يسرقون ويتباكون على الدين

التقاط.PNG
حجم الخط

ماهر أبو طير

 

أنت بحاجة إلى علماء نفس، وخبراء، وربما بعض السحرة، حتى تفهم طبيعة الناس، إذ إن بعض الذين هبوا في وجه بيان منظمة هيومن رايتس ووتش الذي طالبت عبره بمساواة إرث الأنثى بإرث الذكر، لا يمنحون المرأة حتى حصتها الشرعية وفقا للدين.
هذه الهبة المفهومة، كونها تدافع عن تشريع ديني، ولا تقبل المس به، أي أن للذكر مثل حظ الأنثيين، تجعلك تشعر أنك في المدينة المنورة، زمن الإسلام الأول، لكن الواقع يتحدث عن نفسه بطريقة مختلفة، إذ إن بعض الذكور في الأردن، يأكلون إرث الأخوات جهارا نهارا، ولا يقبلون بمنحهن حتى نصف ما يحق للذكر، فتسأل نفسك كيف تتساوى هذه الهبة من حيث دوافعها، باسم صون الدين، مع مخالفة الدين ذاته، بحرمان المرأة حتى من الحصة المقررة وفقا للدين، وهذا حال العديد من العائلات، إن لم اكن مخطئا.
العديد من العرب، يـأكلون إرث الاخوات، وفي دول عربية، تصل هذه الحالات الى 90 %، من حالات الإرث، ونجد عندنا، أن المبرر في ذلك يستند إلى عدم رغبتهم بحصول زوج الأخت على مال الأب الراحل، مثلا، ويقومون بتخجيل الأخوات، بعد ظرف الوفاة، أو بعد شهور، بحيث تتنازل الأخت عن ارثها، لصالح الذكر المصون، صاحب الهمة والعفة، معا.
لا يمكن أن يتجزأ الدين بهذه الطريقة، فنقوم باستحضاره ردا على منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تريد مساواة الذكر والانثى في الإرث، لكننا نعيد الدين ذاته إلى الرف، ولا نلتزم حتى بالحصة الشرعية، التي تريد المنظمة زيادتها، مقارنة بتركيا، أو تونس، وبحيث تتساوى مع حصة الرجل في الإرث، وهي دعوة هب الرجال في الأردن، جماعات وفرادى، للوقوف في وجهها، باسم الدين، لكن لا أحد منا فتح ملف السطو على إرث البنات، من ناحية دينية، فلا تفهم كيف يظهر الغضب في حالة، ويختفي في حالة؟.
بعض العائلات تفعل ذلك، والعديد من الإناث يفضلن التخلي حتى عن حصصهن الشرعية، وقبول تسويات، أو ترضيات، لا قيمة لها، مقارنة بالإرث الشرعي، وأنا هنا لا أتحدث عن الجميع، إذ إن هناك عائلات كثيرة، تطبق القاعدة الشرعية، ولا تقبل مصادرة إرث الأنثى، بذرائع شتى، ولدينا أدلة كثيرة، أيضا، على هذه الممارسة في الوقت ذاته.
هل تستطيع جهة رسمية، أو قانونية، أن تعلن عن نسب تنازل البنات حتى عن حصصهن الشرعية، في المحاكم، خلال السنين العشر الفائتة، أو خلال العقود الفائتة، ولماذا تقبل الجهات الرسمية، أساسا، فكرة تنازل الانثى عن حصتها الشرعية، حتى لو كان الامر من حقها، والكل يدرك أن الدوافع تختلط ما بين العاطفة، والتخجيل، والخشية من خسارة الانثى لشقيقها اذا طالبت بإرثها، وغير ذلك من دوافع ؟.
منظمة هيومن رايتس ووتش، لا تدرك في مرات كثيرة، انها لا تستطيع نسخ دول العالم، بهذه الطريقة، إذ إن هناك خصوصيات في بعض الشعوب والدول، ترتبط بقضايا مختلفة، ولو خرجت المنظمة وطالبت بإقناع الأردنيين والعرب، بدفع حصة الانثى الشرعية، أولا، لكان مفهوما، لكن المطالبة مباشرة بالمساواة بين الذكر والانثى، تبدو مع تجاوزها للقاعدة الدينية، مجرد تعام عن الواقع، الذي يسطو فيه رجال على حصص الأخوات كليا، بقبول مباشر، أو شعور بالحرج، من الأخوات، فلا يحصلن حتى على الحصة الشرعية.
لقد آن الأوان أن نتوقف عن هذه الازدواجية، في ردود الفعل، والذي يرى التعليقات على بيان منظمة هيومن رايتس ووتش، يقول اننا في المجتمع الأمثل، وفي زمن الصحابة، فالكل غضب للدين، وهذا امر مفهوم ويستحق التقدير، لكن هناك من يتعامى عما هو أسوأ من بيان المنظمة، أي حرمان المرأة حتى من حصتها الشرعية، المقدرة بنصف ما يحصل عليه الذكر، وفقا لقواعد الدين، المدرجة في القرآن، والتي لا خلاف عليها.
أسمعونا صوتكم حول سرقة إرث الأخوات كليا، إذا كان الدين يعنينا حقا، بدلا من هذه الطريقة في إدارة المشهد، التي تقول إن القصة خلفها دافع مالي، قبل الدين، ولو كان الغضب لأجل الدين فقط، فلماذا يسكت البعض ويقبل سرقة إرث الأنثى، بقيمتها المقدرة إسلاميا، ويغضب على منظمة هيومن رايتس ووتش، التي تطالب بزيادة الحصة المالية للانثى؟

عن الغد الأردنية