تكلفة حماية المستوطنين.. السبب الـحقيـقـي لانـفصـال شارون عن غزة

20151708211635
حجم الخط

صحيح أنه لم يتم سؤالي عن رأيي، لكنني مع ذلك سأقوله: كان الانفصال عن غزة مناورة لافتة لارئيل شارون هدفت الى إيجاد حل الدول السبع: اليمين الاسرائيلي (احزاب اليمين والوسط والمعسكر الصهيوني و"يوجد مستقبل" واليمين المسيحاني). يجب علينا أن نشكر شارون على فطنته واخلائه قطاع غزة بشكل أحادي الجانب، حيث عمق سيطرة "يشعستان" على الضفة الغربية ودولة اسرائيل السيادية، لأن هذا كان الوجه الآخر لهدفه الرئيس: مأسسة وتخليد الكانتونات الفلسطينية ذات الحكم الذاتي (هذا كان حلمه دائما).
اعتادوا عندنا اظهار المستوطنين كمسؤولين عن سياسة التوسع والضم الاسرائيلية. لكن العكس هو الصحيح. فجميع الحكومات الاسرائيلية منذ 1967 (بسبب ضيق المقام لن أتحدث عن انماط وأهداف الطرد قبل ذلك الحين)، استخدمت المستوطنين كأداة سياسية لاحباط تحقيق تقرير المصير للفلسطينيين، أي الدولة. وكالعادة تتداخل هذه الأداة مع الرغبات الفردية للمستوطنين الذين تزايدوا كلما قدمت لهم الدولة المزيد من الاغراءات، وفي حالة قطاع غزة نشأ تناقض بين نوايا الطرفين.
مستوطنو قطاع غزة كان هدفهم أن يتمتعوا بالبحر وبالقوة العاملة العربية الرخيصة جدا، وبالبيوت مع الاراضي والمزارع، ولو كانوا وافقوا على العيش هناك في مبان مكتظة ومتعددة الطبقات كما في "بيتار عيليت" و"موديعين عيليت"، لما اضطر شارون الى اجراء عملية الحساب البسيطة: جنود أكثر من اللازم لحماية كل مستوطن، أي أن الاستثمار في الدفاع عن المستوطنين وقمع الفلسطينيين غير مجد. أحلام الاستيطان القروي تناقضت مع حلم "ارض اسرائيل الكاملة"، المعاملة تجاه 7 آلاف شخص من أبناء الجنس الأعلى مقابل 1.5 مليون فلسطيني من الجنس المتدني، لم تكن توجد حتى في جنوب افريقيا. عند المجيء للاستيطان في احد الاماكن الاكثر اكتظاظا في العالم على بعد خطوة من مخيمات اللاجئين وعند مصادرة 20 في المئة من الاراضي الفارغة في قطاع غزة، وعند سرقة مياه مليون ونصف المليون شخص، التي هي قليلة أصلا، يجب التفكير ببات يام وحولون وليس رحافيا ونهلال. اذاً، أيها المستوطنون غير الاعزاء (الذين كلفتمونا كثيرا) دفعتم في النهاية الثمن على ذهابكم الى هناك.         
لم يكن ينوي شارون إخلاء القطاع كخطوة اولى في تدرج جديد ولو مزيفاً كتدرج "اوسلو"، الذي توقف عند 40 في المئة من اراضي الضفة (مناطق أ + ب). لو كان يفكر بالتدرج لما اوقف المفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية، الامر الذي مكن "حماس" من إظهار إخلاء القطاع كانتصار لـ"الكفاح المسلح" الذي تقوده "حماس". المنطقة 4 الاستيطانية التي اخلاها في جنين ما كانت لتبقى ضمن مناطق ج (سيطرة اسرائيلية كاملة) – بل كانت ستعود الى اصحابها القانونيين، الفلسطينيين. لو فكر شارون بالفلسطينيين لما ابقى مستوطنة مافو دوتان وحرمش والجنود الذين يحرسونها، لكن شارون سار خلف نفسه وخلف سابقيه، القيادات الاسرائيلية تفاوض طوال الوقت من اجل حل وسط بينها وبين نفسها ومع الجمهور الاسرائيلي. والحل الوسط الذي يتبلور منذ 35 عاما هو بين رؤية الفلسطينيين يذهبون من هنا وبين معرفة انه لا يمكن العودة الى 1948 وطرد جميع الفلسطينيين. وهكذا نشأ حلم الكانتونات. الفرق بين القيادات المختلفة هو حجم الكانتون الفلسطيني المقترح وعدد هذه الكانتونات، لذلك فان "حلم الدول السبع" هو اسم مؤقت ولين. فعدد الكانتونات التي يتحدث عنها الحل الوسط الاسرائيلي للفلسطينيين مرتبط بنوعية "التواصل المواصلاتي" (مصطلح تحدث عنه الاسرائيليون امام البنك الدولي خلال المفاوضات معه حول الانفصال) سبعة او عشرة، يبقى المبدأ كما هو، تقسيم، سيادة مزيفة، وقدرة اسرائيلية على قطع التواصل في اية لحظة بين الكانتونات.
لا يمكن معرفة إن كان شارون توقع الانقسام الفلسطيني الذي نشأ في اعقاب الانفصال، الذي كان في جوهره فصل السكان في غزة عن باقي السكان الفلسطينيين في البلاد (اسحق شامير واسحق رابين وشمعون بيريس عبدوا الطريق لهذا الانفصال، وأكمله شارون).
توجد كوارث مسؤولة عنها القيادات الفلسطينية، واحدى هذه الكوارث اقامة حكومتين فلسطينيتين متعاديتين، "حماس" تسيطر على غزة (الحروب الموسمية الدموية ضرورية لـ"حماس" واسرائيل من أجل تأكيد الفصل والتمييز عن الضفة الغربية. "أمن"، "مقاومة" هما غطاء جيد) و"فتح" تسيطر كسلطة على باقي الدويلات المصغرة. على اليمين الاسرائيلي ان يشكر ليس شارون فقط وانما "حماس" و"فتح" ايضا.

عن "هآرتس"