ما بين الدبلوماسية والسياسة، ما المطلوب من الدبلوماسي الفلسطيني ؟

التقاط.PNG
حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات الجامعة العربية الامريكية

 

أود أن أبدأ مقال الْيَوْم بتوجيه تحية وتقدير للعديد من الأصدقاء العاملين في السلك الدبلوماسي الفلسطيني، اللذين يعملون بجد للارتقاء بالأداء الدبلوماسي.

العمل الدبلوماسي يختلف عن العمل السياسي ومن المهم الحديث في الموضوع من ناحية مهنية حيث أننا نستمع لتصريحات ولتعليقات الدبلوماسيين الفلسطينيين بخصوص تراجع الدعم الدبلوماسي لفلسطين والذي بات جلياً في عدة صور مثل اعتراف دول بالقدس 'عاصمة لاسرائيل'، أو نقل بعض السفارات للقدس أو حتى فتح مكاتب ثقافية أو تجارية في القدس أو بعدم التصويت لصالح فلسطين في القرارات الأممية. ليس من المنطق أن يتحدث الدبلوماسي الفلسطيني عن أثر الانتخابات والسياسة على عمله، نفهم جيداً أن الانتخابات الديمقراطية قد تفرز حزب اليسار تارةً ثم في مراحل لاحقة قد يفوز اليمين، وهذا شيء طبيعي للتغيير في سياسات الدول ولكن في ظل عودة اليمين المتطرف عالمياً وفي ظل الليبرالية الحديثة التي تقدم مصالح الدولة الواحدة على أي فضيلة أخرى، من غير المقبول ولا المنطقي أن نبرر مواقف هذه الدول فقط لأسباب سياسية، يجب أن نتحمل المسؤولية ونعمل كدبلوماسيين وليس كسياسيين، إن أصبح التراجع حقيقة، علينا الاعتراف لأنفسنا حتى نتمكن من مواجهة الأزمة الدبلوماسية من خلال التفكير والتخطيط الاستراتيجي.

المطلوب من الدبلوماسي الفلسطيني أن يوطد علاقات بلده في الدولة المستضيفة وهنا لا نتحدث فقط عّن علاقات إيجابية مع الحزب الحاكم أو مع الأحزاب الإشتراكية التي تدعم الفلسطينيين ومنظمة التحرير تاريخياً، ولكن يتوجب العمل لاختراق اليمين، يتوجب العمل لفتح قنوات تواصل مع من هم ليسو أصدقاء فلسطين، مع من عُرفَ أنهم داعمون لاسرائيل. هذه هي القاعدة الأساسية في الدبلوماسية، فالأعداء يتحولون لأصدقاء والعكس صحيح، وهنا رسالة واضحة لأهمية العمل مع كل الأطياف السياسية في الدولة المضيفة، سيقول البعض أن هذا يعكس ضعفاً أو خيانة أو حتى شيء من التطبيع بسبب محاولة التقرب من الأحزاب المعروفة بالتعاطف مع اسرائيل تاريخياً، على العكس تماماً، هذا هو التفسير المنطقي والعملي لمفهوم ان تكون دبلوماسياً، علينا تبني فِكر جديد واستراتيجيات جديدة تخدم مصالحنا الوطنية، فكما ذكرت بداية، الانتخابات قد تجلب أي من الأحزاب المتنافسة للحُكم وبالتالي لا بد من التمهيد لعلاقات إيجابية وفتح قنوات تواصل مع كل الاتجاهات في الدولة المضيفة أو على الأقل تجنب العدائية أو الإنعزال عن بعض الأحزاب والفئات التي تمثل النظام السياسي في الدولة المضيفة.

على الدبلوماسي أن يتقن فن عدم التعبير عن موقف سياسي معين ويحاول الالتزام بالحياد فهو بالنهاية ليس سياسياً وليس صانعاً لسياسة بلاده الخارجية، عليه أن يكون دبلوماسياً أي صاحب علاقات طيبة مع كل أطياف المجتمع الذي يستضيفه وعليه أن يرسل تقارير أسبوعية دورية لوزارة الخارجية عن سياسة البلد المُضيف وما يراه ضرورياً من قبل فلسطين تجاه الدولة المضيفة على المستوى الرسمي.

وظيفة الدبلوماسي الفلسطيني أن يمثل بلده خير تمثيل وأن يوطد العلاقات مع الدولة المُضيفة، إضافة لمهام أساسية من احتضان الجالية وتسهيل أمورها والقيام بالتواصل واحياء المناسبات الثقافية والاجتماعية وغيرها، فعلى السفارة وطاقمها متابعة شؤون الجالية والارتقاء بها، بنفس السياق، لا يستطيع الدبلوماسي الفلسطيني الرسمي أن يعتمد كُلياً على الجالية في تطبيق مهامه الدبلوماسية الرسمية، طالما تحدثنا عن الدبلوماسية العامة وأهميتها في التأثير في الشعوب والرأي العام الذي ينعكس تلقائياً على السياسة الخارجية للدولة المضيفة ولكن علينا التنبه أن الجالية هي رأس المال الذي علينا استثماره وتطويره وحمايته والعمل بالتوازي ومحاولة التنسيق ما بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية العامة لتحقيق أهداف فلسطين من خلال كسب المزيد من الصداقات في كل دول العالم.

علينا أن نفرق بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية العامة، علينا أن نفرق بين العمل السياسي والعمل الدبلوماسي، وعلينا التخطيط والعمل بدلاً من إيجاد المبررات المتكررة، علينا أن نفرق بين واجباتنا وامتيازاتنا وخاصة أثناء الخدمة في السلك الدبلوماسي.