بعض الأوجه الخفية لصفقة القرن

عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

عبد المجيد سويلم

ليس هناك ما هو خفيّ في صفقة القرن عندما يتعلق الأمر بالقضايا الجوهرية، ولكن التفاصيل فيها ما هو خفيّ.
* القدس، حيث تم الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، وتمّ نقل السفارة الأميركية اليها، ولاحقاً تم إدماج القنصلية الأميركية بهذه السفارة في خطوة استفزازية إضافية.
بعض الأوساط الأميركية تحاول في هذا الإطار بالذات ان تخادع الرأي العام الفلسطيني بالحديث عن ان الإدارة الأميركية لم تعترف «بالقدس الموحدة»، حسب المفهوم الإسرائيلي، كما ان حدود السيادة الإسرائيلية ليست مسألة محسومة، ويمكن ان تكون هذه المسألة بالذات موضوعاً للتفاوض.
كما تحاول هذه الأوساط الأميركية ان توحي بأن مسألة السيادة على الأماكن المقدسة ليست نهائية، وهي لذلك ما زالت موضع تفاوض، كما ان المسألة لا تقتصر على بلدة «ابو ديس» وانما يتعلق الأمر بإحياء أخرى كبيرة من ما يسمى بالقدس الكبرى، والحقيقة ان هذه الخدع الأميركية مكشوفة، لأن كل ما يدور الحديث عنه هو تحويل الحقوق الفلسطينية في المدينة المقدسة الى موضوعات إما محسومة لصالح إسرائيل او موضوع للتفاوض، وبذلك فإن مجرد الجلوس على طاولة المفاوضات حول هذه المسائل هو بمثابة اعتراف فلسطيني مسبق بالذهاب الى حلول وسط نعرف الى اين ستنتهي في ظل التوازن القائم.
تعتبر الإدارة الأميركية ان المسألة ما زالت مفتوحة للتفاوض في حين نعرف جيداً، ان هذا التفاوض لا يعدو كونه خدعة واستدراجاً مباشراً لشرعنة ما تم حسمه لصالح اسرائيل، ولتقزيم كل ما تبقى من قضية القدس، ومسخ «السيادة» الفلسطينية وتحويلها الى سيطرة بلدياتية على بعض الاحياء المتناثرة من حولها.
* اللاجئون، وهنا ايضاً يلاحظ ان التسريبات الأميركية المقابلة للتسريبات المختلفة تحاول ان توحي بأن الإدارة الأميركية لم تتخذ موقفا رسميا يلغي «مناقشة» مسألة اللاجئين.
وتورد بعض الأوساط الأميركية للتدليل على ذلك ما يتم الحديث عنه حول تعويض الدول التي يقيم فيها القسم الأكبر من اللاجئين بما في ذلك التوطين.
هنا توحي الإدارة الأميركية بأن موضوع اللاجئين يمكن ان يظل قائماً طالما يتعلق الأمر بالتعويض وليس بالحق في العودة. لكن الأمور لا تقف عند هذا الحد، لأن البعض من القائمين على صفقة القرن لا يستبعد ان يتم طرح التعويض عن أملاك اليهود العرب مقابل التعويض عن أملاك الفلسطينيين. كما لاحظنا جميعا فقد ازدادت بصورة ملحوظة نغمة الحديث عن أملاك اليهود العرب وهناك من بدأ يتحدث عن ارقام بمئات المليارات، وذلك بهدف قطع الطريق على كل ما يتعلق بالحق في التعويض، إضافة طبعاً الى قطع الطريق بالكامل على الحق في العودة.
* الضم للأرض الفلسطينية، في هذا الإطار ايضاً بدأ بعض الأوساط المتنفذة في الإدارة الأميركية والقريبة من مركز صنع القرار في البيت الأبيض الحديث عن «الضم» باعتباره مسألة أمن حيوي لإسرائيل، وأن «الاستيطان» الرئيسي اصبح «موضوعياً» جزءاً من الواقع الذي لا يمكن القفز عنه.
