ثورتا الجزائر والسودان.. يصنعان الغد العربي الأفضل.. بالثورة

talal-salman-200.jpg
حجم الخط

بقلم: طلال سلمان

 

مر، حتى اليوم، شهران على الانتفاضة المجيدة في الجزائر التي أطاحت بالرئيس المشلول عبد العزيز بوتفليقة، ورفضت حكم العسكر بقيادة رئيس اركان الجيش، وواصلت تظاهراتها السلمية كل يوم جمعة مطالبة باستعادة السلطة في الجمهورية التي بنتها تضحيات المليون شهيد من ابنائها في مواجهة الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي فرض هويته الاجنبية على أبطال هذه البلاد التي تحملت انكار هويتها الوطنية ـ بالقهر ـ لأكثر من مائة وخمسين عاماً..

أما الانتفاضة المجيدة في السودان، والتي نجحت في خلع الدكتاتور البشير الذي حكم بالعسكر لمدة تقارب الثلاثين عاما، والتحايل بإظهار شيء من التقارب مع مصر وبعض دول الخليج التي استقبلته بعنوان السعودية والامارات فضلاً عن زيارة غير مفهومة لسوريا، فضلاً عن مصر.. لإظهار انه لا يأبه بالقرار الاميركي بالحجر عليه في الخرطوم ومنع تحركه خارجها، الذي سرعان ما صار امميا بفرض نوع من الاقامة الجبرية على حاكم السودان.

وفي خضم بحر من التظاهرات المليونية التي ملأت شوارع العاصمة السودانية بفرعيها، الخرطوم والخرطوم بحري (الأولى على النيل الابيض والثانية على النيل الازرق) وفي القلب يلتقيان من حول سيل الجماهير الغاضبة المطالبة بالتغيير..

وكما في الجزائر كذلك في السودان، رفض الشعب حكم العسكر وطالب، هنا كما هناك، بعودة الحكم إلى الشعب، وهو قادر ومؤهل وواع بمسؤولياته وبقدرته على قيادة التغيير بإرادته، وعبر سلطة يختارها بنفسه عبر صناديق الاقتراع في جو من الحرية وحق المواطن في التعبير عن رأيه بعيداً عن الضغوط وأساليب القمع والتزوير.. وما اكثرها!

في أي حال، فقد بادر نظامان عربيان، هما نموذجان صارخان للديمقراطية وحرية الرأي والعمل إلى ارسال نجدة سريعة هي بمثابة رشوة علنية لعسكر السودان بمليارات الدولارات، توكيداً للأخوة المذهبة وللشراكة في الايمان بحق الشعب في أن تكون إرادته الحرة من دون ضغط او اكراه مذهب..

ومؤكد أن الهدف المنشود من هذه الرشوة هو شق صفوف المعارضة او تقوية وتعزيز وتشجيع العسكر على الاحتفاظ بالحكم، وقمع هذه “الغوغاء” في الشارع عن طريق اتهامها بالشيوعية او بالانتهازية او بالفوضوية تمهيداً لتمزيق صفوفها، ثم استفراد “فصائلها” وضربها فريقا إثر الآخر، “لتوطيد الوحدة الوطنية وحماية الارادة الشعبية” ومنع العبث بالاستقرار… الذي يأخذ البلاد إلى الفوضى، ثم تأخذه الفوضى إلى الانهيار، وربما إلى تمزيق كيانه وانشطار البلاد حسب الجغرافيا إلى شرق وغرب وشمال، كما ما جرى قبل ذلك مع الجنوب الذي اكتشف الغرب، ومن ضمنه الفاتيكان، أن القلة القليلة من المسيحيين الزنوج في جنوب السودان ترغب ـ ومن حقها الانفصال، لأنها تنتمي إلى عرق آخر ودين آخر!.. مع أن احداً في الشمال لم يزعج اهلهم في الجنوب ولم يعيرهم بسواد بشرتهم خصوصاً وان اهل الشمال سمرة بشرتهم غامقة، وطالما اعتبروا الجنوبيين اشقاءهم، ماضياً وحاضراً، تجمعهم بهم وحدة الارض والمصير.

ومن اسف فقد حمل الانفصال أهل الجنوب إلى اسرائيل التي بادرت إلى اتخاذ ارضه باسم الغرب الاميركي وبمساعدته ـ قاعدة عسكرية للقوات الاجنبية ولبعثات المبشرين، وهم بغالبيتهم المطلقة من الجواسيس الاسرائيليين ورجال المخابرات الاميركية الذين يعملون منذ حين على محاولة اغواء مناطق أخرى في السودان على الانفصال، كل بحسب درجة السمرة في بشرته وهل هي تجعله زنجياً فتخرجه من هويته العربية ودينه الاسلامي فيسهل تهويده عبر البروتستانتية او ما يماثلها من دعوات الانشقاق في المسيحية.

