السؤال: حكم ضرب الزوجه وإهانتها!
الإجابة: الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ: فإن الله تعالى ولا يشرّع شيئًا إلا لحكمة ومصلحة، وقد تخفى هذه الحكمة والمصلحة عن بعض الناس أحيانًا، ومن ذلك ما أرشد الله إليه من الضرب الخفيف للمرأة الناشز، إن لم يكفها عن غيها الموعظة الحسنة،
والتذكير بالله تعالى، وحسن الخلق والإحسان إليها، أو لم يزدها الصبر إلا شططًا وشينًا وقبحًا، فهنا شُرع للزوج أن يهجرها وهو علاج نفسي يؤثر في المرأة السوية الطبع الرقيقة المشاعر؛ لأن من كانت كذلك تكفيها الملامة، فإن لم يجدي معها نفعا الضرب؛ فإنها لغلظتها وجفاء خلقها، والتواء نفسها، انتقل العلاج معها إلى الضرب، ولكن بشرط ألا يشين البدن ولا يكسر العظم، فالغرض هو العلاج وتقويم الاعوجاج والتأديب، والإيقاظ من الغفلة، وليس المقصود الانتقام أو التعذيب، ولذلك يكفي ضربة بسواك أو لكزة به، أو لهدة في الصدر، أو ما شابه. يقول الله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا } [النساء: 34]. قال الإمام القرطبي عند تفسير الآية(5/172):
" أمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولاً، ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فالضرب، فإنه هو الذي يصلحها ويحملها على توفية حقه، والضرب في هذه الآية هو ضرب الأدب غير المبرح". وقال الإمام البخاري في صحيحه: باب ما يكره من ضرب النساء، وقول الله تعالى (واضربوهن) أي ضرباً غير مبرح،
ثم ساق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم". وقال الحافظ ابن حجر في الفتح الباري (11/214): "فيه إشارة إلى أن ضربهن لا يباح مطلقاً، بل فيه ما يكره كراهة تنزيه أو تحريم... إن كان لا بد فليكن التأديب بالضرب اليسير". وروى أبو داود، عن معاوية بن حيدة قال: قلت يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت". والحاصل أن الضرب ليس تشريعًا عامًا لجميع النساء،
فمن رجعت للحق بالكلمة والموعظة لا يجوز ضربها، ومن جاز ضربها فبضوابط، فهو وسيلة لإصلاح بعض النساء، كما ضرب الأب الشفيق ولده حرصًا عليه، وتقويمًا وتأديبًا له. وإنما تشكل هذه المسألة على من يظن أن الضرب مباح لجميع الزوجات، وهذا بلا شك فهم خاطئ للشرع، فالناس متفاوتون ما يصلح لهذه لا يصلح لتلك، فبين الناس
من الاختلاف والتفاوت ما الله به عليم، فمنهم من تنفعه النظرة ومنهم من لا يرتدع إلا بالزجرة، ومنهم من لا يكف إلا بالكف، وإنكار ذلك إنكار للمحسوسات، وتعميم للمثاليات التي تجدي مع بعض الطباع، والشريعة الإسلامية تستوعب جميع الخلق، فهي دين الله الخاتم
الذي أنزله من يعلم ما تنطوي عليه حنايا خلقه، ما يصلحهم، شريعة تواجه واقع وظروف جميع الناس بوسائل عمليه، فهناك من يصلحه الوعظ، وغيره يصلحه الهجر، فأين يذهب من دواؤه ونجاته وحفظ أسرته في آخر الدواء! ومن تأمل فعل أكمل الخلق صلى الله عليه وسلم علم صدق ما نذكره، ففي عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل".
وروى أبو داود عن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تضربوا إماء الله"، فجاء عمر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم".
قال صاحب الظلال: " وَاضْرِبُوهُنَّ.. واستصحاب المعاني السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها- يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيباً للانتقام والتشفي، ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضاً للقسر والإرغام على معيشة لا ترضاها، ويحدد أن يكون ضرب تأديب،
مصحوب بعاطفة المؤدب المربي كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربي مع تلميذه. ومعروف- بالضرورة - أن هذه الإجراءات كلها لا موضع لها في حالة الوفاق بين الشريكين في المؤسسة الخطير
وإنما هي لمواجهة خطر الفساد والتصدع، فهي لا تكون إلا وهناك انحراف ما هو الذي تعالجه هذه الإجراءات. وحين لا تجدي الموعظة، ولا يجدي الهجر في المضاجع، لا بد أن يكون هذا الانحراف من نوع آخر، ومن مستوى آخر، لا تجدي فيه الوسائل الأخرى، وقد تجدي فيه هذه الوسيلة! وشواهد الواقع، والملاحظات النفسية
على بعض أنواع الانحراف، تقول: إن هذه الوسيلة تكون أنسب الوسائل لإشباع انحراف نفسي معين، واصلاح سلوك صاحبه، وإرضائه في الوقت ذاته!
فربما كان من النساء من لا تحس قوة الرجل الذي تحب نفسها أن تجعله قيماً وترضى به زوجاً، إلا حين يقهرها عضلياً! وليست هذه طبيعة كل امرأة، ولكن هذا الصنف من النساء موجود، وهو الذي قد يحتاج إلى هذه المرحلة الأخيرة؛ ليستقيم، ويبقي على المؤسسة الخطيرة في سلم وطمأنينة!
هذا؛ والله أعلم.