حكومة للإنجاز وليست للرواتب والنفقات

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

صلاح هنية

كل من يريد إصلاحا سيجد نفسه في دائرة من النقاش المجتمعي والذي يتفاوت هذا النقاش بين متشائم ومتشائل ومتفائل، ولكل لديه مواله الذي سيغنيه، ودعوني أكن واضحا، هناك أشخاص مبدئيون يتعاملون مع الأمور بمسطرة لا تشخصن الأمور بل تكون متوازنة دون التنازل عن مبادئهم.
عمليا، نفترض أن رئيس الوزراء منذ يومه الأول يجب أن يظل في ذات الدائرة ولا يخرج عنها بالمطلق ولا نقبل أن يفكر خارج الصندوق أو أن يحاول في هذه القضية أو غيرها، فالحديث عن استيراد المحروقات من خارج السوق الإسرائيلية يجب أن يواجه بسؤال: وهل سيسمح لكم الاحتلال؟. إذا انت كمواطن مثقف متعلم مهتم وواع وضعت هذا العائق أولا ومن ثم تطلب من المسؤول أن يظل يفكر بطريقة تقليدية وينشط باتجاه تقليدي بحت يحمل ترقيات وتعيينات وترفيعات وكأن الوطن بكل همومه لا يتعلق إلا بقطاع الوظيفة العمومية وحسب.
وأن خرج الوزراء عن المألوف وذهبوا باتجاه التركيز على قطاع الصناعة وتطويرها وتسهيل أمور المناطق الصناعية المتعثرة، وجذب رؤوس الأموال الفلسطينية من خارج فلسطين للاستثمار في الوطن، وتشجيع ودعم المنتجات الفلسطينية، وذهبوا باتجاه نقلة نوعية في القطاع الصحي والعمل والعمال، سيقال لهم: كفى، فقط ركزوا على دفع الرواتب للموظفين، وكأن الوطن لا يشمل في مكوناته اسر الشهداء والأسرى والحالات الاجتماعية والمستثمرين والصناعيين والتجار والعمال والسائقين والمهنيين، هذا أمر غير مقبول، الوطن ليس فقط للموظفين العموميين، نشغل الوزراء بترقياتهم ورواتبهم على حساب بقية مكونات الوطن.
وفي حال خروج نتائج انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات والمعاهد من دائرة أمنيات البعض نصبح محترفي نقد وتجريح بحق الإعلام الفلسطيني: لماذا ينقل خبر نتائج الانتخابات، ولا نقيم وزنا لممارسة الديمقراطية والتعددية في الجامعات في الوقت الذي عجزنا نحن المنتقدين والمتنفذين في مراكز الأبحاث ومسوحات الرأي وبعض شركات القطاع الخاص والذين نسعى للتفرد في تجمعات ديمقراطية وكأن الموضوع شخصي، ويريد ان يقاطع المجلس الوطني والمجلس المركزي ويريد ان يجمد الانتخابات العامة ريثما تتوفر الظروف وبالتالي لا مانع من تجميد مناحي الحياة كافة ريثما يرون لهم فرصة ما قد تطول وتطول.
واضح أن هناك نظرية رائجة في الوطن أن كل شيء يجب أن يجمد في الوطن بانتظار نتائج دراسة لباحث او محلل سياسي أو بانتظار بلورة «بوست» على مواقع التواصل الاجتماعي، ويجب أن ننتظر تقييم لكل خطوة نخطوها من قبل أشخاص يريدون أن ينصبوا انفسهم مرجعية اجتماعية واقتصادية وثقافية، حتى أن الوزارات يجب أن تنتظر ولا تتحرك ريثما يبلور أولئك رأيهم!!!!!
