فوز الليكود صار بطعم الخسارة

رجب أبو سرية.jpg
حجم الخط

رجب أبو سرية

رغم أن خبرة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود في الحكم طويلة، وكانت كافية في الانتخابات التي جرت في التاسع من هذا الشهر، لأن يتجاوزها بنجاح، رغم أن حكومته السابقة هي التي كانت قد بادرت إلى تبكير موعد الانتخابات، قبل موعد أجرائها بنحو نصف عام، إلا أن المثل الذي يقول: غلطة الشاطر بألف، يبدو أنها تنطبق عليهما اليوم، بعد مرور أسبوعين من تكليفه رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة.
كان يبدو أن الأمور تسير جيداً، وأن خبرة الليكود ونتنياهو جعلته في الانتخابات الأخيرة يركز على ضمان الأغلبية اليمينية وليس فقط على فوز حزب الليكود بمكانة القائمة التي تحصل على اكبر عدد من المقاعد، خاصة بعد أن خرج «إسرائيل بيتنا» وزعيمه افيغدور ليبرمان من الحكومة السابقة، وبعد أن انشق نفتالي بينيت وايليت شكيد من حزب البيت اليهودي وذهبا إلى الانتخابات بحزب اليمين الجديد، فقام نتنياهو بتشكيل قائمة اتحاد الأحزاب الوطنية من كل من «البيت اليهودي» و»الاتحاد الوطني» و»عتسما يهوديت» متحدياً بذلك حتى «الأيباك» الأميركي، ومغامراً إلى حد بعيد في الشراكة مع العنصريين اللذين كانت الكنيست نفسها قد حظرت ترشحهما للانتخابات عام 1988 .
ويبدو أن نتنياهو قد توقع عدم تجاوز ليبرمان نسبة الحسم، كما حدث مع بينيت، وقد كان هذا التوقع ممكناً، حيث كانت استطلاعات الرأي، ثم التقديرات الأولية تشير إلى هذا، كما كان حال القائمة العربية الثانية، أي قائمة التجمع والموحدة، المهم في الأمر هو أن اليمين فاز بأغلبية 65 مقعداً، في واقع مشابه لما كانت عليه القاعدة البرلمانية للحكومة السابقة، لكن مع فارق مقعد واحد، يبدو أن هذا المقعد سيكون حاسما، وهو على الأقل قد عطّل من قدرة نتنياهو ليس على المناورة مع الشركاء في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، بل وفي احتمال أن ينجح في تشكيلها أم لا.
هذا الاحتمال، أي احتمال أن يفشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، لم يكن يخطر على باله بالطبع، ولا حتى على بال أحد من المراقبين، وحيث أنه بات احتمالا يطل برأسه اليوم، فإن ذلك يعني بأن فوز اليمين الإسرائيلي بنتيجة الانتخابات السابقة صار بطعم الخسارة، لكن كيف حدث هذا، أو كيف صار ذلك ممكناً؟!
أولاً مر أسبوعان على تكليف نتنياهو رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة وهو فعلا قد التقى كل الشركاء، أي كل القوائم اليمينية التي تجاوزت نسبة الحسم، وهي مجموعها خمس قوائم إضافة إلى الليكود الذي فاز بـ 36 مقعدا، منها حزب كولانو الذي فاز بأربعة مقاعد واتحاد الأحزاب الوطنية الذي فاز بخمسة مقاعد، وهذه ليست لليكود أية مشكلة معها، فـ «كولانو» يريد فقط أن يحتفظ بوزارة المالية، فيما الحزب الآخر يدين أصلا لنتنياهو بفضل تشكيله، ويكون بذلك بجيب زعيم الليكود 45 مقعداً، لكن مشكلته تكمن في العشرين مقعدا الأخرى وهي بين كل من الحريديم ممثلين بحزبي شاش وله 8 مقاعد ويهودوت هتوراه وله 7 مقاعد، والحزب اليميني العلماني ممثلا بإسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان وله 5 مقاعد .
