واشنطن وطهران تواجهان الاختبار الصعب

محمد السعيد ادريس.jpg
حجم الخط

بقلم: د. محمد السعيد إدريس

 

لم يتردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التعامل مع إيران بذات المنهجية التى اختار أن يقود بها السياسة الخارجية الأمريكية وهي أن يضرب عرض الحائط بكل العوائق والاعتبارات القانونية التي أقرها المجتمع الدولي على مدى عقود طويلة لتنظيم العلاقات بين الدول، وأن يصعد في توظيف كل أدوات الضغط بما فيها القوة العسكرية لإجبار إيران على القبول بما يريده، وما يريده فعلياً هو إسقاط النظام الذي يعتبره، كما يعتبره قادة الاحتلال الاسرائيلي العائق الإقليمي الأكبر لفرض المشروع الإسرائيلي في الشرق الأوسط.

قد لا يكون هدف إسقاط النظام الإيراني هدفاً معلناً لأسباب تتعلق بمحدودية القدرة الأمريكية على تحقيقه، وأن هناك أهدافاً أخرى تضمنتها المطالب الـ12 التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو كشروط للتوقف الأمريكي عن التصعيد ضد إيران: مطالب تشمل القدرات النووية الإيرانية وتشمل القدرات الصاروخية الإيرانية كما تشمل ما تعتبره واشنطن وحلفاؤها تدخلا إيرانيا فى الشئون الداخلية للدول، ناهيك عما تسميه «دعم الإرهاب» وهنا يكون المقصود هو كل منظمات وأشكال المقاومة الرافضة للسياسة العدوانية الإسرائيلية.

انسحب ترامب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران من جانب الدول الست الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا) مع إيران في لوزان عام 2015، وقرر فرض عقوبات مشددة ضد إيران، كان آخرها قراره منع إيران من تصدير نفطها ابتداءً من تشرين الثاني الماضي مع منح إعفاءات لثماني دول تعتمد بدرجة كبيرة على استيراد النفط الإيراني لتدبير أمورها لمدة ستة أشهر تلتزم بعدها بالتوقف نهائياً عن استيراد النفط الإيراني انتهت يوم الثاني من ايار الحالي، ما يعني أن الأزمة بين البلدين دخلت الآن ما يمكن تسميته «الزمن الخطر».

الولايات المتحدة تضع نفسها بذلك فى مواجهتين كبيرتين: مواجهة مع الدول الكبرى التي تستورد النفط الإيراني وعلى رأسها الصين والهند وتركيا إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية فهل تستطيع الولايات المتحدة أن تصطدم مع الصين والدول الأخرى؟ هل في مقدورها منع الصين والهند وتركيا من استيراد النفط الإيراني؟ وكيف سيكون الرد الأمريكي في حال عدم التزام هذه الدول بالتهديدات الأمريكية؟ أما المواجهة الثانية فهي مع إيران التى أكدت أنها لن تلتزم بالقرار الأمريكى ولن تتوقف عن تصدير نفطها فماذا ستفعل واشنطن مع إيران إذا لم تلتزم بالتوقف عن تصدير النفط؟ هذا يعني أن الولايات المتحدة وضعت نفسها أمام اختبار صعب إذا فشلت في اجتيازه أي إذا فشلت في منع إيران من الوصول بصادراتها النفطية إلى الصفر.

هذا الفشل، إن حدث، سيكون كارثة بالنسبة للرئيس الأمريكي الذي يواجه تصعيداً غير مسبوق من الحزب الديمقراطي بخصوص التشكيك في تقرير وزير العدل وليم بار الذي اتهمته رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي بـ «تضليل» مواطنيه، بعد ما اعتبر أن التقرير الذي أعده المحقق الأمريكي الخاص روبرت مولر الذي تولى التحقيق في تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي فاز فيها دونالد ترامب عام 2016، قد برأ الرئيس الأمريكي من التواطؤ مع موسكو، ما يعني أن الرئيس ترامب في أسوأ أحواله داخلياً وهو يستعد لإكمال ولايته الأولى وخوض غمار ولاية ثانية العام المقبل، وفشله في التحدي الذي فرضه على نفسه مع إيران يعني، في ظل أوضاعه الداخلية المتردية، إعلاناً مسبقاً بفشله في الانتخابات المقبلة، وسقوط كل سياساته بالتالي وهذا أحد رهانات إيران لكسب المعركة مع ترامب وإدارته.

إيران هي الأخرى تواجه اختباراً صعباً إذا لم تستطع الصمود أمام الضغوط الأمريكية، أي إذا لم تستطع كسر حاجز الحصار الأمريكي، وإذا لم تنجح أيضاً في فرض قدرتها على تصدير نفطها هنا من الضروري أن نتساءل عن كيف سيكون بمقدور إيران إفشال ما تعتبره سياسة عدوانية أمريكية؟ المرشد الإيراني الأعلى السيد على خامنئي وضع معالم الرد الإيراني بتأكيده أن تشديد العقوبات الأمريكية لن يمر دون رد، ما يعنى إعطاء أولوية لخيار المواجهة مع الولايات المتحدة إذا هي نفذت تهديداتها ضد إيران. لكن في كل الأحوال فإن خيارات إيران تبقى محدودة بخيارين إما التصعيد وإما التهدئة.

والتصعيد هنا يعني أكثر من خيار أبرزها بالطبع إغلاق مضيق هرمز في حال المنع القسري لإيران من تصدير نفطها، ما يعني الدخول في حرب مع الأمريكيين إذا تعرضت ناقلاتها النفطية لأى اعتداء، وهناك العديد من الأهداف الأمريكية التي يمكن استهدافها في الجوار الإقليمي لإيران أبرزها وجود أكثر من 5500 جندي أمريكي وثلاثين قاعدة عسكرية أمريكية في العراق، ونحو 2000 جنديأمريكى في شمال شرق سوريا، ناهيك عن القواعد الأمريكية المنتشرة بكثافة في عدد من الدول الخليجية، وهناك نقطة الضعف الأمريكية الكبرى أي إسرائيل التي باتت محاطة بثلاث جهات: جنوب لبنان وغزة وجنوب سوريا، في وقت يؤكد فيه القادة العسكريون الإسرائيليون أن الحرب المنتظرة بين حزب الله وإسرائيل ستكون الجبهة الداخلية الإسرائيلية ميدانها.

هناك تصعيد إيراني ممكن في مجال آخر هو الانسحاب الرسمي الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني، والعودة بالبرنامج الإيراني إلى سابق عهده قبل توقيع الاتفاق عام 2015 وربما تتمادى إيران في هذا الاتجاه وتنسحب كلية من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية وتأخذ بالخيار الكوري الشمالي.

رغم ذلك فإن خيار التهدئة مازال متاحاً وممكناً وهذا ما يحاوله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدعم من الرئيس حسن روحاني على العكس من خيارات الحرس الثوري وقادته. فقد أكد ظريف أن بلاده ستتصرف «بحكمة» إزاء ما يراه سياسات أمريكية خطيرة، وقال على هامش حضوره في نيويورك فعاليات يوم السلام الدولي أن «إيران ستواصل بيع النفط، وأننا سنجد مشترينا وسنبقى نستخدم مضيق هرمز» مضيفاً «من مصلحتنا ومصلحة الجميع أن يبقى مضيق هرمز مفتوحاً كما أننا سنتخذ إجراءات وقائية إذا تم منعنا من بيع النفط». خياران يكشفان حقيقة أن المعضلة التي تواجه إيران لا تقل عن المعضلة التى تواجه الولايات المتحدة وكلاهما يواجه التحدي وكلاهما أمام الاختبار الصعب.