حتى لا نكرّر ما فعله الأسلاف

طلال عوكل.jpg
حجم الخط

طلال عوكل

بعيداً عن التهديدات والادعاءات، التي يطلقها الفلسطينيون من أكبر فصائلهم إلى أصغرها، بشأن القدرة على إفشال «صفقة القرن»، فإن الكل يعرف أن ما تبقّى من هذا العام يحمل الكثير من المخاطر، التي تساوي نكبة عام 1948. نظرياً الفلسطينيون كلهم يرفضون بأوضح العبارات، «صفقة القرن» ما جاء منها، وما سيأتي، غير أن الوقائع على الأرض، تفضح هذه المواقف. رفض الفلسطينيون في العام 1947، قرار التقسيم الذي يحمل رقم 181، لكنهم لم ينجحوا منذ ذلك الحين في منع نجاح المشروع الصهيوني وقيام دولة إسرائيل.
اليوم، أيضاً، يرفض الفلسطينيون «صفقة القرن»، وربما يقاتلون، كل على طريقته، لكنهم يجهلون واقعياً وبالملموس، مدى أهمية الوحدة الوطنية، باعتبارها السلاح الأهم في مواجهة وإفشال تلك الصفقة المشؤومة، وذلك على الرغم من أنهم جميعاً يؤكدون على أهمية هذا السلاح.
يتقاتل الفلسطينيون وينقسمون على بعضهم سعياً وراء التمثيل، والشرعية، وعلى سلطات هشة، يتحكم الاحتلال في بقائها أو زوالها، ولا يدركون أن العائلة الأميركية الإسرائيلية، كما وصفها نائب الرئيس الأميركي، لا تنتظر مفاوضات، أو موافقات، لا تبحث عمّن ومن لا يمثل الفلسطينيين.
لو أن الأمر بكثرة التصريحات وبالمواقف الواضحة، لكان بالإمكان إفشال ما ورد من «صفقة القرن» حتى الآن، سواء فيما يتعلق بالقدس أو اللاجئين، أو الجولان المحتل.
من الواضح أن الشرعية الدولية وقراراتها، لا تشكل حماية للحقوق، وأن قراراتها لا تخرج عن الأدراج المليئة بالقرارات العادلة والتي تنتصر للضعفاء وأصحاب الحقوق في هذا العالم. الشرعية الدولية تحتاج إلى قوة فعل قادرة على فرض قراراتها ومنطقها، وهذه غير متوفرة لا على الصعيد العربي ولا الإقليمي، وطالما أن أصحاب الحقوق لا يدركون واجباتهم الأساسية.
رغم كل ما مضى من اعتداءات على الحقوق، وما مر على الشعب الفلسطيني من مخاطر، فإن البعض لا يزال يطالب أو يهدد بالذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وكأن ما مضى لا يكفي لإشغال تلك المحكمة بقضايا وجرائم بحق الإنسانية والقانون الدولي الإنساني.
لا حاجة لانتظار قرار إدارة ترامب، بالإعلان عن صفقته ودلالات التوقيت الذي يجري الحديث عنه، فالأمور أصبحت أكثر من واضحة من حيث الأهداف التي ترمي إليها.
يتحدث ترامب عن الكيان الفلسطيني في غزة زائد، وعن سلام اقتصادي تحشد له الولايات المتحدة مئات المليارات، دون أن تدفع دولاراً واحداً. غزة زائد لا تعني توسيع قطاع غزة على حساب سيناء المصرية، فأرض مصر ليست للبيع، ولا للتأجير، ولا لاستيعاب اللاجئين. الأموال التي يتحدث عنها ترامب من جيوب العرب، وعلى حسابهم ستتحول إلى استثمارات ضخمة في سيناء يستفيد منها المصريون بإعادة تعميرها ويستفيد منها سكان قطاع غزة تماماً كما كان الحال قبل قيام السلطة الوطنية حين كان العمال والمهنيون يذهبون إلى العمل في مناطق 1948، ثم يعودون إلى بيوتهم يومياً أو بين الحين والآخر.
أما في إسرائيل، فإن سوق المزايدات بين المتنافسين في الانتخابات مفتوح على موضوعين، هما الأهم: الأول، ما يتعلق بكيفية التعامل مع «حماس» والفصائل وقطاع غزة، والثاني، ما يتعلق بمستقبل الضفة الغربية. لا حاجة للفلسطينيين، بالخوض في تحليل السياسات والأهداف الأميركية الإسرائيلية، فها هو نتنياهو يعفي الجميع من هذا العمل فيصرح بالفم الملآن بأن مصلحة إسرائيل تقتضي استمرار الانقسام وفصل الضفة عن غزة، وعدم السماح للرئيس محمود عباس والسلطة بالعودة إلى غزة تحت أي ظرف من الظروف.
ولا يتوقف نتنياهو عن تبرير سياسته إزاء تفاهمات التهدئة والإجراءات التي عليه أن يتخذها، بما أن الهدف واضح، وهو بقاء غزة تحت سلطة حركة «حماس»، والضفة تحت سلطة حركة «فتح»، الأمر الذي يستوجب تحييد سلاح المقاومة والقبول بتهدئة «مدفوعة الثمن»، على الأقل إلى حين.
هنا علينا أن نسأل عن المسؤول الفلسطيني، الذي ساهم ويساهم في خلق وقائع تخدم عملية الفصل، وتجعل الإسرائيلي، صاحب القرار والتصرف بشأن الوقائع، التي تفرض حلولاً إنسانية، ذات أبعاد سياسية بامتياز. أما بالنسبة للضفة، فإن كل المتنافسين في الانتخابات، متفقون على مصادرة ملف القدس واللاجئين، والمستوطنات والأغوار.. هذا كحد أدنى.
غير أن نتنياهو يقول إن الولاية القادمة ستشهد قراراً بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وتحويل ما تبقى من الأراضي ذات الكثافة السكانية ليقيم فيها الفلسطينيون معازل، أقرب إلى روابط القرى، أو أن تختار صيغة للعلاقة مع الأردن.
نعم هي سياسات خطيرة مفروضة على الفلسطينيين بقرارات أحادية الجانب، وليفعل الفلسطينيون ما شاؤوا.
إعلان المواقف النظرية فقط لا يشكل تبرئة لأحد من الفلسطينيين، ولذلك فإن الشعب بحاجة إلى تفسير حول كيفية مواجهة «صفقة القرن». القيادات السياسية والفصائل مدينة للتاريخ وللشعب والقضية حول برامجها لمواجهة «صفقة القرن»، وإلّا كانت وضعيتها كما مواقف القيادات الفلسطينية عام 1948، والتي قاتلت بما تيسّر، لكن النتائج أصبحت معروفة. لا مجال لمزيد من الغموض في الممارسة، ولا مجال لاستنزاف الوقت في الانتظار بينما يتحرك بقوة قطار التصفية، والكل تحت الاختبار.