بقلم: د. محمد عبد اشتيوي

الاستجداء الكبير

محمد عبد اشتيوي
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

لم تكن العلاقة بين صاحب الحق ومغتصبه ايجابية للحظة، بل حققها قانون الطبيعة بأن المجال يبقى مفتوحاً في كل الاتجاهات لصاحب الحق لأن يعيد حقة من مغتصبيه، وما مرت به القضية الفلسطينية من محطات تاريخية متعاقبة تؤكد أن أطماعاً عالمية تدور حول أرضنا الفلسطينية، وأن زراعة الكيان الاسرائيلي فوق أرضنا كمغتصب محتل لكل مقدراتنا يعبر عن التركيز الواضح على ضرورة إعدام أي كيان فلسطيني يحاول أن يستعيد حقه المغتصب والمحتل، فحالة الدعم السياسي والمالي والاداري وغيرها من أغلب دول العالم لهذا الكيان الغاصب تؤكد بأن أرضنا الفلسطينية هي جزء من حالة التحول الكوني بين قطبي الحق والباطل، وأن النظر اليها لا يقتصر على المستوى الجغرافي فحسب بل يمتد الى التجذر العقدي والفكري والاعتباري لدى أبناء هذه الأرض، وهو ما يحاول الاحتلال الاسرائيلي باعتباره الجهة المستفيدة والمحافظة على مصالح أسياده من الدول الغربية في المنطقة أن يزور التاريخ وأن يبني لدى أجياله معتقدات دينية توراتية ترتبط بهذه الأرض الطاهرة، وهي المساحة التي لم ولن يستطيع نزعها من عقول وصدور أبناء شعبنا الفلسطيني مطلقاً، ولكن أمام حالة التجذر العميقة والتشبث اللامتناهي في موروثنا الوطني والديني بدأ الاحتلال ومن ورائه امريكا وآخرين بالتفكير في ايجاد حالة تحول ذاتي لشعبنا الفلسطيني وذلك نحو الانقلاب على نفسه باتجاه الخروج من وحل المنازعات والانقسامات وضيق الحال وضنك العيش نحو حياة أفضل قد تكون على حساب معتقداته وأفكاره وموروثه الوطني والديني، وهو فعلياً ما يمارس علينا كفلسطينيين، فلم يعد الاحتلال الاسرائيلي للأسف بحاجة الى شن الحروب التدميرية بالقوة لأنه وصل الى قناعة بأننا سنخرج من تحت الأنقاض أقوى من قبل لنطالب بحقنا في أرضنا الفلسطينية، ولكن وبحسب العديد من الاستراتيجيات التي رسمت باتجاه كيفية التخلص من مقومات قيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية، فقد ذهب أغلبها الى ضرورة استدراج الفلسطينيين الى مربع التآكل الذاتي والانهاك المبرمج، سواء من الناحية الانسانية أو الوطنية أو الاخلاقية او الدينية أو غير ذلك، والمتتبع لمجريات الأمور يجد باننا كفلسطينيين للأسف تعاطينا وبرغبة شديدة منا مع تلك الاستراتيجيات الهادفة الى تدميرنا وإنهاء قضيتنا لصالح الاحتلال وأعوانه، فمنذ سنوات خلت عمد الاحتلال على تفسيخ وتشتيت وشرذمة الكل الفلسطيني الى مكونات متناقضة تم التعبير عنها بعدد من الفصائل والاحزاب والحركات والجماعات والتوجهات والتكتلات وغير ذلك، وقد نجحوا في ان كرسوا مبدأ (كل حزب بما لديهم فرحون) حتى بات الجسد الوطني الفلسطيني يترنح ضعيفاً منهكاً من ذوي القربى والخصام الموجه.

وبذلك يكون الاحتلال قد وصل الى مبتغاه بفرض أي من صور انهاء القضية الفلسطينية لصالحة، خاصة وأن جهوداً كبيرة بذلك خلال الفترة الماضية لتوطئة ذلك مع الحاضنة العربية وان العديد من دول الاقليم والدول العربية تعاطت مع تطلعات الاحتلال المستقبلية في وجوده كأحد مكونات المنطقة العربية تحت عنوان عمليات التطبيع العربي الاسرائيلي الذي ظهرت له صوراً متعددة خلال الفترة الماضية. وهو ما سيشجع الاحتلال على التغول على حقوقنا الفلسطينية بغطاء عربي واقليمي ودولي.

والشاهد هنا هو أن حالة الانهاك والترنح الفلسطينية التي لا تسعف بالمطالبة بحقوقنا المحتلة، بالتاكيد ستؤهلنا الى اللجوء الى خفض طموحاتنا ومطالبنا الوطنية الكبيرة، وتدخلنا في مربع الاستجداء الكبير نحو السعي لإيجاد حياة آمنة وتحقيق لقمة العيش، وهو ما يتطابق مع توجهات الاحتلال ومن خلفهم الامريكان في ايجاد اماكن آمنة للفلسطينيين غير ارضهم، وإيجاد لقمة عيش رغدة من غير خيرات بلادهم، وهو ما يتساوق مع مضمون صفقة العصر التي تعزز حالة الفصل بين قطاع غزة والضفة الغربية وان يسحبوا أبناء قطاع غزة نحو الاراضي السيناوية حتى لو كانت تحت السيادة المصرية في المراحل الاولى، وان يضموا اراضي الضفة الغربية الى دولة اسرائيل المزعومة ويطبقوا مضمون روابط القرى القديم الحديث، ويصبع شعبنا الفلسطيني مشتت الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والاجتماع، فدولة غزة الكبرى المتداولة اعلامياً تعبر حن حالة تصفية لثوابت قضيتنا الفلسطينية، بكل اركانها سيما قضية اللاجئين والاسرى والحدود والمقدسات وغيرها.

فهل نحن كفلسطينيين مدركون خطورة ما يحاك لنا من مؤامرة كبيرة؟، هل ندرك بأننا مستدرجون الى ان نستجدي الاحتلال في حقوقنا ولو البسيطة منها؟، هل نحن مدركون بأن التاريخ سيسجل هروبنا لأمام نحو الحفاظ على حياتنا ومصالحنا الفردية دون مصلحة الوطن؟، هل فصائل العمل الوطني والاسلامي ستستمر في دفن راسها في التراب وكل يذهب نحو تحقيق مصلحته الحزبية فقط؟، هل نحن مدركون باننا لن ننال أدني حقوقنا حتى لو استجدينا المحتلين؟

علينا ان ندرك ان قوتنا في اجتماعنا وضعفنا في فرقتنا، فلماذا نحن مصرون على الفرقة بإرادتنا؟ أم يحن الأوان أن نخطو خطوة نحو بعضنا بالرجوع خطوات للخلف لصالح الوطن، فلو رفعنا الغشاوة الحزبية عن عقولنا سنجد انفسنا منفتحين متقاربين مجتمعين فيما بيننا للوطن فقط للوطن.