… وها هي القاهرة تستضيف الآن مؤتمراً افريقيا في القاهرة، عنوانه: بحث الاوضاع في كل من ليبيا والسودان…

واذا كان مفهوماً ومطلوباً وقف هذه الحرب العبثية التي تدور في ليبيا، منذ بضعة أشهر، بين “جيش حفتر” وما يسمى “السلطة الشرعية”، فليست الحال في الجزائر او في السودان مشابهة او مماثلة.. فلماذا لا يكون لشعب السودان الحق في القرار بشأنها؟!

ومن المفرح أن تكون الجماهير العربية في مختلف ارجاء الوطن العربي في الجزائر والسودان قد استقبلت هذين الحدثين المهمين بعظيم التأييد والمباركة، مع شيء من الخوف على هذه الانتفاضات المجيدة، لأنها باتت تخشى على محاولات التغيير المباركة من خصومها المحليين الذين يـأتمرون بقرار الخارج (الاميركي اساسا او من ينوب عنه من العرب محرضاً او مسلحاً وممولاً بالذهب والمرتزقة)..

لقد اغتيلت ثورة المليون شهيد في الجزائر مرة واثنتين وثلاثا:

في البداية انقلب العقيد هواري بومدين على اول رئيس للدولة التي استعادت هويتها العربية بثورة المليون شهيد على الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي فرض هويته ومعها لغته على شعب الجزائر العربي والذي كان مواطنوه يبكون لانهم لا يتقنون لغتهم الام لان الاستعمار قد منعهم من تعلمها كما من تعليمها..

وهكذا أخرج العقيد في الجيش هواري بو مدين الرئيس الشرعي الاول لجمهورية الجزائر الشعبية الديمقراطية احمد بن بله من قصر الرئاسة ليرميه في السجن لمدة تزيد على خمسة عشر عاماً، ولم يفرج عنه ويسمح بخروجه إلى المنفى في فرنسا، ثم في سويسرا، الا قبيل وفاته.. وجعل نفسه ملكاً على عرش الجزائر، لا تسقط شعرة من رأس أي مواطن الا بأمره.

كذلك فقد توالت الانقلابات العسكرية في السودان، الذي كان الحكم المدني فيه طبيعيا، وحياة الناس آمنة، وفي البلاد احزاب شبه دينية كحزب الامة الذي يتوارثه ابناء مؤسسيه من آل المهدي، والحزب الشيوعي الذي كان له مكانة مميزة في هذا البلد بشعبه الطيب، برغم فقره وعجزه عن الافادة من ارضه فسيحة الارجاء والخصبة جداً بفضل النيلين (الازرق والابيض). واحزاب سياسية أخرى محلية التوجه على أن الاعظم تأثيرا هو الاتحاد العام لنقابات العمل الذي كان بين مؤسسيه الراحل الشفيع احمد الشيخ..

آن أن ترتاح الجزائر التي تختزن ارضها ثروات هائلة من النفط والغاز، وان يتمكن شعبها صاحب التجربة الفريدة في التاريخ الانساني اذ دفع اكثر من مليون شهيد جزاء استعادة هويته الاصلية وارضه الغنية ليبني فوقها دولته الحرة التي تمكنه من تعويض ماضيه الذي كان مصادراً ببناء غده الافضل فوق أرضه..

كذلك فان حق السودان، صاحب التجربة السياسية العريضة، والذي كان أمينه العام الاسبق عبد الخالق محجوب الصديق الشخصي للرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، والذي زاره بعد هزيمة 5 حزيران 1967 ليقول له: بلغني ما لا تستطيع قوله للسوفيات او لا تستطيع أن تطلبه وانا اذهب اليهم كأمين عام لحزب شيوعي قوي ومؤثر في السودان والمنطقة العربية، لأطلبه محتجاً على تأخرهم في تلبيته..

لقد جاءت ثورة الجزائر الجديدة، ومن بعدها ثورة شعب السودان، بشارة خير للعرب في مختلف اقطارهم، تفيد بأن حقهم في مستقبل أفضل يكاد يصل اليهم مخضباً بدمائهم التي بذلوها رخيصة لتكون ارضهم لهم وهم اهلها الاحرار.

حمى الله شعب الجزائر، مقيماً ومغترباً، من مؤامرات الخارج و”التسهيلات” التي قد يتبرع بتقديمها بعض الاشقاء الذين يستقوون بالثروة على الثورات.. ومن حق الثوار المخلصين والصادقين أن يبنوا في بلادهم، وللعرب في مختلف ديارهم المستقبل الأفضل الذي يستحقونه بفعل تضحياتهم وصبرهم على مكاره سلطات القمع في بلادهم كل هذا الزمن..

وحمى الله شعب السودان الصابر والطيب والكادح والظريف الذي تطربه النكتة كما يهزه الفرح فيرقص طرباً..

ولنأمل بأن نكون قد اقتربنا من ذلك “المجهول” الذي نحلم بان يهبط علينا ذات صباح مبشراً بالمستقبل الأفضل.