرى التى تصل أصداؤها إلى كل الشعب العربى فى كل أقطاره، والتى تؤكد أنه لم يعد مسموحاً أن تبقى فجوة الثقة وفجوة الإدراك على اتساعها كما هى الآن بين الشعب والقادة؟ أما أن السماء ستبقى مصانة كما يراها الإسرائيليون والأمريكيون، وأن العرب ستبقى أولوياتهم هى صراعاتهم مع أنفسهم وتجاهل الإرادة الشعبية التى ترفض بقوة التهاون فى الحقوق العربية... أيام قليلة ستحسم أمر من سيكسب الرهان العرب أم الإسرائيليون والأمريكيون؟

عن الأهرام