بات من الواضح أن هناك استراتيجيات ذات معايير محددة وسياسات ثابتة المعالم والمضامين تسير عليها الإدارات المتعاقبة ، التي تتولى سدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية ، ولا يمكن لأي إدارة أمريكية أن تتجاوز تلك الاستراتيجيات والمعايير والمحددات ، بما يتعلق في ملفات الشؤون الخارجية وخصوصاً الشرق أوسطية ، وعلى رأسها موقفها الثابت من القضية الفلسطينية ،رغم ما يلاحظ أحياناً من دبلوماسية ومفخخة تحملها التصريحات وانحياز تكتيكي خادع و موجه لبعض القضايا الفلسطينية ، من أجل الاستهلاك الإعلامي واستمالة بعض الأطراف من أجل تحقيق أهداف تسعى لها الولايات المتحدة سوآءا سياسية أم اقتصادية ...!
تعد الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دولاند ترامب، من الإدارات الأكثر وضوحاً وشفافية في طرح مواقفها المبطنة وترويجها إلى العلن دون تردد أو خوف أو وجل ..! ، وهذا باعتقادنا ليس الأمر نابعاً من شخصية الرئيس الأمريكي وقراراته المتتالية المنحازة بشكل تام لقوى التأثير في الولايات المتحدة، والتي على علاقة وثيقة بالكيان الإسرائيلي ، والتي تعمل جاهدة من أجل تثبيت كيانه وامتداداته للسيطرة المطلقة على الشرق الأوسط.
المشروع الأمريكي الجديد يعبر عن رؤية امبريالية استعمارية عالمية، تقوم على العديد من الاستراتيجيات والمخططات من أجل حماية كيانها القائم على التوغل والسيطرة التامة على الشرق الأوسط ، ومن أجل حماية المشروع الأمريكي الذي يهدف للامساك في زمام الأمور وأدق التفاصيل عالمياً، وأن يكون الرأي الأمريكي هو المسيطر والكلمة النافذة دون النظر لأي اعتبارات...!
المشروع الأمريكي الجديد، والذي بدأت ملامحه تتحقق على أرض الواقع، من خلال تنصيب دولة الاحتلال حاكماً على الشرق الأوسط، وفتح لها أفاق ومساحات وتذليل العقبات والصعوبات، ضمن استراتيجية تخطط لها الولايات المتحدة منذ سنوات وسنوات، وبإشراف اللوبي الصهيوني العالمي، وبقبول ورضا وصمت العديد من الدول العالمية والمحاور الإقليمية!
القرارات المجحفة بحق القضية الفلسطينية والقضايا العربية والتي منها الجولان المحتل ، ليس حديثة النشأة للمشروع الأمريكي ، بل هي امتداد لسنوات وسنوات ، بدأت ملامحها في الظهور منذ اعلان اتفاقية " أوسلو" والضياع المتعمد لسنوات طوال في مفاوضات لم تصل إلى أقل القليل من الحقوق المشروعة فلسطينياً وعربياً ، فالأمر باعتقادنا إطالة العمر الزمني لمفاوضات ماراثونية عقيمة ، هدفها المعلن السلام ولكن المبطن القضاء على المشروع الوطني الفلسطيني من جهة ، وتدمير البعد العربي القومي بين الدول العربية ، واستسلامها بقبول حل القضية الفلسطينية وفق رؤية مخطط لها مسبقاً من قبل اللوبي الأمريكي الصهيوني ، وهذا من منظورنا وللأسف ما سعت إليه الولايات المتحدة ونجحت من خلاله مخططها لإيصال شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل في أي انجاز عملي قائم على فكرة المفاوضات السلمية وحل الدولتين وانهاء احتلال الجولان السورية ، والقبول في نهاية المطاف بالإملاءات الصهيو أمريكية ،على اعتبار أنها صاحبة الحل والعقد ، وما دون ذلك وجب عليه القبول والتنفيذ طواعية ، من خلال تنفيذ المؤامرة الامبريالية العالمية ذات الأهداف الصهيونية ، التي أصبحت تعرف في " صفقة القرن"..!؟
المشروع الأمريكي الجديد من خلال قراراته المتتالية ،التي تبارك اعلان القدس المحتلة عاصمة للكيان ، وتهويد المقدسات، والتوسع الاستيطاني غير المسبوق في القدس و ضم أجزاء ومساحات وأراضي من الضفة الغربية ، والضرب بعرض الحائط للقرارات الأممية المتعلقة بحق اللاجئين الفلسطينيين وإيقاف التمويل الخاصة بالمشاريع الاغاثية والإنسانية التي أقرتها الأمم المتحدة ، وإعلان الجولان السورية المحتلة أنها جزء من دولة الاحتلال ، وصولاُ الى التسويق لفصل قطاع غزة عن باقي الوطن ، والعمل على حل مشكلته وفق منظور انساني ليس إلا ..! ، وتجاهل البعد السياسي والوطني للقضية الفلسطينية ، وطرح البدائل والحلول الاستعمارية والتي على رأسها " التوطين" والتوسع الجغرافي في حدود قطاع غزة نحو سيناء ، كلها استراتيجيات كانت مبيتة في الخفاء وضمن مخططات لمشروع أمريكي قائم على تعزيز دولة الاحتلال وقدرتها في الوصول بأن تكون الحاكم والمسؤول عن الشرق الأوسط.
لا يمكن غض الطرف ومواربة النظر على الواقع الفلسطيني والإقليمي، التي ستقوم الإدارة الأمريكية الجديدة بتنفيذه في القريب العاجل من خلال ما يسمى " صفقة القرن" وإخضاع كافة المحاور والأطراف للرغبة الأمريكية التي تباركها وتسعى لها دولة الاحتلال من نشأتها.!؟
لم يعد خافياً على أحد بأن المشروع الأمريكي الجديد يحظى برضا وقبول العديد من الدول والمحاور، وفق منظور لا بد من الحلول ، وحتى ولو كان أقل من المعقول ويتعارض مع فكرة المشروع الوطني وحل الدولتين ولا يلقى من البعض الترحاب والقبول هذا من جانب، ومن جانب أخر حالة " الصمت المريب" التي تعتري بعض أقطاب المشهد الفلسطيني والعربي أيضاً، وكأن الأمر لا نجد له إلا تفسير واحد ، وهو التواطؤ والشراكة في المشروع ، أو عدم الاكتراث والاهتمام ، وكأن القضية الفلسطينية قد أنشأت وبنيت على مجهول، ولا يحرك لها ساكناً، أو حتى التعبير عن حالة رفض عنوانها الذهول...!