وكما افترق اليمين في الدورة السابقة أي الدورة العشرين للكنيست وذهب لانتخابات مبكرة بسبب الخلاف حول مشروع قرار التجنيد، ها هو يفترق اليوم على ذات المنعطف، هذا إضافة إلى تحد آخر يتمثل في شراهة الشركاء أو حتى بابتزازهم لليكود عند الحديث عن توزيع المقاعد الوزارية.
فإضافة إلى أن الشركاء يطالبون بأكثر من عدد المقاعد الوزارية فإنهم يريدون أهم الوزارات بما في ذلك الدفاع والمالية والتعليم والعدل، ولا يبقون لليكود إلا رئاسة الوزراء والخارجية، ومن أجل تحصين قوة الليكود فإن نتنياهو ما زال يعرض على «كولانو» الانضمام لليكود، خاصة وأنه ليكودي سابق، حتى يقول أمام زملائه بالحزب بأن المالية لليكود مع الخارجية، لكن هذا العرض لا يكون بلا ثمن، فنواب «كولانو» زملاء كحلون يريدون تحصينا لهم بالمقابل، إضافة لهذه المشاكل، تبدو الطامة الكبرى هي في كيفية جمع الحريديم مع «إسرائيل بيتنا» فيما يخص الموقف من قانون التجنيد بالتحديد.
المعركة حادة بين الطرفين، فالأحزاب الحريدية ردت على ليبرمان بالطلب بوزارة الهجرة والاستيعاب لتتحكم بالمهاجرين الذين يمثلون قاعدة «إسرائيل بيتنا» الانتخابية، والتي ستحدد لاحقا التوجه لفتح أبواب الهجرة للمتدينين واليهود الحقيقيين وفق معيارها، أي من غير المولودين من زيجات مختلطة، كما هو حال معظم المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق.
لذا فإن ليبرمان يريد هذه الوزارة بالتحديد لهذا السبب، ولهذا من جهته فإن نتنياهو يفكر في مخرج يتمثل في محاولة انتزاع ولو عضو كنيست واحد من قائمة ازرق_ابيض، التي هي قائمة توافقية كانت بين جنرالات الجيش السابقين وحزب يوجد مستقبل، حيث من المستحيل أن يفكر الرجل مثلا بمحاولة انتزاع عضو من «العمل» أو «ميريتس» أو حتى العرب، وهو لو نجح في هذا، فإنه لن يكتفي بحكومة بأغلبية ضئيلة أي أغلبية عضو واحد أو بقاعدة 61 عضوا، يشكلها مع الأحزاب الحريدية، ويستثني ليبرمان وحزبه كما فعل في الدورة السابقة، لكنه سينتظر أن ينضم ليبرمان صاغراً لاحقاً بالحكومة، أي أنه لو نجح في شق عضو كنيست من ازرق ابيض، فإن ذلك فضلاً عن أنه سيمنع خصمه غانتس من فرصة تشكيل الحكومة بدلا منه، سيجعله في موقف مريح في التفاوض مع ليبرمان، وتجنب الفشل أو حتى الذهاب لخيارين أحلاهما مر، ويتمثلان في الاختيار بين حكومة الوحدة الوطنية مع بيني غانيتس ويائير لبيد، أو الذهاب مجدداً لانتخابات جديدة .
هذه الصورة وهذا التعثر في تشكيل الحكومة الإسرائيلية يلقي بظلاله القاتمة على ما تنتظره الإدارة الأميركية من انتهاء حليفها من هذه المهمة، استعداداً لإعلان صفقة القرن، وهي فرصة أخيرة للجانب الفلسطيني ليرتب وضعه الداخلي، من أجل مكافحة هذه الخطة، وفرض احتمال ردها على البيت الأبيض أو تعديلها في أحسن الأحوال.