لم يعرف السودان إنتاجا سينمائيا غزيرا إلا من خلال الأفلام التسجيلية القصيرة والصامتة، فقد دخلت السينما إلى البلاد مطلع العشرينيات من القرن الماضي، عن طريق المحتل الإنجليزي، للترويح عن رعاياه وجنوده المنتشرين في السودان.
وفي عام 1949 تأسست أول وحدة لإنتاج الأفلام في السودان التي اقتصر إنتاجها على الأفلام الدعائية للتاج البريطاني.
وعقب استقلال البلاد عام 1956 كان لدى السودان نحو 70 دارا للسينما، بدأت تتناقص حتى أصبحت أقل من أصابع اليد الواحدة نتيجة الإهمال، وتراجع اقتصاد البلاد.
وبرع الفنانون في إنتاج الأفلام القصيرة الوثائقية، وشهدت فترة السبعينيات نجاحات مقدرة في هذا المضمار، فقد فاز فيلم (الضريح) للروائي الطيب المهدي بذهبية القاهرة للأفلام القصيرة عام 1970، ونال فيلم (ولكن الأرض تدور) لسليمان محمد إبراهيم ذهبية مهرجان موسكو عام1979.
وصمد هذا النوع من الفنون رغم التحديات وشح التمويل، لكن حركة الإنتاج السينمائي الكبير تكاد تكون شبه معدومة، فيما أصاب الإنتاج الفردي الكساد نتيجة لقلة المردود المادي.
معوقات
وعن مشكلات صناعة السينما في السودان، يقول الأمين العام لاتحاد السينمائيين السودانيين عبادي محجوب، "إن السياسات الحكومية أدت إلى ما وصلت إليه السينما اليوم".
وأضاف أنه "كانت هناك مؤسسة الدولة للسينما، مع وجود أكثر من سبعين دار عرض في السودان، ولجنة لاستيراد وتوزيع الأفلام، ولجنة للرقابة على الأفلام السينمائية، ممثلة في كل فئات المجتمع (الشرطة والشؤون الدينية وغيرها).
وأشار إلى أنه "بغياب هذه اللجان والمؤسسة أغلقت دور العرض التي كانت مسرحاً وميداناً للثقافة، وانتشرت أندية المشاهدة في أماكن وأحياء طرفية وفي وسط الأسواق وبالقرب من دور العرض السينمائي المغلقة، حيث أصبحت تعرض الأفلام الهابطة".
وتقول المخرجة والممثلة سهام الخواض،
إنه "تم وأد الفعل الثقافي، خاصة الفنون، وقد تم بترها من جذورها بإغلاق دور العرض، وحل المؤسسات، مثل مؤسسة الدولة للسينما".
وعزت تراجع الفنون عموماً في السودان إلى "إخضاع جميع الوظائف لهوى السياسيين وانتماءاتهم، وإبعاد المبدعين وتشريدهم، وانعدام الحريات وقلة الإنتاج".
وأضافت الخواض أن "المسرح والدراما يتطوران بالتراكم الكمي والنوعي واستمرار الإنتاج، وفي مقدمتهم الدعم المالي في دولة فيها رأس المال جبانا، هذا بجانب الفهم القاصر للفنون في حد ذاتها" .
خشبة بلا مبدعين
ويقول الموسيقار الدكتور أنس العاقب إن الانشغال بالسياسة، وانعدام التفكير في اﻷمور التي يتوجب علينا التعامل معها لجعل الحياة محتملة، تعد أسبابا لاندثار السينما وانهيار بنياتها التحتية.
بدروها، أكدت الكاتبة الصحفية المهتمة بالفنون صباح محمد الحسن، أن "ما يعانيه المسرح هي حالة إعياء ودوار، عانت منها السينما من قبل، إلى أن وصلت إلى مرحلة متأخرة يصعب الشفاء منها بسهولة".
وأعربت عن أسفها من تحول المسرح إلى "خشبة تفتقد ملامح العمل المسرحي المبدع المشحون بالموهبة والخبرة والكفاءة، بعد أن أصبح المسرح قبلة لكل من هب ودب".
وقالت إن الحركة الابداعية المسرحية السودانية تشهد "ترديا وتراجعا ليس فقط على مستوى المادة، ولكن على مستوى الطرح الإبداعي أيضا"، مؤكدة على ضرورة خلق "كادر مسرحي حقيقي".
وألقت الحسن باللائمة على الدولة في تراجع الفنون المسرحية والسينمائية عموما، قائلة إن "وزارة الثقافة تعد من أفقر الوزارات السودانية، وما يجري في الولايات هو جهد ضئيل، وهو عبارة عن كرنفالات جوفاء ينقصها الكثير ولا يصح تسميتها بحراك إبداعي ثقافي".