هنا يتحدث هؤلاء بكل وضوح عن ان اكثر من ١٠٪ من مساحة الضفة باتت بحكم المصادرة (وهي المساحة المفترضة للكتل الاستيطانية) اضافة الى ما يلزم من المساحة التي لا بد وان تكون (المجال الأمني) لهذه المستوطنات.
باختصار، أصبحت مسألة الضم محسومة، واذا كان لا بد من تفاوض هنا، فهو حول المساحة التي سيتم السيطرة عليها بالكامل بعد ان يتم الضم بصورة نهائية.
وعندما يتم الحديث عن الأمن عموماً وتحديداً أيضاً، فإن الإدارة الأميركية تعيد التذكير والتأكيد على ان الولايات المتحدة ملتزمة أولاً وقبل كل شيء بأمن إسرائيل، وان هذا الأمن هو أولوية مطلقة للولايات المتحدة.
وعندما ندقق في جوهر مفهوم الأمن، فالأمر لا يتعلق بالأمن المتعارف عليه وانما يتعلق الأمر بالمفهوم الكلي الشامل.
ومن هذه الزاوية، وحسب المفهوم الأميركي للأمن، فإن الحدود جزء لا يتجزأ من الأمن، والمياه هي جزء لا يتجزأ من الأمن، والسيطرة على المجال الجوي هي جزء من الأمن، والسيطرة على المنافذ التجارية والبحرية هي جزء من الامن. بل ان الادارة الاميركية في الواقع «تبرر عدم» ميلها لحل الدولتين لأن الواقع تجاوز هذا الحل، والمقصود بذلك هو ان متطلبات الأمن بالنسبة لإسرائيل باتت تقتضي «تجاوز» حل الدولتين.
*الموضوع الاقتصادي، معروف ان الولايات المتحدة أجرت عدة استطلاعات للرأي حول اهتمام المواطن الفلسطيني، وقد استنتج كوشنير وفريدمان أن «الاهتمام» الاقتصادي بالسكان الفلسطينيين سيكون «كافياً» لموافقتهم على «الصفقة».
لم يفهم كوشنير وفريدمان ان اهتمام الفلسطيني بالأوضاع الاقتصادية ليس له علاقة من قريب او بعيد «بعدم» اهتمامه بالأوضاع السياسية وخصوصاً حقوقه الوطنية.
ولم يفهما ان الفلسطيني متمسك بأهدافه وحقوقه الوطنية اكثر من اي وقت مضى، وانه (اي الشعب الفلسطيني) مستعد للدفاع والذود عن هذه الحقوق وهو يرفض المقايضة من حيث المبدأ.
اذاً ما هو مخفي من الصفقة هو الأخطر، وهو الترجمة الفعلية لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية.
أما المخفي الأعظم فهو ان إسرائيل وقد حصلت على كل شيء قبل بدء المفاوضات المفترضة حول الصفقة، فيبدو انها لن تعترض مبدئيا على هذه الصفقة، واغلب الظن انها ستتحفظ على قضية هنا وأخرى هناك في سياق البحث والمناقشة، وهي تراهن ان الرفض الفلسطيني سيمكنها من الظهور بمظهر المرن والراغب في السلام، في حين سيُظهر الرفض الفلسطيني للصفقة الفلسطينيين كطرف عدمي ومتصلب ولا يصلح ان يكون شريكاً فعلياً للسلام.
هنا تكمن اهم وأخطر الكمائن المنصوبة لنا، وهنا بالذات يجب ان نقلب المعادلة قبل ان يتم خداع العالم أو بعضه، وقبل ان يتم مخادعة العرب او بعضهم، وقبل ان يتم إيهام بعض الفلسطينيين وإلهائهم بالبقاء في سدة الحكم في القطاع الى حين الاستغناء عن دورهم وعنهم بالكامل عند درجة معينة من تطور الأحداث.