قال الفنان السوري عباس النوري، إنّ "مسلسل باب الحارة أصبح عملاً تراثياً فولكلورياً وليس عملاً تاريخياً، يحاكي الوجدان العام والعادات والتقاليد التي كانت موجودة، حيث إنّ تكرارها أَفْقَدَ المسلسل رونقه، وكان يجب أنّ يعتمد على حكايا تتمتع بجاذبية مختلفة، وهذا كان مطلبي الرئيسي من الجهات المُشْرِفة على العمل".
وأوضح النوري في حوار مع جريدة "الرأي" أنّه غاب عن المسلسل عدة فترات بسبب خلافه مع المُنْتِج الرئيسي بسام الملا، مضيفاً: "بالرغم من أنه تم الاستيلاء على العمل من قبل مُنْتِج آخر بعدما حصل على حقوقه القضائية والقانونية، عرض هذا المُنْتِج عليّ المشاركة فيه بالطريقة التي أريدها، وفتح لي الأبواب، ولكنني رفضتُ واعتذرت بهدوء، لأنني كنت قد اتفقتُ مع بسام الملا، وهو الأجدر بالعمل، أن يسير باتجاه تقديم ما هو جديد أكثر مما هو مدهش، ولكنني لم أنجح معه بتحقيق هذه المعادلة، فكيف الحال مع المُنْتِج الآخر".
وبالحديث عن سبب رفض التعاون مع المنتج الثاني بالرغم من قبول شروطه، قال: "لا أثق بهذا العمل، لأنه أصبح عبارة عن فخّ لإثبات الجدارة، وباباً لتحقيق النجومية على أكتاف اسمه"، موضحاً أنّ باب الحارة صدّر الكثير من النجوم "نجوم بطعمة ونجوم بلا طعمة".
وأضاف: "تحوّل العمل إلى ماكينة إعلامية لتصدير النجوم قبل أنّ يكون عملاً فنياً، وأنا خارج باب الحارة نهائياً"، مُشيراً إلى أنّه قدم الكثير من الأدوار المهمّة خارج شخصية (أبو عصام)، ولكن الناس يتمسّكون بها ويقولون (أبو عصام الطبيب أو أبو عصام المحامي أو أبو عصام المُناضِل).
وبسؤاله إنّ كان ذلك يزعجه، أوضح النوري: "على العكس أنا أحترم المزاج الشعبي المحب لشخصية (أبو عصام)، الذي تأكد حضوره بالرغم من غيابه، فهو غاب عن الجزء الثالث والرابع والخامس من باب الحارة ولكنه بقي البطل الأوحد، ثم غيّبه بسام الملا تماماً في الجزء العاشر، قبل أنّ يحصل الخلاف القضائي مع المُنْتِج الآخر الذي أخذ حقوقه، والذي له معادلة تجارية معينة وأَسْقطه من حساباته، وربما يبرّر غيابه بالموت أو المرض أو السجن".
ويطل عباس النوري خلال موسم رمضان 2019 في مسلسل "ترجمان الأشواق" الذي سيبصر النور بعد تأجيل عرضه لموسمين متتالين، حيث أكد النوري على أنّ العمل لم يعرض بسبب التعسف الرقابي الكبير عليه، مضيفاً: "حصل حوار ساخن مع الرقابة، ونجح المُخْرج بإعادة المونتاج وأجرى بعض التعديلات عليه".
وحول مضمون هذه التعديلات وإنّ كانت ستقلل من قيمة العمل، بيّن النوري أنّه "مهما كانت التعديلات فإنه سيكون من أفضل الأعمال التي ستُعرض في رمضان، لأنّه عمل متميز جداً بالرغم من أنّ جمهوره خارج ثقافة المُشاهِد الرمضاني، لأنّه عمل دسم، يحكي قصة سجين سياسي، وعملياً يتناول المسلسل كيفية قراءة الثقافة للواقع المرير للأزمة السورية".
ولفت إلى أن الدراما السورية عانت من الانحدار بسبب الأزمة التي مرت بها البلاد، مُردفاً: "هذا لا يعني أنه لا توجد استثناءات، هناك محاولات وهي جديرة بالاحترام، رغم أنني أختلف بالرؤية معها مع أنني أحد صنّاعها. المسؤولية كبيرة على الفنان والمثقف، والفنان الذي لا يتمتع برؤية ثقافية، يصبح كمَن يحفر بحثاً عن الماء في بئر جافة، لا ينتج عنها سوى الرمال".
وأردف النوري: "بسبب التشظي الذي حصل في المشهد الفني السوري، غادر الكثير من الفنانين لدواعٍ أمنية أو سياسية أو شخصية، وأنا أسمّيها دواعي وطنية، بصرف النظر سواء أكانوا مع النظام أو ضده".
وأوضح أنه قبل الأزمة، الكل في سوريا كانوا مع الدولة ومؤسساتها، يحافظون عليها ويعملون فيها، ويحترمون القوانين والنظام العام للدولة وإنّ كانوا يختلفون معه.
وتابع: "وأنا كنت واحداً ممّن كانوا يختلفون مع عمل المؤسسات ويطالبون بالأجود والأفضل ومحاربة الفساد وما زلتُ كذلك، نحن لا نريد أن نتحوّل، بعد فقدان مجموعة وجوه مهمة من الفنانين، إلى دراما موالاة ودراما معارضة، بل نريد تقديم رؤية للتاريخ، وليس للدولة أو المعارضة".
واستدرك: "نحن أمام التاريخ ولسنا أمام حُسن سلوك هذه الجهة أو تلك، وشهادتنا في هذه المرحلة ستقدّر قيمتنا أو تنفيها ومع أن الدولة فتحت صدرها للجميع، لكن لا يوجد في سورية حتى الآن عمل نشط على الصعيد الثقافي لاستيعاب هذا الاختلاف عند الكثير من المثقفين والفنانين الذين غادروا لدواعٍ وطنية. نحن بحاجة لاستيعاب هؤلاء، وأنا قبل الأزمة كنت أختلف مع الكثيرين قبل أن يغادروا البلد، وكان خلافنا طبيعياً، ويحمل رؤى وينضج بالأجْود، أما اليوم فتحولت الخلافات من فنية إلى شخصية".
أما عن سبب عدم انضمامه لأي عمل فني بعد مسلسل ترجمان الأشواق، قال: إنّ "الخيارات هي التي تتحكم به، واعتذرتُ عن الكثير من الأعمال، وكنت أختار أفضل السيئ، أما الآن، فيفرض علينا ما هو أسوأ من السوء، وبالنسبة للحل فهو يأتي مع الزمن، لأن التطور موجود ولو كان يحدث ببطء".