بقلم: سميح خلف

السودان الثورة والدولة

سميح خلف
حجم الخط

القاهرة - وكالة خبر

تصنيفات الطاغية المستبد مصطلحات عاطفية تطلقها مفاهيم طبقية وبين مستويين المستفيد والغير مستفيد في تعريفات لمصطلح الديموقراطية الزائف فلكل سلطة او حكم برنامج وادوات وقائمة من المستفيدين وننتقل من دكتاتورية الحزب الى دكتاتورية النخبة الى دكتاتوريةة رأس المال ستجد كل الايديولوجيات الفكرية التي قادت المجتمعات فشلت في تحقيق المساواة والعدالة الا الاطروحات الفلسفية لمبدأ العدالة والمساواة والشراكة لا تخضع الا لطبقة واحدة حتى في داخل الحزب الواحد لا توجد العدالة والمساواة وما بالكم اذا كان هذا الحزب هو القائد ومطلوب منه ان يرسي مبادي الفعل العادل على كل طبقات الشعب .

اذا استخدم مصطلح الطاغية والمستبد ان تتحول الظاهرة من حالة الى اخرى بالاستعانة بالمستضعفين للوصول الى الحكم ولم تجد نظرية افلاطون الا فكرا مثاليا لا يوجد في الحياة العملية وصراعات المجتمعات السياسية على الحكم ما بعد الحرب العالمية الثانية افرزت تقسيمات القوى المنتصرة و موازين قواها و معادلاتها واقعا جديدا على المنطقة العربية برغم انها كانت تعج بعدة احزاب بين اليسار بكافة انواعه و اليمين و الراديكاليين و البراغماتيين الا ان هناك اختلاف في التعريفات لظاهرة التغيير في الوطن العربي منهم من سماها ثورة و منهم من سماها انقلابا في كل الاحوال ظهرت الدولة الوطنية التي قادها الضباط الاحرار في تلك الدول كنظام شمولي ذو التوجه الواحد و الحزب الواحد هو حزب الدولة مع الاستعانة ببعض الاحزاب بشكل مرحلي و متغير .

ما يحدث في السودان ليس بجديد على واقع سيناريوهات الدولة العميقة الذي اذا احست بمظاهر الشيخوخة فالشعوب لا تتحرك بتلقاء نفسها ولكن هناك محرك وطلائع لكل عملية تحرك في اطار الدولة العميقة و اطار الصراع على السلطة من الاحزاب الاخرى ، وبالتالي تتولد حركة الجماهير التي هي محقة في مطالبها و تخرج التظاهرات فلا ننتظر احدا مثلا مثل ماركس او غاندي ليتنازل عن طبقته وثروته لصالح مطالب الفقراء والذين لم يجدوا عدالة في التوزيع و تقاسم ثروات البلاد .

أسست تلك الثورات منذ انطلاقة ثورة يوليو وبواجهة اللواء محمد نجيب و نقطة الارتكاز و الفعل جمال عبد الناصر الذي وجد ان مسيرة الضباط الاحرار هي التي قد تفرض التنمية والتغيير على واقع البلاد وبالتالي حدث التنافر بين عبد الناصر اللاحزبي و الوطني مع خلفية محمد نجيب التي مرجعيتها الاخوان المسلمين و حدث بعد ذلك تواكب الثورات العربية والتحررية في سوريا واليمن والجزائر وليبيا حتى على نظام بورقيبة .

أسست تلك الدول الدولة العميقة وهي مدرسة توالدت كما قلت مع نشوء الثورات العربية او الانقلابات او كما تسموها سموها . الربيع العربي حاول تغيير القاعدة وحاول تفكيك الدولة العميقة وهذا هو الخطأ الذي ارتكبه الربيع العربي واصحابه وقواه المساندة ، اي تأسيس الدولة على قاعدة حزبية و ليست قاعدة وطنية شمولية ، يقودها برنامج واحد و انصهار كافة الشعب في تحقيق تطبيق هذا البرنامج و هنا حدث تفاوتات في التطبيق ولذلك ظهرت مصطلحات (الطاغية ، المستبد ، الدكتاتور) في حين ان الدكتاتورية كظاهرة هي موجودة من بداية الاسرة الى بداية المكون الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الدولة .

منذ بداية السيناريو و محاولات تفكيك الدولة الوطنية وعمقها بوسائط حزبية تتماشى طموحاتها مع متغيرات دولية و اقليمية ايضا تحركت الدولة العميقة التي رمزها ويمثلها الجيش في احباط كل المحاولات التي حاولت تغيير وجه الدولة بصرف النظر و التفاوت عن برامجها الياسية والامنية والاقتصادية فالبتأكيد ان الدولة العميقة وبمركباتها وعمقها في المجتمع وثقافتها اقوى بكثير من كل المحاولات الحزبية لتغيير هويتها السياسية والتركيبة الاجتماعية .

نفس السيناريو الذي حدث في مصر و حدث الان في الجزائر في التسعينات و في 2019 ، تتحرك الدولة العميقة للحفاظ على وجودها من خلال احتواء الجماهير الزاحفة للتعبير عن مصالحها وحاجياتها والتي يمكن ان تستغل بأهداف حزبية و تغييرية في المجتمع و هذا ما يحدث في السودان و مازالت الدولة العميقة في سوريا تحافظ على وجودها و في اليمن اما في العراق فلقد تغيرت هوية الدولة لسبب خاص جدا و هو التوازن الطائفي و معادلاته في العراق .

تدخل الجيش لحسم الامور و تنحية البشير هو احتواء للازمة ، فمازالت هوية السودان للدولة العميقة هي هوية الجيش اي الضباط الاحرار ، يعتقد الكثيرون ان البشير هو اخوان مسلمين في حين انه قمع الترابي و استخدم الاخوان لمرحلة ما ، فهو ايضا يخضع لثقافة وهوية الضباط الاحرار على طريق اول ثورة و على طريق اول انقلاب كما يسميه البعض قاده النوميري ، فحين تخلى سوارؤ الذهب عن الحكم لصالح دولة مدنية تميل الى الاسلام السياسي وتطبيقاته لم يصمد هذا النظام ، فالدولة العميقة لم تتخلى عن مسؤولياتها وعن وجودها ايضا ، يقال الان ان المهدي يقود اكبر حركة معارضة في السودان ، الشيخ المهدي هو من اسرة الامامة المهدية التي تجنح لتطبيق الشريعة الاسلامية في المجتمع و هي تعلن عن عدم رضاها عن بيان الجيش اي الدولة العميقة في مسيرة رغبات الحول للنظام المهدي من هنا خطورة دخول الدولة العميقة في صراع مع الحركة و المعارضة المهدية ، ولكن في اعتقادي ان الدولة العميقة لها من الاسلحة والادوات ما تستطيع فرض وجودها وقوتها .

الشعب السوداني شعب مثقف جدا ومنضبط جدا وتقوده حركات اسلام سياسي و حزب شيوعي قوي وباختلاف المسميات الموجودة الان بالاضافة الى ان كل ما يمكن ان يخشاه الانسان هي التجاذبات الاقليمية والدولية التي يمكن ان تلعب دورا في السودان المجلس العسكري المشكل من عشر ضباط اعلن وصايته على السودان لمدة عامين ليسلم السلطة لنظام مدني في تلك الفترة و هي سيناريوهات قديمة جديدة قد يقوم العسكر بوضع ترتيبات لقيادة الشعب السوداني والتي لن تخرج ايضا من داخل القوات المسلحة السودانية.