«صفقة القرن» هدفها دفع الفلسطينيين للرفض فقط ..!!

thumb (5).jpg
حجم الخط

أكرم عطا الله

بعد أن أنهى بنيامين نتنياهو خطاب بار إيلان الشهير عام 2008 والذي اعترف فيه بحل الدولتين عرج على منزل والده الذي رفض ذلك الخطاب وطلب نتنياهو الابن من والده المتطرف ألا يقلق لأنه رفع سقف الشروط المطلوبة والتي سيرفضها الفلسطينيون، ما يخلي مسؤولية إسرائيل عن تعطيل الحل وتحميل المسؤولية للفلسطينيين.
قبله كان ايهود باراك عام 2000 يتزعم حزب العمل عندما ضغط على الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لعقد قمة كامب ديفيد الثانية والتي عارضها الفلسطينيون في البداية، رفع حينها باراك شعاراً كبيراً قائلاً: "إنه سيقلب كل حجر من أجل التسوية" كان يريد أن يظهر للعالم أنه يبحث عن التسوية وهو الذي عارض أوسلو "ب" أو أن يقدم شيئاً يرفضه الرئيس الراحل ياسر عرفات ليتحمل الفلسطينيون المسؤولية أمام العالم، بعد أن أدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن لا مجال للتوصل للتسوية مع عرفات.
قبلهم كان مؤسس المشروع دافيد بن غوريون الذي اعترف بقرار التقسيم 181 والذي رفضه العرب حينها، وقد كتب في مذكراته أنه لم يكن يكتفي بتلك المساحة التي حددتها الأمم المتحدة لدولة إسرائيل، ولكنه أعلن قبوله لذلك القرار لأنه كان يعرف تماماً أن العرب سيرفضونه، وبالتالي لا تتحمل إسرائيل تبعات الرفض بل وتستأنف احتلالها لمزيد من الأراضي الفلسطينية معتمدةً على الرفض العربي.
تلك مدرسة إسرائيلية غاية في الدهاء تقف أمامها مدرسة فلسطينية تبدو مبتدئة تمارس رفضها الدائم غير المدروس يحمل جملاً إنشائية، لكنها لا تصنع سياسة حيث يجري تسجيل مواقف دون أن تكون مقدمة لبرنامج يتكئ عليه هذا الرفض، بل يترجمه الى سياسة عملية صحيح أنها تساهم برفع الأسهم لدى الرأي العام لكنها تفتقر الى روافع تجعل من الرفض مقدمة لمشروع لاحق.
تلك معضلة السياسة الفلسطينية مبكراً، حيث تعتبر إعلان الموقف ينوب عن البرنامج، وأن كل ما على السياسة الفلسطينية هو أن تقول كلمتها وتمشي، وبعد كل موقف ينحشر الفلسطيني في الزاوية أكثر حين يضعه الإسرائيلي في زاوية ضيقة لا تترك له خيارات، حدث هذا منذ بن غوريون مروراً بباراك حين كان الموقف في كامب ديفيد يُظهر الفلسطيني كأنه مسؤول عن إضاعة الفرصة لتستبيح دمنا بعد ذلك في الانتفاضة.
لماذا هذا الحديث الآن؟ لأن الإدارة الأميركية كما يصرح مستشار الرئيس الأميركي جبسون غرينبلات بصدد طرح الخطة الأميركية التي بات يتم تداولها باسم صفقة القرن بعد شهر رمضان أي حزيران القادم، وهي الخطة التي أصبح واضحاً أن هناك إجماعاً فلسطينياً على رفضها من قبل كل الأطراف والقوى والتجمعات والتيارات الفلسطينية، وهذا طبيعي، لكن هذا الأمر يتناسق تماماً مع السياسات الإسرائيلية السابقة وهي دفع الفلسطينيين دوماً الى خيار واحد ووحيد وهو الرفض.
 ليس هذا هو سلوك الإدارة الأميركية السياسي الذي عهدناه، فقد أعلن مراراً كل رؤساء البيت الأبيض أن الإدارات لن تفرض أي حلول على الطرفين، بل إن واجبها مساعدة المفاوضات ورعايتها، لكن هذه المرة هناك ما يُشتم في السلوك الأميركي رائحة إسرائيلية صرفة، فقد قامت إدارة الرئيس ترامب ومساعدوه بكل ما يمكن أن يمنع حل الدولتين والقضاء على أية حلول، وبعد كل الضربات التي وجهتها الادارة الأميركية للفلسطينيين بهدف استفزازهم كمقدمة لرفض أي شيء يأتي من الجانب الأميركي، وفي ظل هذا المناخ المتوتر ستتقدم بخطة تسوية ..كيف يعقل هذا؟
كل ما فعلته الإدارة الأميركية هو استدراج الفلسطينيين نحو الرفض، وهو كما قلنا ليس ضمن التقاليد السياسية الأميركية المتبعة، بل هو استمرار ودهاء بن غوريون وباراك انتهاء بنتنياهو، أي إغضاب الفلسطينيين لإعلان "اللا" الكبيرة وتحميلهم مسؤولية الفشل، وبعدها يحق للإسرائيلي أن يفعل ما يشاء باعتباره قد "أخلى مسؤوليته عن هذا الفشل وقبل بالتسوية، لكن الفلسطينيين لا يريدون حلاً" كما اعتاد نتنياهو أن يردد وغيره من المسؤولين الإسرائيليين.
إذاً، نحن أمام كمين هو الأكبر منذ أن بدأت عملية التسوية بين الجانبين، فقبل تلك العملية كانت السياسة الفلسطينية بعيدة عن كل حقول الألغام التي تنصب لها بلا توقف، وبعد كل حقل يخرج الفلسطيني جريحاً أو يخسر أحد أعضائه مستمراً في حالة نزيف دائم للأرض والإنسان، الأرض التي لم تتوقف مصادرتها وسرقتها وبناء المستوطنات عليها، والإنسان في غزة والذي انزلقت حركة حماس الى خانة الرفض المطلق التي يريدها الإسرائيلي لنرى ما حدث من إنهاك للبشر وإفقار وتدمير للحياة والمجتمع في القطاع.
المطلوب من الرفض الفلسطيني هذه المرة هو إغلاق ملف الصراع دفعة واحدة والتخلص من القضية الفلسطينية وتطبيق كل السياسات الإسرائيلية دفعة واحدة، فلم يكن نتنياهو مخادعاً هذه المرة، وهو يتحدث عن فصل نهائي بين قطاع غزة وما أسماها بـ "يهودا والسامرة" أي الضفة الغربية، وهذا بالتأكيد لاستكمال مشروع كيانية غزة والسيطرة على الضفة الغربية، وهو بات جلياً، ولكن كيف يمكن ضم الجزء الأكبر من الضفة؟ هذا يتطلب رفض الفلسطينيين أولاً لخطة هزيلة وهو ما ستفعله الإدارة الأميركية ...!