بقلم: أ. د. معين رجب

دوافع انعقاد "القمة العربية الثلاثية" بالقاهرة

دوافع انعقاد "القمة العربية الثلاثية" بالقاهرة
حجم الخط

غزّة - وكالة خبر

جاء انعقاد هذه القمة في تقديرنا كأمر طارئ استدعته سرعة وتلاحق التطورات في المنطقة وخطورة هذه التطورات، رغم أنه لا يفصل هذه القمة عن انعقاد القمة العربية العادية الثلاثين في تونس 31 / 03/ 2019 سوى أسبوع واحد . إن من بين أحدث هذه التطورات إسقاط صفة الاحتلال على كل من الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية ، وتوقيع ترامب إعلانا رئاسيا بسيادة إسرائيل على الجولان بتاريخ 25 آذار/ 03/2019 وقد سبق ذلك في العام الماضي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، و غير ذلك من الخطوات ذات الصلة.

إن شروع الولايات المتحدة باتخاذ خطوات من هذا القبيل يشير إلى أنها ماضية قدماً في اتخاذ خطوات أخرى نحو الضفة الغربية من خلال إعلان سيادة إسرائيل عليها ،ومن ثم تهجير أغلب سكانها للضفة الشرقية لنهر الأردن، وهو ما دعي الحكومة الأردنية للإفصاح صراحة عن حقيقة مخاوفها لأن تكون الأردن هي الوطن البديل للفلسطينيين ، ولم تعد هذه الخطوة خافية على أحد ف "إسرائيل" ممعنة في تهويد القدس وتهويد الضفة الغربية وتكثيف الاستيطان بها وسلب أراضيها، مما يجعلها تفرض واقعاً جديداً على الأرض الفلسطينية ومفاده إن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً للمرجعيات الدولية أصبح أمراً غير ممكن وغير قابل للتنفيذ، فالضفة الغربية أصبحت أراضيها مقطعة الأوصال و لا روابط بينها سوى عبر الحواجز والقيود الإسرائيلية، وأصبحت المستوطنات الإسرائيلية هي المناطق المترابطة وحرية التواصل بها مكفولة عبر شبكة طرق حديثة واسعة وسريعة، بخلاف حالة المدن والتجمعات الفلسطينية التي يعاني سكانها من صعوبات جمة في التنقل من مكان لآخر، مع الحاجة إلي تصاريح لوصولهم الى أراضيهم الزراعية خلف الجدار الفاصل فالاستيطان يتسع والأراضي الفلسطينية تنحسر، فضلا عن عزلة الضفة الغربية عن قطاع غزة و أنهما واقعيا في حكم الانفصال.

هذا ولا يتورع الرئيس الأمريكي عن مساندة إسرائيل في هذه الخطوة خاصة وانه في حاجة لكسب كافة أصوات الأمريكان اليهود في الانتخابات الرئاسية القادمة  .

ليس هذا فحسب،بل إن إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين هي في جوهر المخطط من خلال توطينهم في البلاد العربية التي يقيمون بها حالياً، مع السماح لجزء محدود جدا منهم بالعودة الى فلسطين التاريخية ، على أن تتحمل دول الخليج فاتورة النفقات المترتبة على ذلك . و التي قٌدرت بنحو 65مليار دولار.

إن الأردن قد استشعرت الخطر الذي يلحق بها من خلال اعتبار شرق الأردن  هو الوطن البديل المستهدف للفلسطينيين، وهو ما دفع العاهل الأردني للقول أن القدس ومستقبل فلسطين خط احمر بالنسبة للأردن وان مواقف المملكة الأردنية الهاشمية وكل الأردنيين ثابتة بالنسبة للقدس والوطن البديل والتوطين ، وان جولة الملك التي بدئت  في  27/3/2015 وتشمل المغرب وايطاليا وفرنسا وتونس لحضور القمة العربية ستركز على القدس المحتلة وعملية السلام.

كما استشعرت مصر أنها طرف في تطبيق سياسة الأمر الواقع الراهنة من خلال تخصيص جزء من أراضي محافظة شمال سيناء في المنطقة المحاذية لمدينة رفح الحدودية وضمها لقطاع غزة، بحيث  تسمح المساحة الجديدة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين الذين يتعذر توطينهم في الأراضي التي يقيمون بها حالياً كحالة لبنان على سبيل المثال  .

