نقاش في موضوعة الهدف الإستراتيجي للشعب الفلسطي

21254 (1).jpg
حجم الخط

بقلم: د. مصطفى البرغوثي/ الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

بقلم: د. مصطفى البرغوثي/ الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية

لا يمكن تحديد الهدف الإستراتيجي لنضال الشعب الفلسطيني دون فهم علمي للواقع الذي يعيشه.

وهناك معطيات لهذا الواقع لم يعد ممكنا تجاهلها.

وهي أولا.. أن كل مكونات الشعب الفلسطيني تعيش اليوم نمطا واحدا من الإضطهاد العنصري الإسرائيلي ، وهو نظام الأبارتهايد، الذي يمس حياة ومصالح الفلسطينيين في الداخل، وفي الأراضي المحتلة، وفي الخارج.

وثانيا... أن إسرائيل ، وبدعم مطلق من الإدارة الأميركية تقضي على فكرة ما يسمى، بحل الدولتين وقد أزالت فعليا الحدود بين الضفة الغربية وباقي فلسطين التاريخية تمهيدا للضم والتهويد الشامل .

وثالثا.. أن الحركة الصهيونية ، وحكومة إسرائيل تضع كل ثقلها وثقل مخططاتها، لفصل السكان الفلسطينيين عن الأرض ، تجنبا لوقوع الكارثة الديموغرافية بضم سكان الأراضي المحتلة لإسرائيل.

وهي لذلك تبحث عن حلول للأزمة الرئيسة لمشروعها، وهي الأزمة الديموغرافية، تارة بترسيخ فصل غزة عن الضفة الغربية، وتارة بالترويج لفكرة الكونفدرالية مع الأردن، بحيث تشمل سكان الضفة دون أرضها، وتارة بالتضييق الإقتصادي والإجتماعي لتشجيع هجرة الفلسطينيين ، وأخيرا بمشروع صفقة القرن الرامي إلى إستخدام التخدير الإقتصادي لتكريس منظومة معازل تدار بحكم ذاتي هزيل، دون سيادة، ودون صلاحيات، ودون مقومات دولة.

لسنوات طويلة منذ الثمانيات تبلور الهدف الإستراتيجي الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس وحظي هذا الهدف بتأيد عربي ودولي.

ورأت فيه كثير من الأطراف الدولية بديلا لما كانت حركة التحرر الوطني الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية تتبناه وهو إقامة " الدولة الديموقراطية الكاملة " في كل فلسطين.

ولسنوات طويلة سكتت نفس الأطراف الدولية على إمعان إسرائيل في توسيع الاستيطان الاستعماري الذي يقضي على فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة .

كما إمتنعت عن إتخاذ أي إجراءات عقابية ضد ما قامت به إسرائيل من خروقات متكررة، منهجية ومتواصة، للقوانين والقرارات الدولية.

رأينا العراق يعاقب، ثم رأينا السودان يعاقب، ثم رأينا ليبيا تعاقب ، ثم رأينا إيران تعاقب وكوريا تعاقب بحجة نشاطها النووي، ثم رأينا روسيا تعاقب، وتركيا تعاقب، ولم تتجرأ دولة واحدة على فرض عقوبات على إسرائيل والتي تملك ما يقدر بمئات القنابل النووية، بل الهيدروجينية ، باستثناء جنوب إفريقيا التي خفضت التمثيل الدبلوماسي مع إسرائيل ردا على عنصريتها.

ورأينا "ملك إسرائيل" نتنياهو يكافأ بدل أن يعاقب على فساده، وإستعماره الإستيطاني، ونهجه في قتل إتفاقيات السلام، وأخيرا إعلانه الصريح لنواياه بضم الضفة الغربية.

كافأته الإدارة الأميركية بنقل سفارتها للقدس والإعتراف بضم الجولان ، والمس بحقوق اللاجئين ، وبفرض عقوبات على الفلسطينيين ومنظمة التحرير، وستكافئه قريبا بما يسمى " بصفقة القرن" التي لا شك لدي بأنه أملى بنودها بنفسه.

وتبرز هنا ثلاثة أسئلة رئيسية:

هل ما زال صحيحا تجزئة نضال الفلسطينيين الذي نشأ بعد إتفاق أوسلو، وتبني حل الدولتين؟

وهل يمكن إلحاق الهزيمة بنظام الأبارتهيد العنصري، دون توحيد طاقات وجهد ونضال كل مكونات الشعب الفلسطيني سواء الذين يعيشون داخل أراضي 1948 ، أو في الأراضي المحتلة عام 1967، أو في الخارج وفي مخيمات اللجوء؟

والسؤال الثاني، هل حان أوان تبني هدف إسقاط كل نظام الأبارتهايد والفصل العنصري في كل فلسطين التاريخية وليس في أجزاء منها؟

والسؤال الثالث ، ما الذي سيحدث للهدف المعلن بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 ؟

وكيف يمكن الرد على استغلال اسرائيل لتبني هدف أسقاط الأبارتهايد و شعار الدولة الديموقراطية الواحدة، لتبرير ما تقوم به من قضاء على فرص قيام دولة مستقلة فلسطينية مستقلة؟

وهذه أسئلة لا يمكن الإجابة عليها، دون التأكيد على ثلاثة أمور:

أولا أن النضال الفلسطيني لإسقاط النظام العنصري وإرساء نظام ديموقراطي يتساوى فيه الناس في الحقوق والواجبات في دولة واحدة تشمل كل فلسطين التاريخية ، يجب أن لا يقتصر على المساواة في الحقوق المدنية، بل وأن يتضمن الحقوق القومية للشعب الفلسطيني.

وثانيا أن بلورة الهدف الإستراتيجي لا يمكن أن يتم دون آلية لتحقيق الحد الأقصى من الإجماع الفلسطيني عليه.

وثالثا أن صعوبة التحديات والأسئلة المطروحة لا تبرر ، ولا يمكن ان تقبل كمبرر ، للمراوحة في المكان ، فالمرواحة أثناء معركة محتدمة لن تؤدي إلا إلى الفشل