وتتيح حركة فتح المجال للبعض أن يوجه لها سهام النقد، ترى ما هي الفائدة التي جنتها حركة فتح من إطلاق النار في الهواء احتفالا بفوزها في انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت بأعلى الأصوات، هي لم تحقق أي فائدة بل طالتها سهام النقد وحسب وكان بالإمكان تجاوز هذا الأمر ببساطة خصوصا أن هناك موظفين متفرغين لمواقع التواصل الاجتماعي تارة يقيمون المناظرة الانتخابية، وتارة ينالون من حركة فتح على خلفية إطلاق النار، ويخرج علينا متفذلك ومتفذلكة: «شو في ليش إطلاق النار»، كان بإمكان «فتح» تجاوز هذه المسألة وعدم الاعتماد على فرضية أن «فتح» لو تراجعت في الانتخابات لانقض عليها المحللون السياسيون وأبطال مراكز مسوحات الرأي: انظر يشكلون حكومة وهم لا يحسمون انتخابات جامعة بيرزيت، على هذه القاعدة جاءت ردة فعل «فتح» غير الموفقة ونتائجها السلبية.
حتى نكون واضحين وشفافين يجب أن تظل أولويات الحكومة في فلسطين (ومؤشراتها بدأت منذ أيام) استعادة الثقة مع المواطن في كل الوطن، الخروج باستراتيجيات وخطط ورؤى إبداعية (خارج الصندوق)، والحكومة ورئيس وزراء ووزراء وموظفون هم قطاع خدمة مدنية لتقديم أجود الخدمات في كافة القطاعات، بالتالي الحكومة ليست لهم ليخطوا قرارات تتعلق بالترقيات والترفيعات والمواصلات بل كل القرارات يجب أن تكون لصالح الشعب المستهلك لخدمات الدولة، يجب ان يفكروا جميعا بالعمال والحالات الاجتماعية والمعاقين والمسنين واللاجئين والمتضررين من الاستيطان والجدار والأمن الغذائي وسلامة الأغذية وتوفير السكن الملائم وشبكة طرق عصرية وقطاع مواصلات عصري وقطاع اتصالات صديق للمستهلك والقطاع الصحي والحكم المحلي.
اليوم، بتنا بحاجة الى استعادة ترميم علاقة الحكومة مع مؤسسات المجتمع والاتحادات الشعبية التي نالها ما نالها وبات متاحا عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور وبات متاحا المس بحقوق المستهلك.
الحكومة باتت مدعوة لإعادة الاعتبار للقدس والانتقال من الحديث عن القدس الى العمل في القدس وللقدس، الإسكان في القدس، الصحة، التعليم، الثقافة والفنون، الأوقاف، السياحة.
وأنا على ثقة أن الحكومة ستعيد فتح ملفات عشرات التوصيات التي صدرت عن مؤتمرات علمية محكمة في القضايا الاقتصادية والتنموية والمالية والاجتماعية، ولعل المثال الساطع المؤتمر الاقتصادي الذي عقده معهد السياسات الاقتصادية – «ماس» وتم تشكيل لجنة متابعة إلا أن شيئا لم يحدث رغم أهميته، وعشرات ورشات العمل واللقاءات نظمتها جمعيات حماية المستهلك حول حقوق المستهلك في القطاع الصحي والاتصالات وقطاع النقل والمواصلات وسلامة الأغذية وحقوق المستهلك في قطاع البنوك والقطاع المالي وحقوق المستهلك في قطاع التأمين وصيغت التوصيات، ولكن في معظم الأحوال ظل الحال على حاله.
لعل الحكومة تقوم بإعادة النظر في ملفات استثمار عالقة في الدروج لشركات عملاقة على مستوى الوطن العربي ووجودها سيفتح فرص عمل جديدة لصالح الشباب والصبايا، ولم يعد مقبولا أن نظل أسرى لاعتراضات العاملين تاريخيا في قطاع النقل والمواصلات، في كل العالم جرى اتخاذ إجراءات توافقية بين الفرقاء على قاعدة القانون وضمن محددات واضحة المعالم تكفل لكل حقوقه، دعونا نعد لصيغة الإطلاق التجريبي بعدد محدد وضمن شروط حازمة ومن ثم نقرر.