إن العراق تستشعر بدورها مخاطر جمة من خلال سطوة القوات الأمريكية التي لا تزال تحتل جزءاً من أراضيها ، فالعراق عرضة للتقسيم إلى ثلاث كيانات : للكرد في الشمال وآخر لأهل السنة في الوسط وثالث للشيعة في الجنوب وذلك بالترتيب مع تركيا المتخوفة من قيام كيان كردي وانفصالي في جنوبها الشرقي لكي يكون متواصلا مع كيان مشابه في شمال كل من العراق وسوريا ، مما يستدعي التهوين من مخاوفها بإشراكها في استثمار الثروات النفطية والغازية في كلا الدولتين.

وهكذا وجدت كل من مصر والأردن والعراق ضرورة الإسراع بعقد "قمة القاهرة" بين قادة الدول الثلاث و على عجل دون انتظار لانعقاد قمة تونس في 31/3/2019 ، مع تلافي الأجواء التي صاحبت انعقاد قمة بيروت في كانون الثاني / يناير 2019 التي انخفض فيها مستوى تمثيل الحضور بشكل ملفت وغير معتاد حيث انعكس  مستوى التمثيل على النتائج التي خرج بها المؤتمر المشار إليه ، مع بقاء عضوية سورية معلقة في جامعة الدول العربية ، إن الحديث عن القمة الثلاثية لمصر والأردن والعراق لا يعني أن بقية الدول العربية في منأى عن التطورات والأحداث الصعبة التي تعيشها المنطقة العربية، فالدول العربية كافة تعاني من المشاكل والصعوبات والتحديات الخطيرة التي ساهمت في مزيد من التفتت والعزلة ، بل والخلافات الحادة والتصادمات في حالات كثيرة .

أما عن البيان الختامي للقمة العربية الثلاثية بالقاهرة وإن لم يأت بشيء جديد حول ما يصدر عادة عن اللقاءات العربية على اختلاف مستوياتها من قرارات فضفاضة وغير ملزمة إلا أنه تضمن ما يؤكد على أهمية القضايا ذات الأولوية وذات الخصوصية بالنسبة لبلدانها وكان من أبرز ما تضمنه البيان الختامي لهذه القمة ما يلي:

  1. إعادة التأكيد على أن فلسطين هي القضية المركزية للعرب مع ترجمة هذا القرار بشكل عملي من خلال دعم الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه كاملة ،خاصة بإقامة الدولة الفلسطينية على التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية ، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية  والمرجعيات المعتمدة  .
  2. التأكيد على أهمية العمل العربي المشترك بين البلدان الثلاثة بما يؤدي إلى تعميق وتوثيق العلاقات التاريخية بينهم وتعزيز مستوى التنسيق والاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها التواصل الجغرافي بينهم  .
  3. تستدعي الضرورة التعاون الوثيق والتنسيق الاستراتيجي بحيث لا يقتصر التعاون على البلدان الثلاثة بل يكون شاملاً للدول العربية جمعاء ، و ذلك على ضوء استعراض التطورات الراهنة التي تشهدها المنطقة ، واستمرار الأزمات في سوريا وليبيا واليمن وغيرها .
  4. تأكيد القادة على أهمية مكافحة الإرهاب بكافة صوره ومواجهة كل من يدعمه بالتمويل والتسليح والملاذات الآمنة مشددين على أهمية استكمال المعركة الشاملة على الإرهاب في كل من سوريا والعراق .
  5. دعم الجهود العراقية لاستكمال إعادة الاعمار وضمان حقوقه العراق الوطنية وحقوق مواطنيه .
  6. التعاون في مجال البيئة والبنية التحتية وزيادة التبادل التجاري وتطوير المناطق الصناعية ودعم القطاعات الإنتاجية .
  7. تعزيز التكامل الاقتصادي العربي الذي يحظى باهتمام القادة المجتمعين وقد تبلور ذلك في طرح ومناقشة عدد من الأفكار التي تعزز هذا التكامل و أهميته في العلاقات العربية البينية.
  8. تشكيل فريق عمل لمتابعة أعمال هذه القمة تحت رعاية القادة الثلاث، لتنسيق أوجه التعاون الاقتصادي والإنمائي والسياسي والأمني والثقافي، والتأكيد على أهمية الاجتماع بصفة دورية لتنسيق المواقف والسياسات من أجل تحقيق مصالح شعوبهم في الاستقرار والازدهار وتحقيق الأهداف المشتركة من خلال التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وبناء علاقات دولية متوازنة .
  9. معاودة الاجتماع في موعد ومكان يتم الاتفاق عليه لاحقاً فيما بينهم، لسرعة متابعة ما تم الاتفاق عليه و الأخذ بعين الاعتبار أية تطورات لاحقة ذات صلة.