فقط بتكميم الأفواه

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

أسهل شيء في البلد ان تشيد جداراً عالياً حول نفسك وتعلن ممنوع الاقتراب او اللمس او الهمس او اللمز، وتبالغ في فحوى الإعلان لتشرح المبررات وتمر قليلاً على مصطلحات فخمة مثل "السلم الأهلي" "منع تعطيل العمل" "الحفاظ على هيبة المؤسسة".
الأسهل أن تغلّظ عصاتك ضد خصم افتراضي وتوهم الآخرين بحقيقة هذا الخصم وتبدأ بالنزال افتراضياً، ثم تصدق افتراضك فتخرج للملأ لتلوح بأنك انتصرت.
لا ضيم ان تستقوي بكبير فيلبي ويعلن على الملأ: نقابل ناس نفارق ناس ولسّه الحياة ماشية وحال الدنيا يتغير من ثانية الى ثانية، ويربّت على كتفك ليعلن انه يهبك بعضاً من القوة لتمضي وحيداً، ويبحث هو عن ملف آخر.
ولا يضرك ان تحمل بوقاً وتطلق عبره ما شئت من النعوت والأوصاف وتتقاسم المهمة مع آخر يعينك اذا كنت لا تحسن ان تنعت فيكون عوناً لك، وقد يصادر دورك ويصبح هو صاحب البوق.
وفي صبيحة اليوم التالي ... تعود المدينة لتغرق بالتفاصيل المكررة ويمرون مرور الكرام على أمسية صاحب البوق، والاستقواء بكبير، ويصرون انهم لم ينالوا خيراً قبل وبعد، فتعج الحياة في السوق رغم تراجع القدرة الشرائية، ويحثون الخطى صوب العمل، ويصر ذاك الشاب ان يطرح نظريات الإعلام عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي "إن لم تكن صاحب الخبر الأول فتوقع الفشل" فنهره العم الأكبر "حبيبي انت مش فاهم القصة، إذا كان المنتخبون في النقابات والمؤسسات الأخرى يهددون قواعدهم الانتخابية بتكميم الأفواه فما بالك بمن هم غير ذلك!!!!".
وتغيب شمس المدينة ... وتظل الحكاية هامشية ويتصدر أحدهم الجلسة أمام باب المقهى الشعبي ليفتي بالوضع الصحي، فيقول له رفيق الجلسة: خلصت تفصيل ألمنيوم أبو عزام وصرت تفتي، فأجاب بغضب: يعني ما لقيت أوطى من حيطي تنطلي، كل اللي بتفذلكوا تاركهم ومتشاطر علي، رد عليه: وأنا اقل من اللي بحذروا شايفني، انا قليل.
بينما كان يجلس بالانتظار في القاعة ليدخل الاستوديو ليدلي بدلوه حول سبل تشجيع المنتجات الفلسطينية ذات الجودة العالية كانت احداهن تطرح وجهة نظرها حول موضوع آخر في الاستوديو عبر الهاتف، وتدعو للإيجابية والتعامل بروح الإيجابية والابتعاد عن السلبية، وقالت لماذا لا نكتب الانتقادات ونوجهها بطريقة لطيفة مهذبة لعلهم يبحثونها.  فضحك صاحبنا وقال: يا صباح الإيجابية لو هيك الأمور بتصير لأكتب كل يوم بس ما في صندوق بريد!!!!
وتستمر الحكاية ...
مؤسف ان يخفق مستشفى النجاح الوطني التعليمي في معالجة قضية صغيرة بسيطة لو عولجت بالحكمة لما كبرت بهذا الحجم وباتت قضية رأي عام، طبيعي ان يغير مستشفى ادارتهه ويأتي بادارة جديدة ونقطة وسطر جديد، الا أن الحكاية بدأت محصورة بطريقة صياغة كتاب الإقالة، وباتت قضية رأي عام بعد الحلقة التلفزيونية عبر فضائية النجاح التي تعتبر ذراعا إعلاميا للمستشفى وللجامعة، عندما تم الإعلان ان الطبيب ليس جراح قلب وجاء وبلفنا وفرض شروطه علينا وأحكم عقده!!!!! لا يقبل ذلك من مستشفى تعليمي ان يقدم نفسه هكذا.
كان بإمكان المحافظ ممثل الرئيس في المحافظة ان يشكل لجنة تقصي حقائق من مختصين ليقدموا له تقريرا حول الأمر، خصوصاً أن مؤسسة المحافظة كانت جزءاً من الاحتفالية بأول عملية زراعة قلب في مستشفى فلسطيني.
اعتدنا على وزارة الصحة في الحكومة الحالية انها لا تحرك ساكنا تجاه القضايا الحاسمة والكبرى من عيار ما وقع في مستشفى النجاح، خصوصا وان الوزارة صاحبة الولاية والصلاحية على المستشفيات الخاصة والمراكز الصحية الاهلية وتحول لتلك المستشفيات حالات ضمن شراء الخدمة خارج إطار مستشفياتها.
وقف المجتمع المدني بمؤسساته مراقب خط لم يرفع الراية لينبه الحكم لخطأ وقع، ولو أن الأمر قضية مناكفة سياسية لخرجوا بكامل عتادهم ليهتفوا وينتقدوا، الا أن ما وقع بحق الدكتور سليم الحاج يحيى من نزع صفة جراح القلب ليست قضية مهمة!!!!
معضلة الأمر إخفاق المعالجة الإعلامية والمعلوماتية لما وقع في مستشفى النجاح والخروج الوحيد للإعلام سكب البنزين على النار ولم يعالج شيئاً خصوصاً أن إدارة المستشفى في الحلقة كانت فقط تجلد المدير السابق رغم أن البداية كانت "كل مستشفى تغير إدارتها بشكل سلس وطبيعي" ولكنهم لم يقفوا عند هذه النقطة ويسترسلوا بها لجعل القضية أمراً طبيعياً الا أنهم جردوا الطبيب من صفته كجراح قلب، ولم تكن العملية الأولى الا زراعة مضخات قلب، وأن الطبيب تشاطر على المستشفى فأحكم عقده لصالحه وحدد راتبه العالي، وكان يترك المستشفى تسعين يوماً في السنة ليسافر عند عائلته في بريطانيا.
وفوق هذا وذاك يخاطبون الطبيب: اذهب لأي مستشفى آخر في البلد ولماذا تختار طريق العودة الى بريطانيا، يا أساتذتنا لقد قلتم انه ليس  جراح قلب لماذا تدفعونه لمستشفى آخر!!!، لماذا طلبتم منه ان يستمر بإجراء عمليات في مستشفى النجاح في ذات الحلقة.
كان بالإمكان أفضل مما كان ....
لو أن أهل العقد والحل في البلد تداعوا للتصدي للأزمة وليس بهدف إعادة الطبيب الى منصبه وليس بهدف طبطبة الأمر، بل بهدف حل الأزمة من جذورها وبناء ثقافة بناء المؤسسات بصورة عصرية.
استوجب الأمر فتح ملف تحقيق فوري عنوانه: كيف توظفون طبيباً على أساس انه طبيب جراح قلب ومن ثم تقولون للرأي العام إنه ليس مختصاً بجراحة القلب وما قام به تركيب مضخات قلب وليس زراعة قلب.